شاهدت مسرحية سك على بناتك على خشبة المسرح سنة 1979 وكان الفنان محمد أبو الحسن يؤدى فيها دور رئيس السفرجية فى مشهد الفرح الافتتاحى والذى ينظم المرور بين العمال حاملى الزهور بأسلوب كوميدى مبتكر وكان يقدم دور السفرجى »الأليط« شديد التألق والإعتزاز بمهنته .. بينما يؤدى دور حنفى العريس زوج فوزية الفنان الكبير اسامة عباس .. ولاسباب تتعلق بحكمة رب العباد فى توزيع الأرزاق والنصيب المكتوب اعتذر الفنان اسامة عباس عن استكمال دوره قبل التصوير التليفزيونى وقرروا الاستعانة بمحمد أبو الحسن الأقرب الى حفظ الدور والانسجام مع مجموة العمل ليؤدى نجمنا الراحل دور عمره فى تجسيد شخصية فريدة اشبه بالكاريكاتير ولكنها من دم ولحم العريس البخيل المكافح الذى يقف فى الطوابير منتظراً الاتوبيس ذو التذكرة المدعومة حتى فى يوم فرحه والذى يقف فى أى طابور ليحصل على سلعة رخيصة موفرا بضعة قروش فيحصل بالصدفة على صورة موقعة من النجمة ميرفت أمين فلا يعرفها مثلما لا يعرف النجم العالمى عمر الشريف فالفن والثقافة والفكر أمور تخرج عن دائرة اهتمامه وهو نمط موجود فى المجتمع نجح محمد أبو الحسن فى أن يجسده بخفة ظل عالية مع إضافة جزء من شخصيته الساخرة ودعاباته غير المتوقعة.. وأبو الحسن مثقف وقاريء نهم لا يحمل من صفات حنفى الا الدأب والكفاح.. يكفى أن نذكر أنه نال أول فرصة كبيرة فى مسرحية «سك على بناتك» بعد تخرجه من الجامعة بتسعة عشر عاما.. حيث حصل على بكالوريوس الزراعة فى عام 1960 وعمل مهندسا زراعيا بمديرية التحرير ثم ترك الوظيفة بتأثير عشقه لهواية التمثيل وقرر الاحتراف فعين مخرجا فى برامج الأطفال فى التليفزيون ليمارس التمثيل والأخراج معا ثم تبدأ رحلته مع المسرح فى عام 1979 مع النجمة الراحلة نجوى سالم فى مسرحية «حاجة تلخبط» ومنها التقطته فرقة ثلاثة أضواء المسرح ليكون من شبابها ويشارك بأدوار صغيرة فى عروض منها المتزوجون ومن أجل حفنة نساء ثم قدم مع فرقة المسرح الجديد مسرحية حاول تفهم يا زكى قبل ان يختاره الأستاذ فؤاد المهندس ليكون واحدا من أسرته الفنية فى «سك على بناتك» وبعدها شارك أبو الحسن فى عدد قليل نسبيا من المسرحيات بالقياس الى حجم موهبته وعشقه لهذا الفن.. منها «دبابيس» و «هات وخذ» .. ولو انت قطة أنا فار مع فرقة ثلاثى أضواء المسرح ومسرحية «أوبك» من تأليف وانتاج فايز حلاوة عام 1987 ثم الموقف خطير جدا من تأليف مسرح القطاع الخاص الى الإعتماد على النجم الأوحد الذى تدور حوله كل الأحداث ويعمل باقى أعضاء فرقته على التخديم له وليس للموقف الدرامى قرر أبو الحسن أن يكون من أوائل نجوم الكوميديا الناجحون فى حوض تجربة العمل بالقطاع العام وهو مايعنى بكل تأكيد التضحية بفارق الأجر لصالح الفن ومتعة التمثيل .. قدم أبو الحسن على المسرح الكوميدى دور زقلط حرامى الفراخ فى مسرحية حلق حوش عام 1990 ومسرحية «رصاصة فى الكلب لولو» عام 1993 من إنتاج قطاع الفنون الشعبية وهى المسرحية التى شرف صاحب هذه السطور بكتابة أشعارها لتتضاعف المتعة فى صحبة ذلك الفنان الكوميدى الظريف الخلوق ويقدم أبو الحسن مسرحية مهمة من أعماله هى اللعبة الكبيرة على مسرح الشباب فى عام 1994 ويعود ليختتم حياته الفنية مثلما بدأها بالعمل للطفل ويقدم مسرحية أسعد سعيد فى العالم والتى حازت نجاحا كبيرا أدى الى إعادتها عدة مرات وكانت سببا فى تألق كل نجوم مسرح الطفل حول أستاذ يعشق العمل الجماعى وإتاحة الفرص للمواهب الشابة وضرورة أن تتواصل الأجيال فيقدم الكبار دعمهم وتشجيعهم للشباب.. والحقيقة أننى كنت واحدا من الشباب الذى دعمه الفنان محمد أبو الحسن بالنصيحة والمودة وشرفنى بالصداقة الغالية وكان يتصل فى كل عام فى أول رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى وشم النسيم ورأس السنة الميلادية والهجرية مهنئا بكلماته الطيبة المبهجة. وكانت زوجتى تقول لى فى صباح يوم العيد لاتنسى أن تتصل بالأستاذ محمد أبو الحسن فلا يصح أن يكون هو فى سن والدك ويبادرك دائما بالاتصال فأجيبها فى خجل: فعلها مرة أخرى ويسبقنى بالاتصال فى ليلة العيد مرددا عليها قفشاته الطريفة عبر الهاتف... سأفتقدك كثيرا يا أستاذ أبو الحسن لقد ودعتنا فى يوم من أيام الفرحة يوم أن حدد الشعب المصرى بارادته اختيار رئيس جديد للبلاد يعتذر اذا أخطأ فى اللغة العربية.. ويعتذر اذا تعرضت فتاة للأذى فى ظل ولايته.. رئيس جمهورية يتحدث فى أول خطبة له عن ضرورة وجود ملاعب رياضية ومسارح فى مدارس مصر كانت آخر كلمات محمد أبو الحسن على صفحته الشخصية عبر موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك «يارب احفظ مصر» ... وتسبقها عبارة كتبها على صفحة وسمعتها منه مرارا حتى كأننى أحس بصوته وأنا أقرأ الكلمات «مصر نقطة الدم اللى تحييني.. والمسرح بالنسبة لى كل حياتي» .. رحم الله الفنان الكبير الطيب محمد أبو الحسن.