ولقد وضع الكتاب المسيحيون أهمية كبيرة- عبر القرون- علي قصة خلق حواء التي وردت في الإصحاح الثاني من سفر التكوين.. جنبا إلي جنب مع قصة السقوط ويبدو أن ذلك كان دليلا لا يمكن دحضه علي أن المرأة مخلوق أدني عقليا وأخلاقيا. ولقد نقل القديس بولس صورة المرأة اليهودية القاتمة إلي المسيحية فالمرأة إذا لم يغط رأسها عندما تذهب إلي الكنيسة فليقص شعرها.. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل( أهل كورنثوس11:7) ذ ا أن تعلم المرأة الرجل أو أن تتسلط علي الرجل بل تكون في سكوت لأن آدم جبل أولا ثم حواء وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي.( رسالة تيموثاوس2:11). وكما تخضع الكنيسة للمسيح, فكذلك تخضع الزوجات لأزواجهن في كل شئ( أفوس5:24). ثم جاء آباء الكنيسة في القرون الأولي للمسيحية الذين ركزوا علي قصة السقوط واتهموا حواء- ومن ثم المرأة بصفة عامة بأنها بوابة الشيطان وصفات المرأة هي الضعف والسطحية, وبطء الفهم والضحالة, والتقلب, وعدم استقرار الذهن والثرثرة..إلخ. فازدادت صورة الأنثي الخالدة قتامة! وصورة الأنثي الخالدة في التراث الإسلامي لا تختلف كثيرا عنها في التراث اليهودي المسيحي, فقد خلقت المرأة لخدمة الرجل وأولاده, وأن تقوم بكل خدمة في الدار تقدر عليها. والقول الجامع في آداب المرأة كما يقول الإمام الغزالي... أن تكون قاعدة في قعر بيتها ملازمة لمغزلها لا يكثر صعودها وطلوعها, قليلة الكلام لجيرانها لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول, تحفظ بعلها في غيبته, وتطلب مسرته في جميع أمورها, ولا تخونه في نفسها وماله, ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه..( الاحياء ج2 ص16-17). وإذا خرجت امرأة دون إذن زوجها لعنتها الملائكة حتي تعود! والقول الشافي- في رأي الغزالي- أن النكاح( أي الزواج) نوع من الرق فهي رقيقة له, فعليها طاعة الزوج مطلقا في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه..إلخ ص64 ومن الأشياء الغريبة أن يطلب الإمام الغزالي من الزوج أن يتعلم فنون الحيض وأحكامه وما يحترز به الاحتراز الواجب ليعلمها زوجته, وكذلك أحكام الصلاة حتي لا تخرج من الدار لتذهب إلي معلم!! فإن كان الزوج قائما بتعليمها فليس لها خروج لسؤال العلماء!!. تلك هي الأنثي الخالدة التي رسم صورتها فلاسفة اليونان أولا ثم نقلت إلي الغرب بصفة عامة واكتسبت ثوبا دينيا واضحا...! وهي صورة بالغة السواد!. وكاتب هذه السطور يرجو من كل فتاة مصرية أن تقرأ هذا المقال لتعتز بمصريتها وتفخر بأنها فرعونية الأصل.. يقول ول ديورانت في قصة الحضارة المجلد الثاني ص96 كان مركز المرأة عندهم, في مصر الفرعونية] أرقي من مركزها عند كثير من الأمم في هذه الأيام وفي ذلك يقول مانس ملر: ليس ثمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة المرأة مثل ما رفعها سكان وادي النيل. فالنقوش تصور النساء يأكلن ويشربن بين الناس, ويقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب عليهن ولا سلاح بأيديهن ويمارسن الأعمال الصناعية والتجارية بكامل حريتهن. ولشد ما دهش الرحالة اليونان- وقد اعتادوا أن يضيقوا علي لسانهن السليطات- من هذه الحرية, وأخذوا يسخرون من الأزواج المصريين الذين تتحكم فيهم