وحدها الحوائط المرسوم عليها رسما احتجاجيا أو ثوريا( جرافيتي) هي التي تسرع أجهزة السلطة إلي تنظيفها. لا تري هذه الأجهزة ما يتطلب تنظيفا في ميادين مصر وشوارعها وحواريها إلا رسم الجرافيتي الذي يرسمه شباب ثائر مبدع يعبر عن شوقه إلي مصر الديمقراطية العادلة التي تخيل أنها باتت في متناول يديه بعد ثورة عظيمة. ليس لدي هذه الأجهزة علم بالمستوي الذي بلغته القذارة والأكوام التي تراكمت من القمامة في كثير من مناطق القاهرة وغيرها من المحافظات. فلا تلك القذارة تتطلب تنظيفا, ولا هذه القمامة تحتاج إلي إزالة. فلا شيء في مصر ينبغي تنظيفه إلا الحوائط التي تحمل روح ثورة25 يناير وتوابعها كما هي بتلقائيتها واندفاعها وانفعالها وتعبيرها عن مشاعر صادقة. قد يكون في هذا التعبير شيء من التجاوز أو بعض الشطط. ولكن هذا طبيعي في الجرافيتي الاحتجاجي الذي يعبر عن مشاعر شباب هم أغلي ما تملكه مصر وعن انفعالهم بما يحدث لوطنهم, وما يتعرض له زملاؤهم من قهر ظنوا أنه بات تاريخا مضي وانقضي. ولذلك يستحيل اعتبار الإسراع بإزالة رسوم الجرافيتي نوعا من تنظيف الحوائط بخلاف ما يقوله من أصدروا الأوامر بذلك0 فما إزالة هذه الرسوم إلا امتداد للقهر الذي دفع شبابا إلي رسمها, ومحاولة لفرض صوت واحد واعتبار كل ما يتعارض معه نشازا ينبغي إزالته أو تطهيره. فقد أسئ استخدام مفهوم التطهير, أو قل إنه يستخدم بمعني معاكس لما يفترض أن يدل عليه. وكان الحديث عن تطهير القضاء وتطهير الإعلام هو المؤشر الأكثر وضوحا علي ذلك. وليت من يستخدمون كلمة التطهير في هذا السياق يدركون خطر التلاعب بالمعاني وما يؤدي إليه من فوضي يمكن أن تمتد إلي كثير من أنماط حياتنا. وليت من يزيلون رسوم الجرافيتي بدعوي التنظيف, بالعقلية نفسها التي تستخدم كلمة التطهير بعكس معناها, يدركون أنهم يرتكبون جريمة كبيرة ويدمرون أحد أهم أشكال تراث ثورة25 يناير. فلنحافظ علي ما بقي من رسومات الجرافيتي باعتبارها لوحات فنية شعبية تعبر عن الثورة, ولنجعلها بمثابة متاحف طبيعية مفتوحة تمثل أحد أهم تجليات هذه الثورة. لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد