درءا لأي التباس وتجنبا لأي سوء فهم حول ما كتبته أمس تحت عنوان دولة عظيمة وشعب عظيم أؤكد ثقتي التي ليس لها حدود بأن مصر العربية ستظل عربية, لأن الهوية العربية ليست مجرد رداء يمكن استبداله, وإنما الهوية العربية هي أهم دروس التاريخ وأقوي ثوابت الجغرافيا التي لا تتأثر بكلمة شاردة تصدر من هنا أوهناك, ولا تخضع أبدا لانفعالات طارئة!. إن مصر كانت ومازالت وستظل صاحبة العطاء الأكبر لأمتها حضاريا وثقافيا وتاريخيا, وأنها شأنها شأن كل كبير يترفع عن أي تصرفات صغيرة حتي لو كانت هذه التصرفات من بين أهل أمتها أو من باطن أرضها.. ثم إن مصر كانت علي طول تاريخها الحديث- تحديدا- هي النموذج الفذ في قدرة التحمل والصبر علي كثير من المكاره, ولم يفلح أحد في أن يدفعها لكي تكفر بعروبتها!. والحقيقة أن الارتباط بين مصر والعرب أمر لا تفرضه المصلحة التبادلية فقط, وإنما تحتمه الأوضاع الجغرافية والجذور التاريخية, حيث إن الموقع الجغرافي لمصر يأتي في مقدمة أهم العوامل التي تمنح مصر وزنا عربيا مهما ومؤثرا, باعتبار أنها همزة الوصل بين آسيا العربية, وإفريقيا العربية, ثم إن مصر من الدول العربية القليلة التي لم يكن لها حدود مع غير العرب حتي نشوء الدولة العبرية عام1948, فهي تتعامل وتتفاعل طوال تاريخها مع عرب وعروبة ليل نهار!. وقد ترتب علي هذا التميز الجغرافي أن مصر لم تعرف المؤثرات الأجنبية القوية التي تعرضت لها أطراف العالم العربي شرقا وغربا وشمالا وجنوبا, مثل التهويد في الجنوب العربي, والتعجيم في الخليج والتتريك في سوريا ولبنان... وبالإضافة إلي ذلك- وربما نتيجة له- فإن مصر وحدها هي التي امتصت واستوعبت عناصر وعينات من كل الشعوب العربية أو معظمها.. حيث اندمج وذاب في صفوفها شوام وليبيون وسودانيون, بل ومغاربة- من تونس والجزائر والمغرب- عندما خرجوا للحج واستهوتهم مصر فتوقفوا فيها, واستوطنوها للأبد!. ثم إن التاريخ هو الذي يتحدث باستفاضة عن ثقل مصر ومسئوليتها في الدفاع عن أمتها, فقد كانت- دائما- هي التي تتحمل مسئولية الدفاع عن العروبة ابتداء من التتار والصليبيين, ومرورا بالاستعمار الأوروبي. ووصولا إلي الوجود الإسرائيلي في فلسطين, وكانت مصر دائما بمثابة ملجأ وملاذ وخط دفاع أخير عن التراث العربي, وهكذا جاء تدفق العلماء والصناع علي مصر في العصور الوسطي عندما بدأت دولة الأندلس في الانهيار, مثلما تدفق عليها الآلاف من العلماء والصناع من العراق هربا من الطوفان المغولي. والدولة العظيمة التي تنتمي لشعب عظيم قد تعتب علي بعض أشقائها لكنها لا تملك ترف أن تتجاهل تاريخها أو أن تتعامي عن أحد أهم أسباب قوتها التي يمنحها لها وضعها الجغرافي والاستراتيجي!. خير الكلام: تموت الأسود في الغابات جوعا.. ولحم الضأن تأكله الكلاب! المزيد من أعمدة مرسى عطا الله