زوجاتهم. ويقول ديور الصقلي ولعله يهدف بقوله هذا إلي السخرية من المصريين- إن طاعة الزوج لزوجته في وادي النيل كانت من الشروط التي تنص عليها عقود الزواج. وكان النساء يمتلكن ويورثن, كما تشهد بذلك وثيقة من أقدم الوثائق في التاريخ, وهي وصية من عهد الأسرة الثالثة توصي فيها السيدة( نب- سنت) بأراضيها لأبنائها... والنغمة المصرية الخالصة فهي التي نسمعها في نصيحة بتاح حوتب لابنه, والتي يقول فيها:- إذا كنت ناجحا وأثبت بيتك, وكنت تحب زوجة قلبك إملأ بطنها, وإكسي ظهرها.. وإدخل السرور علي قلبها طوال الوقت الذي تكون فيه لك, ذلك أنها حرث نافع لمن يملكه.. وأن عارضتها كان في ذلك خرابك... ويقول هذا الحكيم أيضا: ليثبت أن العلاقات الزوجية هي من القيم الأخلاقية الكبري:- إذا كنت عاقلا, فاعتن ببيتك, وأحب زوجتك وبدون شجار. قدم لها الغذاء المناسب واللباس الجيد, وداعبها, وحقق رغباتها ولا تكن فظا.. وستنال منها بحسن المعاملة أكثر مما تحصل عليه بالقسوة, إن زوجتك ستتعلق بك إذا كانت وسائلك ناعمة, أفتح لها ذراعيك, وأظهر لها حبك... ويرجع أن المكانة السامية التي اكتسبتها المرأة المصرية إنما نشأت من أن المجتمع المصري كان أميل إلي تغليب سلطان الزوجة بعض الشيء, وشاهد ذلك أن المرأة لم تكن لها السيادة الكاملة في بيتها وكفي, بل أن الأملاك الزراعية كلها كانت تنتقل إلي الأناث, وفي ذلك يقول أحد المؤرخين لقد كان الزوج حتي في العهود المتأخرة يتنازل لزوجته في عقد زواجه عن جميع أملاكه ومكاسبه المستقبلية. وحتي في مسائل الخطبة كانت المرأة هي البادئة, وشاهد ذلك أن ما وصل إلينا من قصائد الغزل ورسائل الحب موجه من المرأة إلي الرجل, فهي التي تطلب تحديد موعد اللقاء, وهي التي تتقدم بالخطبة إلي الرجل مباشرة, وهي التي تعرض عليه الزواج صراحة. وقد جاء في إحدي هذه الرسائل: أي صديقي الجميل أني أرغب في أن أكون بوصفي زوجتك, صاحبة كل أملاكك. ومن ثم نري أن الحياء لم يكن من صفات المصريين البارزة. فقد كانوا يتحدثون عن الشئون الجنسية بصراحة لم نعهدها في التقاليد الأخلاقية المتأخرة عن عهدهم. وكانوا يزينون هياكلهم بصور ونقوش قليلة البروز تظهر فيها أجزاء الجسم كلها واضحة تمام الوضوح. وأخيرا لقد وصف أفلاطون الاثينيين بأنهم يحبون المعرفة, ووصف المصريين بأنهم محبون للثروة. فهم مجدون نشطون جامعون للثروة عمليون حتي في خرافاتهم الكثيرة- ونحن لا نعدو الحقيقة إن قلنا إن المصريين هم أمريكيو العالم القديم!! وتقول كاتبه فرنسية- وهي تقارن بين مكانة المرأة في المجتمع الأغريقي القديم, ومكانتها في المجتمع المصري القديم: استولت الدهشة علي أول فوج من السياح الإغريق الذين زاروا مصر القديمة عندما شاهدوا المرأة المصرية, ولما عادوا إلي بلادهم بالغوا كثيرا في وصف ما شاهدوه علي ضفاف النيل, وقالوا إن المرأة المصرية مطلقة في بيتها, وأن الرجل متي تزوجها أقسم علي طاعتها والخضوع لها!. ولقد ترتب علي هذه الدعاية أن حسدت الأغريقيات نساء مصر وتمنين لو استطعن الحياة علي غرارهن. وعلي ضوء ذلك الرأي يمكن أن نفسر اسهام المرأة المصرية في الحياة الاجتماعية بنصيب كبير وتوليها مناصب لها خطورتها. تلك هي باختصار شديد- حضارتنا التي نفخر ونعتز بها والتي يريد الأقزام هدمها: أما يستحون..؟!