ما الجسد إلا حقيبة سفر, تتنقل بين المكان والزمان.. رحلة بين مرافيء عديدة, محطات حزينة وأخري سعيدة. طوال رحلته, كان الشاعر أحمد فؤاد نجم يصغ إلي حكايا القاع وأسرار المهمشين والمظلومين, ويحولها إلي قصائد بالعامية أقرب إلي صرخات, فصار شاعر الشعب كله. كلماته مرسومه علي جدران بيوت الفقراء في الحواري والأزقة.. يفوح رحيقها من الحقول, ويتصاعد لهيبها من مداخن المصانع: إحنا مين و هما مين.. إحنا الفعلا البنايين.. إحنا السنة وإحنا الفرض.. إحنا الناس بالطول والعرض.. من عافيتنا تقوم الارض.. وعرقنا يخضر بساتين.. حزر فزر شغل مخك.. شوف مين فينا بيخدم مين؟؟!!.. كلمات محفورة علي وجوه الكادحين العاشقين لبهية: حلوين وحياتك يا بلدنا.. يا أم الخيرات المسروقه.. احنا اللي رمينا البذرايه.. وروينا الأرض المعزوقه..وحنحصد بكره وحنغني..وعيون الخاين مخزوقه. علي صوت دندنةعود, تجتاز مع الريح كلماته نوافذ المدارس وأبواب الجامعات, وهي تشدو مع بداية كل عام دراسي: رجعوا التلمذة يا عم حمزة للجد تاني .. يا مصر انت اللي باقية, وإنتي قطف الأماني..لا كورة نفعت, ولا أونطة, ولا المناقشة وجدل بيزنطة.. ولا الصحافة والصحفجية شاغلين شبابنا عن القضية. لم يعرف نجم له بيتا غير الشعر. كانت أبجديته طلقات رصاص في وجه كل ظالم. إنحاز للثورات في العالم كله, فاستحق لقب شاعر البندقية.. رسم بكلماته البسيطة صور لمناضلين وأحرار.. كان أجملها حين ودع جيفارا قائلا: مات المناضل المثال.. يا ميت خسارة ع الرجال.. مات الجدع فوق مدفعه جوا الغابات.. جسد نضاله بمصرعه ومن سكات.. لا طبالين يفرقعوا..ولا اعلانات. إتفق مع سياسات الزعيم ناصر أو إختلف, كان يحترم فيه رمز البطل والإنسان. في زيارة إلي ضريح جمال عبد الناصر, وصفه بأنه: ولا يطاطيش للعدا مهما السهام صابت.. عمل حاجات معجزة وحاجات كتير خابت.. وعاش ومات وسطنا علي طبعنا ثابت. عاش شاعرنا طوال عمره رافضا للفكر الإمبريالي والإستبداد وسيطرة القوي علي الضعيف.. تجلي هذا الرأي حين كتب: الخواجه الامريكاني والسماسرة اللي وراه.. تخنوا بالكدب ودنه.. وعرضوا له مقاس قفاه.. فهموه من غير ما يفهم ان سوق الشرق مغنم.. والخوجه بطبعه مغشم والمصاري معفرتاه. رغم المسافات, تظل الحروف تحمل صوته إلينا, وهو يقول: و اسمحيلي بكلمتين.. كلمتين يا مصر يمكن هما أخر كلمتين.. حد ضامن يمشي آمن..أو مآمن يمشي فين؟. لم يكن من تبعات ثورة25 يناير فقط إنعدام الأمن في الشوارع, وإنما تساقط الأقنعة عن وجوه الطابور الخامس والعملاء.. هنا, يأسف فؤاد نجم علي غدر الزمان وقتل جنودنا في سيناء علي يد الإرهاب, فيقول: ياللي أنت واقف علي الحدود, إحنا في زمن غير الزمن. بتدي وشك لليهود, والضربة جاتلك من قلب الوطن. يخرج من عالمنا وحده متسللا ذات ليلة حيث الحياة الأخري تنتظره بكل ما فيها من أسرار.. تاركا لنا كنز عظيم من الأشعار في حب بهية.. فهي عشقه الأول والأخير: ويا مصر يا أول صوره في عيون المولودين.. يا مصر يا آخر صوره في قلوب الميتين.. يا بلدنا.. يا بكره ولادنا.. يام الدنيا والدين.. يام الولدات المجدع والبنتات الطعمين.. يحرم اسمك علينا ونعيش متغربين.. لو سبنا الذل يدوسك أو عشنا مغلوبين.