كنت أشاهد احد أفلام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة فى العصر الذهبى للسينما المصرية وتوقفت كثيرا عند قصور مصر التاريخية التى كانت تتناثر كقطع من النور على ضفاف النهر الخالد .. كانت القصور جميلة والبشر مهذبين ولغة الحوار تصلح لأن تكون دروسا فى التربية والأخلاق..وكان الحب يومها شيئا صادقاً ورائعا وجميلا..كانت الأشواق حقيقة والحنين مشاعر صادقة وكان هناك تناغم بين الأشياء والأماكن والبشر..كان الغناء كلاما جميلا والألحان إحساسا رائعا وكانت الأصوات تأتى من السماء تهذب القلوب وتحيى المشاعر..ومنذ اقتحمت الكتل الخرسانية عيون المصريين فسدت العمارة وأصبح القبح سلطانا يحكم .. وتحولت القصور إلى قبور للأحياء الموتى الذين يسكنون هذه الغرف المزدحمة.. كان النيل يتباهى وهو يعبر القاهرة وكأنه يؤدى الصلاة فى رحاب وطن عظيم وجميل.. وكانت عيون الناس تدرك قيمة الجمال فحافظت على الأشجار والأحجار والبشر..عدد كبير من القصور هوى وتحطم أمام معاول القبح .. كنا نغنى للنيل ونتكلم معه وكان يبوح لنا بكل أسراره وهو يعبر آلاف الأميال هنا تعثر وهنا أحب وهنا خاصمه الزمان .. واعتدنا زمنا على أن نتحدث مع الأشجار والعصافير وكانت لغتنا مفهومة لان الجمال يسكننا ومنذ احترفنا القبح تعلمنا الكذب وساءت لغة الكلام حتى سقطت فى مستنقع البلاهة..كنت أشاهد فاتن حمامة وبدت فى عيونى صورة هذا الزمن الجميل وحين سمعت أنها دخلت المستشفى شعرت أن جزءا عزيزا من قلوب المصريين يشعر بالألم لان الزمان لم يعد زمن فاتن حمامة ولكنه أصبح زمن تجارة العرى والأخلاق الفاسدة ومسلسلات التيك اواى كان زمن فاتن حمامة راقيا فى كل شئ فنا وإبداعا وحوارا وسلوكا ولا أدرى كيف يمكن ان نستعيد هذا الزمان.. كان الفيلم من الافلام القديمة شعرت بمتعة مع أداء فاتن حمامة ومتعة اخرى وأنا أشاهد شواطئ النيل يوم أن كان شامخا وجميلا .. وقبل هذا كله سمعت ورأيت الحوار الراقى يتجسد فى لغة جميلة ومشاعر صادقة كثيرا ما أعود إلى صورة مصر حين كان المصريون يدركون قيمة الجمال.