»حقوق الإنسان«.. »الحقوق المدنية«.. »الحق فى الاحتجاج«.. بعض من الشعارات الوهمية التى تتباهى بها أمريكا ولطالما ضللت بها العالم. ففى عام 2003 سمحت الولاياتالمتحدة لنفسها بغزو العراق رافعة راية الحرية، مدعية ان هدفها الرئيسى هو تخليص الشعب العراقى من ديكتاتورية الرئيس الراحل صدام حسين. ولكن سرعان ما تحطمت هذه الشعارات الرنانة على أبواب سجن »أبو غريب« العراقى السييء السمعة، الذى يقع على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة بغداد. ففى يونيو 2003، فجرت منظمة العفو الدولية فضائح الانتهاكات الإنسانية التى يرتكبها الجنود الأمريكيون خلف أبواب السجن الشهير، كاشفة عما يرتكبونه من وقائع تعذيب واغتصاب وانتهاكات جنسية وجسدية وسوء معاملة للسجناء العراقيين، ناهيك عن استخدام العنف كوسيلة من وسائل استجواب المعتقلين وهو ما نتج عنه مصرع العديد منهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فلم يتورع هؤلاء الجنود عن التباهى بما اقترفوه من جرائم وحشية ضد الإنسانية إذ التقطوا العديد من الصور لأنفسهم ولزملائهم وهم يمارسون أقسى أشكال التعذيب والقتل والانتهاكات ضد المعتقلين العزل، الذين لم توجه لأغلبهم أى اتهامات محددة أو تتم إدانتهم أمام المحاكم المدنية أو العسكرية. واستندت المنظمة الدولية فى تقريرها إلى شهادات معتقلين سابقين فى »أبو غريب«، بل ورصدت أيضا مظاهرة أطلقها السجناء احتجاجا على ما يتعرضون له من معاملة وحشية والسجن لمدد طويلة دون محاكمة. وانتهت هذه المظاهرة بمقتل أحد المعتقلين وإصابة سبعة آخرين بإصابات بالغة. وأمام هذه السلسلة من الانتهاكات التى وجدت طريقها إلى النور، لم تحرك الإدارة الأمريكية آنذاك فى عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن ساكنا ولم يلتفت الجيش الأمريكى إلى الإدانات التى بدأت تتدفق من كل حدب وصوب، إلى أن بدأت وسائل الإعلام الأمريكية فى شن حملة موسعة ضد فضائح أبو غريب بدأتها وكالة »أسوشيتد برس« تبعها برنامج 60 دقيقة على قناة »سى بى إس« الإخبارية . وانتفض الشعب الأمريكى فى ثورة غضب عارمة ضد ما ترتكبه إدارته من انتهاكات وجرائم وحشية، محطمة كل مبادئ المدنية الحديثة وحقوق الإنسان. وعلى الرغم من قرار القيادة العسكرية الأمريكية فى العراق بإغلاق سجن أبو غريب فى 2006 ونقل السجناء المحتجزين به إلى مركز اعتقال آخر بالقرب من مدينة أبو غريب العراقية، إلا أنه أعيد فتحه فى 2009 تحت مسمى سجن »بغداد المركزي«، وتعرض السجن لهجوم مسلح فى 2013 ساعد فى فرار أكثر من 500 سجين، ولم تجد السلطات العراقية بدا من إغلاقه نهائيا فى أبريل الماضي. وفى محاولة لحفظ ماء وجهها، شهدت المحاكم العسكرية الأمريكية سلسلة من المحاكمات للجنود الأمريكيين الذين عملوا فى أبو غريب خلال هذه الفترة وعرفهم العالم من خلال صور التعذيب المؤلمة والمشينة لأمريكا وجيشها. ولكن، للأسف، سرعان ما انتهت هذه المحاكمات بإدانات واهية وأحكام ضعيفة. فالمجندة لينزى إنجلاند التى اشتهرت بصورها وهى تنتهك المعتقلين العراقيين جنسيا وتسحب أحدهم بسلسلة مثل الكلب لم تتجاوز عقوبتها السجن ثلاث سنوات، وذلك بالرغم من إدانتها فى حوالى سبع اتهامات موجهة ضدها. أما فيما يتعلق بالجنود الأمريكيين الذين تورطوا فى هذه الانتهاكات، فواحد منهم فقط صدر ضده حكم بالسجن 10 سنوات أما الباقون فبعضهم من تمت تبرئته وآخرون لم تتجاوز عقوبتهم السجن لبضعة أشهر. والغريب فى الأمر أن منظمات حقوق الإنسان وقفت صامتة فى مواجهة هذه العقوبات التى لا تتناسب مع حجم الجرم الذى ارتكبه هؤلاء المجندون ووحشيتهم غير المبررة. ولكن يبقى سجن أبو غريب وما ارتكب من جرائم خلف أسواره وصمة عار فى جبين أمريكا ودليلا على فشل وعجز منظمات حقوق الإنسان بمختلف أشكالها.