أكتب إليك وقد قرأت ما جاء من رسائل عن ست الحبايب في بريد الجمعة, واستلفت نظري عنوان الستار المزيف. ورغم تذوقي مشاعر اليتم فقدانا لأبي وأنا ابن العاشرة, إلا أن يتمي الحقيقي قد انفجرت ينابيعه يوم فقدت ست الحبايب منذ ستة شهور خلت, رغم أنني قد تخطيت الخمسين وأعمل أستاذا جامعيا بفضل الله وفضلها. وأنا لا أكتب اليوم عنها أو عن مشاعري فلا الأولي يمكنني أن أوفيها بها حقها بعدما ترملت وهي في أوائل الثلاثين من عمرها مكتفية بكلمة لا تزال مسامعها في أذني ترد بها علي من تقدموا لها بأنها قد( تزوجت وحيدها), إذ كانت تعنيني بهذه الكلمة. أما مشاعري فبياني بحق يصيبه ما أصابها في نهاية الرحلة من الزهايمر حتي تصبح هذه المشاعر مقصورة عليها فحسب بعدما ارتشفت رحيقها تعبيرا وحظيت ببركتها دعاء. ولكني أكتب منفعلا مما ذكر في( الستار المزيف) من الافتخار بوضع أم في دار المسنين مكتفية ابنتها بسداد الحسابات, وأجد في الصورة المقابلة موقف أخواتي الثلاث لاسيما الصغري تجاه أمنا, التي تركت لنا إرث البركة بين الأبناء. إذ حملت الصغري عنا كل أعباء شيخوخة أمي وسبحان الله الذي جعل الابنة عندها بمثابة الأم, حيث في غمرة نسيانها لأسمائنا لم تكن تناديها بكلمة سوي ماما. أما أنا فما أن تراني في زياراتي لها بحكم سكناي بعيدا عنها في مقر عملي حتي تتذكرني وتصر علي جلوسي بجوارها تربت علي حانية وكأنها بي وأنا ما أزال طفلا لا حول ولا طول لي سواها. يا الله أي نعمة حرمت بفقدها وأي حزن نبيل استشعرته وأنا أوسدها مثواها الأخير, وأي جفاء أستشعره وأنا أقرأ تلك الرسالة التي أدعو صاحبتها بنصح صديقتها أن تلحق ما تبقي من رضا أمها وتنعم بحنوها ما تبقي لها من أيام, حتي لا تذوق من نفس الكأس أو تجد أمها خصيما لها يوم الفزع الأكبر. كما أرجو أن أرسل من خلال بابكم باقة حب وامتنان لأختي الصغري وزوجها علي ما قدماه لأمي التي فارقتنا وهي بحمده تعالي راضية عنا مرضية من المولي جزاء ما قدمت يداها, عسانا أن نجتمع بها يوم الظلة لنشكر المولي أولا أن حبانا بها أما, ونحمده ثانيا أن جمعنا بها بفضل رضاها عنا. اللهم آمين.. ولكم ولكل الأمهات في عيدهن دعوات وتحيات عطرة ولمصر الأم تمنيات نضرة نضارة النيل علي أرضها الغالية. أ. د/ حسن السعدي كلية الآداب جامعة الإسكندرية