أبدأ سطورى هذه بتقديم أطيب وأصدق الأماني؛ وأجمل وأخلص التهانى بمناسبة شهر مضان المعظم وقرب حلول العيد.. وفى هذه الأجواء الروحية العطرة والتى تملأ مصرنا الحبيبة الغالية بمشاعر مضاعفة من الإيمان بالله؛ والعمل على تنفيذ وصاياه؛ سمعت صوت الخطيب فى المسجد المجاور لمنزلي، والذى يصلنى عبر مكبرات الصوت صباحا ومساء سمعته يحكى قصة السيدة العذراء مريم أم السيد المسيح، ولفت انتباهى جدا قولها لأهلها عندما سألوها عن حملها وولادتها بدون أن يكون لها زوج، فأشارت لهم إلى ابنها الوليد أن يسألوه قائلة: «إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا» (سورة مريم26)، وهكذا لم تتكلم واختارت أن تكون «كالبكماء» رغم أنها ليست كذلك.. ولما سمعت كلام الخطيب المفوه، برقت فى رأسى فكرة قد تبدو غريبة، ولكننى أظنها معقولة ومفيدة. فقلت لنفسي: إننا فى أيام الصيام نفرض على أنفسنا عدم تناول الطعام طاعة لكلام الله، ونصبر على ما يسببه لنا ذلك من جوع وعطش تنفيذا لأمر لله، فلماذا لا نعتبر نحن «الأقوياء الصابرين» الذين أراد الله لنا أن نفقد حاسة من حواسنا الخمس أو نفتقد قدرة من القدرات الطبيعية المتنوعة والمعروفة هذا الفقد أو الحرمان نوعا من الصيام الذى فرضه الله علينا لحكمته التى هى أكبر وأعظم من تفكيرنا، وذلك لتقويتنا وصقلنا، واختبارا لصدق إيماننا وثقتنا فى رحمته بنا. واسمحوا لى بتوضيح فكرتي: أتمنى من كل قاريء عزيز، قد يكون فقد إحدى حواسه ولم يفقد أحاسيسه، أو افتقد إحدى قدراته الطبيعية ولم يفقد إيمانه بالله وثقته بنفسه، أن يعتبر نفسه مالكا لهذه الحاسة أو القدرة ولكنه (صائم) عن استخدامها، تماما كما فعلت السيدة مريم العذراء التى صامت عن الكلام: رغم أنها لم تكن خرساء.. وأختتم سطورى هذه ببضع كلمات للأحباء الأصحاء، مكتملى الحواس والقدرات، داعيا الله أن يرعاهم ويحافظ عليهم، وأن يحفظ لكل منهم حواسه وقدراته التى أنعم بها عليه فأقترح على كل منهم أن ينتهز فرصة الشهرالكريم، فيصوم اختياريا عن استعمال واحدة من حواسه الخمس أو قدراته الكثيرة والعظيمة، ليعرف ويلمس مدى ما يعانيه من حرم هذه الحاسة أو القدرة، وصعوبات حياته بدونها.. وإذا كان سيصعب عليه الاستغناء عن استعمال إحدى حواسه أو قدراته تماما، فليستغن وليصم ويمتنع عن استعمالها فيما قد يغضب الله؛ حتى ينعم برحمته ورضاه.