نستطيع وبدون اي مجهود ان نجزم ان التربية والتعليم والثقافة الحقيقية والبنائة غير موجودة بالصورة التي يمكن ان تنشئ شبابا جادا علي مستوي عال من الحرفية والمعرفة. كنتيجة طبيعية لذلك تظهر الجماعات المتطرفة والتي تبدأ اول ما تبدأ بتكوين الأسر التي يمكن صهر بعض هذا الشباب بها وتحفيز عاطفته غير المسقولة ومعرفته المحدودة واخضاعه بسهولة الي اي افكار متطرفة عن طريق التسويق الجيد لهذه الأفكار خاصة انها افكار ترتدي لباس الدين الذي يمس بسهولة وجدان الانسان ويحضرني هنا احد الساسة الانجليز حين قال انه ربما تكون الوسيلة التي يتم بها تسويق الفكرة اهم من الفكرة نفسها. اذا تعدينا مستوي التربية والتعليم والثقافة، فإن الشباب بجميع مستوياته يفتقد الي المشروع الذي يلتف حوله ويستطيع التفاعل معه بصورة تجعله يظهر أجمل وأكمل مافيه. وهنا يأتي دور وزارة الشباب وهي منذ نشأتها كمجلس أعلي للشباب والرياضة لم يكن، ومازال لا يوجد لها اي مشروع او دور بين الشباب. وللتدليل علي ذلك اذكر شيئين حديثين: الأول دور وزارة الشباب قبل الاستفتاء علي الدستور الجديد فبالرغم من وجود مراكز للشباب في جميع المدن المصرية لم نستمع الي ندوات كثيرة للتعريف بهذا الدستور وكان الدور الأساسي للوزارة تقريبا طبع الدستور، والذي كان يمكن اي يتم عن طريق أي جهة أخري وسيؤدي نفس الغرض. وثانيا، انحصر دور الوزارة في النواحي الرياضية، خاصة كرة القدم ولتأكيد ذلك يكفي ان ننظر الي اعلانات احدي شركات المياه الغازية وعليها وزارة الشباب وليس الرياضة. يجب أن نلاحظ هنا أن فترة حكم الاخوان كان التركيز علي مراكز الشباب لنشر فكرهم وليس لممارسة الرياضة، ثم أعقب ذلك التركيز علي التعليم ثم الثقافة. لقد طالب الشباب بأشياء تعتبر من اساسيات الحياة (عيش- حرية- عدالة اجتماعية كرامة انسانية) فهل قدمنا له ايا منها؟ وكنتيجة طبيعية لما سبق يمكننا التأكيد أن هذا الشباب بالتأكيد مجني عليه. إذن فمن هو الجاني؟ أعتقد ان الجاني الحقيقي هو الجيل الذي مازال مصرا علي تقدم الصفوف بدون ان يكون لديه اي مشروع (تربوي تعليمي- ثقافي) يستطيع ان يقدمه ويقنع به هذا الشباب. بل انه حتي لا يستطيع التواصل مع هذا الشباب المشتت والذي لا يجد له اي امل في مستقبل واعد ولننظر هنا الي عدد الذين يهاجرون عن طريق المغامرة ولننظر ايضا الي حجم البطالة بين الشباب ولن اتحدث هنا عن حجم المخدرات التي يستخدمها الشباب. الجاني الحقيقي هو الجيل الذي وافق علي استمرار «جمال عبد الناصر» في الحكم بالرغم من هزيمة 1967. وهو نفسه الذي وافق علي استمرار «أنور السادات» في الحكم بعد انتصار 1973 ولم يفعل كما فعل الأنجليز مع «تشرشل» ورفض ان يستمر في الحكم بالرغم من انتصاره الكبير في الحرب العالمية الثانية. وهو نفس الجيل الذي وافق علي استمرار «حسني مبارك» في الحكم لمدة ثلاثين عاما بل شاركه وربما شجعه بالرغم من الفشل الذريع الذي سببه في جميع مناحي الحياة. جيل الشباب المجني عليه يريد ان يلتف حول مشروع ينهض به بل ان الوطن كله يريد ان يلتف حول مشروع ينطلق به الي المستقبل وأدلتي علي ذلك الآتي: عندما قدم جمال عبد الناصر مشروع السد العالي التف حوله الجميع . وعندما قدم انور السادات مشروع تحرير سيناء التف الجميع حوله. وحين قدم المشير عبد الفتاح السيسي مشروعا مرحليا مطالبا التفاف الشعب مع الجيش والشرطة لمحاربة الارهاب لم يتوان الجميع عن الوقوف يد واحدة معه. التقدم بمشروع يجب ان يكون هو المسوغ للقيادة في اي مجال حتي يمكن تقييم المسئول علي اسس سليمة وليس لمجرد ظهوره المتكرر في وسائل الاعلام او في الميادين والشارع بدون اي تخطيط مسبق يمكن حسابه عليه .. وفي النهاية يجب علينا ان نتفهم الشباب وان نتحدث معه بلغة العصر ويجب ان نتفاعل معه وان نتحاور معه باللغة التي يفهمها وان نصارحه بالحقائق حيث ان العصر الحالي لا يسمح باخفاء اي شئ حيث اصبحت كل المعلومات متاحة للجميع. وعلي من يتقدم للقيادة عليه ان يقدم لهذا الشباب مشروعا تربويا وتعليمي وثقافيا لينطلق به الي المستقبل ولكي نتمكن من تقييمه بصورة علمية وليس بالعاطفة. ويجب علي الجميع مواجهة الحقيقة وهي اننا في وضع يفرض علينا العمل بمنتهي القوة في سبيل ان ننتقل الي المستقبل، إذا كنا فعلا نريد ذلك ولا نريد أن نعيش علي تاريخ لحضارة سابقة انتهت منذ سبعة الاف سنة. ماسبق رؤية شخصية لم تناقش كل اوجه المشكلة وخاصة الناحية الصحية والتي اعمل بها، فهذا الشباب يعاني الكثير من المشاكل الصحية ولا يلتفت أحد لذلك. وأخيرا أرجو حملة المباخر لكل العصور الابتعاد عن المشير عبد الفتاح السيسي، لن »ما زاد عن حده انقلب الي ضده«. لمزيد من مقالات د.احمد كامل مرتجى