نافذة علي إيطاليا فتحها لنا باقتدار د. حسين محمود, رئيس قسم اللغة الإيطالية بكلية الآداب جامعة حلوان, وذلك حين ترجم لنا عينا من عيون الأدب الحديث, وهي رواية أطراف حديث في صقلية للكاتب الإيطالي إليو فيتوريني(1908-1966) الملقب في بلاده ب أبي الواقعية الجديدة. الرواية نشرت علي حلقات ما بين عامي1938 و1939 ثم نشرت في كتاب عام1941, ومر زمان طويل قبل أن تصدر ترجمتها العربية, ولكنها كانت وليمة تستحق الصوم الطويل. الحدث مستمر مندفع كقطار, وبالفعل جزء كبير من قسم الرواية الأول تدور أحداثه في قطار, وحين ينزل مسافر الليل من قطار السفر الطويل من ميلانو لصقلية لزيارة أمه يستمر اندفاع الحدث, ومع تصاعده يفقد تدريجيا واقعيته الصارمة ليصير واقعا ممزوجا بالحلم, أو بعبارة أدق, ليحتفظ بهم الواقع دون أن يعتني بدقة التفاصيل, كما يحمل الحلم هموم الواقع معيدا تشكيلها ليتخلص منها أو يؤكدها. لكن منذ البداية, منذ الكلمة الأولي, يقدم لنا فيتوريني نصا روائيا واقعيا بلغة شاعر وقلب شاعر, فهو مقتصد في لغته, يختار التفاصيل الكاشفة الموحية, ولا يستغرق في ثرثرة يمكن الاستغناء عنها. وهو يقترب بشدة من طبيعة الدراما, لأنه في معظم الوقت يستغني بالحوار عن السرد, في جمل حوارية قصيرة وموجعة كطلقة.وفي الجزءين الرابع والخامس يحدث التحول التدريجي من واقعية ذات تكثيف شعري إلي فانتازيا ذات هم واقعي, أو إذا شئت, فانتازيا بملح الدموع الطبيعي, فالمشهد الأخير يظهر فيه البطل خارجا من بيت أمه وهو يبكي والناس خلفه يتبعونه وهم يتساءلون: - لماذا تبكي؟ وهو ينفي أنه يبكي, ويؤكد أنه لا يبكي, هو فقط يتذكر, أو يفيق من حالة السكر. والحدث الحقيقي وصول نبأ وفاة أخيه الأصغر في الحرب, أما كيف عبر عنه فيتوريني في الرواية فأدعوك أن تكتشف ذلك بنفسك. وصدقني: لن تندم, فهذه الرواية من أمهات الروايات, وهي تجربة لا تنسي, حتي لرجل مثلي قرأ مئات الأعمال القصصية, إذ أن لهذه الرواية مذاقا لا يشبهه أي مذاق, وقد ساعد علي وصولها إلي عقلي وقلبي ترجمة أدبية جميلة في مجملها. فشكرا للمجلس القومي للترجمة وشكرا للمترجم القدير د. حسين محمود, وقبلهما وقبل كل شئ شكرا لله, علي العبقرية الإيطالية المسماه إليو فيتوريني.