ردا على رسالة القارى العزيز, الأستاذ "رأفت صدقى", وهى رسالة قيمة تدل على سعة اطلاع وغزارة معلومات سيادته, وهى جديرة بالتعقيب, فأحب أن أوضح الآتى: أولا: الباحث يحترم ويقدس الكتب السماوية, وأن شرط الإيمان فى الإسلام هو الإيمان بالديانات السماوية الثلاث, وبرسل الله الكرام وبكتبهم. كما يحترم, أيضا, مشاعر كل إنسان غيور على دينه وثقافته. وربما يتفق الباحث أو يختلف مع البعض فى نقاط معينة, لكن التقدير المتبادل والاعتراف بالخطأ والصواب؛ هما مبدآن أساسيان فى منهاجية البحث العلمى. ثانيا: نشر البحوث العلمية فى الصحافة هو مجال جديد على الباحثين, وطريقة النشر بها من إعداد وتنسيق الصفحات, والتزام بعدد معين من الكلمات, وتحديد ما يصلح وما لا يصلح للنشر؛ وغير ذلك من أمور غاية فى التعقيد, تقيد عملية النشر؛ يأتى فى أولها صعوبة إدراج المراجع التى اقتبس منها البحث, وبالتالى تحذف من الصفحة؛ ومنها مرجع "مروج الذهب" للمسعودى, على لسان "ابن خرداذبة" (الكاتب والجغرافى والموسيقى), بالقرن العاشر, ومؤلف كتاب عن الموسيقى (اللهو والملاهى). والذى تعرض بالتفصيل لقصة ابتكار العود؛ وذكرت, أيضا, فى كتاب (الملاهى وأسماؤها, لأبى طالب المفضل بن سلمة النحوى اللغوى, ص14). وذكرت أيضا فى دائرة معارف كونسيرفاتوار باريس بقسمها العربى, (Encyclopédia de Music) بقلم "جول روواثيت", وبإشراف البروفسير "ألبير لافيناك" (Lavignac A.). (تاريخ الآلات الموسيقية, فرج العنترى, ص72). ثالثا: وردت قصة ابتكار العود المثارة فى شروحات الكتاب المقدس, وليس فى النص الأصلى. والترجمة جاءت من لغات عبرية وآرامية, استوجب معها بعض التغييرات من لغتها الأصلية إلى تسميات مستحدثة (آلات الموسيقى الشرقية, غطاس عبد الملك خشبة, ص275). ولو كانت المراجع قد أدرجت فى الصفحة؛ لظهر أن تلك القصة وردت فى شروح وتفسير نسخ من العهد القديم لا النص الأصلى, الذى نحترمه ونؤمن به, تماما كالإنجيل والقرآن الكريم. رابعا: اعتراضنا على أن "لامك" أو "يوبال", المنسوب إليهما اختراع آلة العود هما ليسا يهوديين, إذ كانا أقرب تاريخيا لآدم من إبراهيم عليه السلام. وهناك اختلافات على اقتران أحدهما - دون الآخر - بالعود؛ فمن قال "لامك", وآخرون قالوا "يوبال"؛ وكلهم أستاذ ضليع. خامسا: اعتراضنا على أن النص الإنجليزى فى هذه القصة, يشير إلى آلة الهارب, ونصه: "The father of all such handle the harp and organ" (كورت زاكس, تاريخ الآلات الموسيقية, ص106), والنص العربى يشير إلى "يوبال" على أنه: "أب لكل ضارب بالعود والمزمار". (تاريخ الموسيقى العربية, ه. ج. فارمر, ص15). وفى مراجع أخرى "كنارة". سادسا: ألة "الجتية" وردت فى الكتاب المقدس: "مزمور لإمام المغنين على الجيتة"gittit (Psalms 8,81,84)", ولم يتطرق إليها الباحث, لأنها لم توصف بأى شكل, ولم يتفق الباحثون على اسمها الدقيق؛ فمنهم من قال "الحثية" (هلال فارحى: "الموسيقى عند الإسرائيليين"، الموسيقى الشرقية لقسطندى رزق، القاهرة، مكتبة الدار العربية، طبعة ثانية, من 108- 113، 1993.), وفى مراجع أخرى "الجيثة" أو "الجيت", ومن ثم أهملها الباحث؛ والاسم الأقرب إلى الصواب هو "الحيثة", نسبة إلى بلاد الحيثيين, التى أحضرها منها نبى الله داود عليه السلام. سابعا: حين يورد الدكتور "كورت زاكس" أن اليهود حطموا أسوار أريحا بالعزف على سبعة أبواق من قرون الكباش (تراث الموسيقى العالمية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1964، ص43.). والباحث لم ينكر هذه القصة, وإنما قال "هى مقتبسة من التوراة", وأن الفعل "أشاع" بمعنى الإذاعة والتفشى, لا يعنى الادعاء. أما نقل هذه القصة من التوراة لكورت زاكس, فإن هذا هو المزج بين العلم والدين, الذى نرفضه, جميعا, والذى يعترض عليه القارئ الكريم. وكان من الأفضل أن ترد هذه القصة عن طريق مخطوط, أو أثر معمارى كقدماء المصريين. لكن الكتب السماوية أقدس من ذلك, ولا يستحب أن تتخذ كمرجع يحتمل التأويل على أكثر من وجه, إلا فيما يتعلق بالعقائد. ثامنا: ليس هناك من تحرج حين يتجه الإنسان البسيط لاستخدام آيات الله بغرض السحر أو إيقاف عمله, وذلك بسبب التبرك بتلك الآيات لاعتقاده فى تحقيقها شيئا إيجابيا له ولذويه؛ وهذا وارد فى كتب الأديان الثلاثة. ويرجع الباحث فى ذلك إلى كتاب "استخدام المزامير فى عمل السحر", وهو مخطوط مسيحى, حققه وترجمه إلى الفرنسية "نسيم هنرى حنين", وطبع بالمعهد العلمى الفرنسى للآثار الشرقية. وهو موجود بمكتبة الجامعة الأمريكية للاطلاع, وإلى مرجع الدكتور (هلال فارحى: "الموسيقى عند الإسرائيليين") الوارد ذكره فى البند السادس. تاسعا: هذا البحث ليس تاريخيا, ولا يتعرض لحوادثه ووقائعه بالتفنيد والتمحيص, بغرض الإثبات أو الإنكار؛ لكنه بحث فنى, استوجب ذكرا للملابسات والظروف التاريخية المرتبطة بموضوع البحث, بهدف الوصول إلى معلومة نوعية متخصصة. وفى النهاية, يشكر الباحث القارئ العزيز, لسعة صدره, وثقافته العالية, ويعتذر له ولكل القراء الأعزاء, عما فهم أنه عرض غير متناسق للفكرة, وهو غير مقصود, وربما يكون قد تسبب فى جرح لمشاعرهم الدينية, واصطدمت مع معتقداتهم التى نحترمها ونقدرها.