بعد أيام من انتشار1600 جندي من القوات الفرنسية في بانجي عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطي أصبحت الأوضاع تميل إلي الاستقرار, رغم وجود بعض المناوشات المحدودة من مسلحي تحالف متمردي سيليكاالذي كان يضم خمس حركات وأطاح بالرئيس فرانسوا بوزيزي في مارس الماضي بعدما حكم البلاد عشر سنوات, وفي واحدة من سلسلة انقلابات شهدتها الجمهورية الافريقية منذ استقلالها. الاهتمام الفرنسي بجمهورية إفريقيا الوسطي لم يكن مفاجئا, وليس الأول من نوعه, فالجمهورية الإفريقية الداخلية, التي يبلغ عدد سكانها46 مليون نسمة وتقع في وسط القارة وتحدها تشاد من الشمال والسودان من الشرق وجمهورية الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الجنوب والكاميرون من الغرب, كانت قسما من المستعمرة الفرنسية السابقة( إفريقيا الاستوائية الفرنسية), قبل أن يتم منحها حكما ذاتيا سنة عام1958, قبل أن تنال استقلالها بعد ذلك بعامين. وفي4 ديسمبر1976 أعلن رئيسها في ذلك الوقت جان بيدل بيكاسا نفسه إمبراطورا للبلاد, تحت اسم بوكاسا الأول, وغير اسمها إلي إمبراطورية إفريقيا الوسطي, وأنفق ما يعادل20 مليون دولار أمريكي, وهو ما كان يعادل ربع إيرادات الخزينة, علي حفل التنصيب, إلا أنه تم إلغاء النظام الملكي واسترجاع اسم جمهورية إفريقيا الوسطي في20 سبتمبر1979 عندما تم خلع يوكاسا بمساعدة فرنسا. التدخل العسكري الفرنسي الجديد جاء تحت غطاء أممي, بعد تردي الأوضاع بإفريقيا الوسطي ومقتل المئات وتشريد أعداد كبيرة من السكان, حيث صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع لمصلحة القرار رقم2127, الذي يسمح بذلك بهدف إعادة الأمن, بعد أن عمت الفوضي الدولة الإفريقية وانتشرت أعمال العنف بين ميليشيات شكلها المسيحيون للدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات التي كانوا يتعرضون لها علي أيدي مسلحين أغلبهم من المسلمين المنضوين تحت لواء تحالف متمردي سيليكا المنحل, الذي أصبح أحد زعمائه ميشيل ديوتوديا رئيسا للبلاد. وقد كانت فرنسا حريصة علي العمل تحت مظلة دولية خلال تدخلها العسكري في إفريقيا الوسطي وبدا ذلك واضحا من تأكيد رومان نادال, المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية, خلال مؤتمر صحفي بمقر الوزارة في باريس قبل أيام من انتشار القوات الفرنسية وكان الأهرام حاضرا فيه- فهناك دعم لوجستي وجوي أوروبي وأمريكي للعملية العسكرية هناك, كما يتحرك العسكريون الفرنسيون في إطار ما أطلق عليه العملية سنجاري, وهو اسم فراشة حمراء محلية, دعما للقوة الإفريقية, التي ينقصها التجهيز والتدريب وتبين أنها عاجزة عن فرض النظام في بلد غارق في الفوضي منذ الإطاحة برئيسه. ورغم ما ذكرته الصحف الفرنسية, نقلا عن استطلاع رأي أجراه مركز أوبنيون واي من أن غالبية كبيرة من الفرنسيين تصل إلي64% تعارض التدخل العسكري الفرنسي في إفريقيا الوسطي, فإن هناك شبه اتفاق بين المسئولين والنخبة السياسية الفرنسية علي هذا التدخل سيضمن للرئيس فرانسوا أولاند عدم المعارضة في الجمعية الوطنية( البرلمان), خصوصا أن هذا التدخل يتم تصويره علي أنه لحماية أمن فرنسا القومي وأمن أوروبا أيضا, وهو الطرح الذي عبر عنه جان إيف لودريان, وزير الدفاع الفرنسي, حينما قال: إن انتشار الإرهاب في إفريقيا الوسطي قد يجعلها مرتعا للكثير من الأنشطة غير المشروعة مثل تهريب المخدرات والأسلحة, وإن أصبح ذلك البلد أرضا خصبة للإرهاب فسيجعل ذلك أمن فرنسا وأوروبا كلها علي المحك. وفيما أكد المسئولون الفرنسيون قبل وصول قواتهم أن هدف القوات العسكرية الفرنسية في إفريقيا الوسطي سيكون محددا بإعادة الأمن ونزع أسلحة الميليشيات وشدد الرئيس فرنسوا أولاند أن التدخل الفرنسي سيكون سريعا ولن يطول, عاد أولاند ليتحدث في حوار خاص مع فرانس24 وإذاعة فرنسا الدولية آر إف في وقناة فرانس5 موند عن إجراء انتخابات ديمقراطية في إفريقيا الوسطي, حينما أشار إلي صعوبة ترك الرئيس ميشال ديوتوديا المنتمي إلي متمردي سيليكا علي رأس جمهورية إفريقيا الوسطي, مشددا في نفس الوقت علي ضرورة أن يتم ذلك عن طريق انتقال ديمقراطي, وذكر أولاند خلال هذا اللقاء بالتجربة المالية التي شهدت انتقالا ديمقراطيا في السلطة عن طريق صناديق الاقتراع, ما يعني أن التدخل العسكري الفرنسي في إفريقيا الوسطي سيستمر وقتا أطول. أسباب كثيرة أخري يري المحللون في الإعلام الفرنسي أنها وراء تحرك بلادهم في إفريقيا الوسطي, بعيدا عن مسألة الأمن وحتي عن كونها دولة زراعية تتنافس فيها الشركات الأجنبية علي استغلال زراعة القطن والبن والمطاط ونخيل الزيت ويتم استخراج الماس والذهب واليورانيوم من أراضيها, منها ما يتعلق بالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند نفسه, حيث رأت صحيفة لوكورييه انترناسيونال إن الرئيس الفرنسي يريد أن يزيد من شعبيته داخل فرنسا والتي وصلت إلي أدني مستوياتها من خلال خطوة قوية علي المستوي العالمي بما يعطي الانطباع بأن له وزنا وأن صوته مسموع علي المستوي الخارجي. يذكر أن العملية العسكرية الفرنسية في إفريقيا الوسطي تعدثاني مشاركةخارجية لفرنسا هذا العام, حيث سبق لهاأن تدخلت عسكريا في مالي لصد تقدم عناصر مسلحة نحو العاصمة باماكو, كما سبق أن هدد أولاند بتدخل عسكري في سوريا.