بين كل صفحات كتاب التاريخ المصري لا تجد فترة صعبة حالكة كمثل التي تحياها مصر الآن، والتي بدأت قبل أكثر من أربعين شهراً مضت. فترة أصبح مشهد الدم علي أرض الشارع معتاداً. وانفجار القنابل بين المواطنين مألوفاً. وأمان الأسرة المصرية المكافحة مهترئاً. وصل الأمر إلي حد تهديد الأمن القومي المصري ذاته، بل و أصبح الخطر يتربص بوجود كيان الدولة المصرية أقدم دولة في تاريخ البشرية كلها. وأول تجمع سكاني وضع أسس قيام النظام الإداري لمعني كلمة «الدولة». من هنا كانت أهمية الانتخابات الرئاسية التي تقام بعد ساعات قليلة . الانتخابات الرئاسية المقبلة هي أهم إنتخابات في تاريخ مصر كلها بلا مبالغة. هي «إنتخابات وطن». وليست انتخاب شخص وعدم انتخاب آخر. لا نريد أن نسمع مرة ثانية تلك العبارات التي أساءت للوطن العظيم أشد إساءة مثل تلك التي سمعناها في سنة هي أسوأ سنوات التاريخ المصري الحديث. «إدوله فرصة».. «هو لسه عمل حاجه»... فقد أشعرتني تلك العبارات المؤذية طوال سنة «سودة» كاملة أننا لا نتكلم عن حكم «دولة» مصر، بل نتكلم عن حكم «شياخة» منطقة انتخابية اسمها مصر. علينا أن نحفظ لمصر قدرها وهيبتها وقيمتها ومقامها ومكانها ومكانتها. هي تستحق. وكفاها ما تجرعته من إهانات طوال أحلك فترات تاريخها. ذلك التاريخ الذي يدرسه تلاميذ مدارس العالم كله كنموذج للحضارة الراقية التي تعلمت منها الأمم . وحتي ننجح في تحديد «ملامح» اختيار الرئيس القادم لمصر علينا أن نحدد بدقة إجابات الأسئلة: هل تحتاج «مصر» إلي دولة، أم تحتاج إلي ثورة؟ هل تحتاج «مصر» إلي إقامة نظام، أم تحتاج إلي الثورة دائماً علي كل نظام وأي نظام؟ هل تحتاج «مصر» إلي استكمال بناء مستقبل حضارة كانت، أم تحتاج إلي استمرار العيش والإسترزاق من حضارة كانت ؟ هل تحتاج «مصر» إلي الهدوء والاستقرار، أم تحتاج إلي حالة الحراك الثوري دائم الغليان الذي ينسف أي هدوء وأي استقرار؟ هل تحتاج «مصر» إلي احترام القانون وتنفيذه، أم تحتاج إلي التظاهر لإسقاط أي قانون واستثناء بعض الأشخاص من تنفيذه ؟ هل تحتاج «مصر» إلي برنامج عمل، أم تحتاج إلي إضراب عن العمل طالما لم يحقق مكاسب البعض علي حساب مكاسب الكل ؟ وهل تحتاج «مصر» إلي فكر مستقبل قادم، أم تحتاج إلي تكالب علي حاضر قائم ينسف أي أمل في غد أفضل لأجيال قادمة ؟ هل تحتاج «مصر» إلي رؤية ومنهج وخطة، أم تحتاج إلي مظاهرة وخطبة وحماسة وكلمة لا تقدم ولا تؤخر؟ هل تحتاج «مصر» إلي إنتاج منتجات، أم تحتاج إلي إنتاج شعارات و كلمات وخطابات ومؤتمرات وفعاليات ووقفات احتجاجية؟ هل تحتاج «مصر» إلي قيادة عالمية ترفع قامتها بين الدول، أم تحتاج إلي قيادة محلية حدودها داخل إطار التنظيم الحزبي ضيق الأفق؟ هل تحتاج «مصر» إلي عِلم.. أم تحتاج إلي حِلم . بضعة أسئلة يلخصها سؤال جامع، بعد ثلاث سنوات تعطل فيها الوطن، هل نحتاج «دولة» مصر، أم نحتاج «شياخة» حزب؟ علينا أن ندرك أن رئيس مصر ينطلق إلي أبعد من حدودها.. ينطلق نحو «العربية». وهذا قدر مصر. فرئيسها ليس رئيساً محلياً خاصاً بمصر فقط .. رئيس مصر هو «قبضة» العرب القوية في وجه أعدائها.. ومنذ بدأ المشير السيسي حملته الانتخابية صرح و أدلي بالعديد من التصريحات والأقوال، إلا أن هناك عبارة واحدة إستوقفتني لأقرأ فيها ما هو أكثر من مجرد القول «جيشنا مِلك العرب». وهي عبارة ما نطق بها أي رئيس كقائد أعلي للقوات المسلحة من كل رؤساء مصر السابقين، حتي الرئيس جمال عبدالناصر نفسه الداعي الأول للقومية العربية ... «جيشنا مِلك العرب» يعني باختصار «كتف» مصري تقيل للوجود الأمريكي وقواعده هناك في المنطقة. وإعلان تدريجي عن قرب إنهاء وجود «عسكري» أمريكي في المنطقة. يا أخي، إنه «فكر» رئيس يتحدث عن «استراتيجية مصرية» لتصبح هي الإستراتيجية العربية «المعتمدة» لمنطقة دولية بأكملها. هي الأسخن بأحداثها. والأغني بمواردها الطبيعية بين مناطق العالم كله. إنه «فكر» رئيس يوسع زاوية رؤيته ليفرض وجود مصر خارج حدود مصر. ومن «يكبُر» مصر.. لا يستصغرها بتعب القلب في مطاردة بنك التسليف إللي ناصب علي الحاج حميدة في ألفين جنية ثمن سماد فدادينه.. لمزيد من مقالات مؤنس زهيرى