سيناء ما بين ملحمة التحرير وجهود التعمير، ندوة لإعلام الداخلة احتفالًا بذكرى تحرير سيناء    لمخالفتهم السعر الجديد..تموين القاهرة تحرر 25 محضر مخابز وتحريز 5 أطنان دقيق    عمال سوريا: 25 شركة خرجت من سوق العمل بسبب الإرهاب والدمار    الحكومة تكشف انتهاء أزمة الدولار وخطة الدولة للقضاء علي المتلاعبين بأسعار السلع    تضامن كفر الشيخ: تسليم 2685 مشروعا للأولى بالرعاية ضمن تمكين    التوقيت الصيفي 2024.. مواقيت الصلاة بعد تغيير الساعة    أردوغان يعلق على أنباء مغادرة قيادات حماس من الدوحة    حذر من تكرار مصيره.. من هو الإسرائيلي رون آراد الذي تحدث عنه أبو عبيدة؟    تشكيل فاركو الرسمي أمام المصري في الدوري الممتاز    المقاولون العرب يواصل الاستعداد لسموحة تحت قيادة معتمد جمال    تين هاج: تأهلنا ضد كوفينتري لم يكن محرجا.. وأنتوني تم استفزازه    بمشاركة ألف طالب من 10 جامعات.. تفاصيل مهرجان "سيناء أولا" بحضور صبحي وشوشة    من السابع عشر إلى الرابع.. ماذا قدم أوناي إيمري مع أستون فيلا في 539 يوما؟    أمن الدولة تؤجل محاكمة 73 متهما في قضية خلية التجمع الإرهابية    «بنتي اختفت».. الداخلية تكشف حقيقة تغيب طفلة عن منزلها بالجيزة    كشف ملابسات سير النقل الثقيل في حارات الملاكي بطريق السويس الصحراوي    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي الزراعي 2024 في الفيوم.. تبدأ 8 مايو    حبس مصممة أزياء شهيرة بسبب الثعابين والتماسيح، ما القصة؟    عمرو أديب يشيد ب مها سليم بسبب "نعمة الأفوكاتو".. ومحمد سامي: منتجة فنانة    نانسي عجرم من لوس أنجلوس في أحدث ظهور    يسرا توجه رسالة إلى الجمهور السعودي بعد العرض الأول ل فيلم "شقو" في الرياض    نيللي كريم ومحمد ممدوح يتصدران بوسترات منفردة لفيلم "السرب" استعدادًا لعرضه بالسينمات    تفاصيل اختفاء سرير قصر محمد علي.. خبير أثري يفجر مفاجأة    الرعاية الصحية: المرحلة الثانية من منظومة التأمين الشامل ستشهد مساحة أكبر للقطاع الخاص    4 مشروبات يومية خطر على صحتك في الحر.. لن تتخيل تأثيرها على القلب    مش بنتي.. أم بريطانية تكتشف استبدال رضيعتها في المستشفى بالصدفة    إبداعات فنية وحرفية في ورش ملتقى أهل مصر بمطروح    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضا    «الهندسية للانشاء والتعمير-مصر» توقع اتفاقية مع «أكسا مصر»    حماة الوطن: التحالف الوطني نموذج فريد في تقديم الدعم الإنساني للأشقاء بفلسطين    أبو عبيدة: الاحتلال الإسرائيلي عالق في غزة    النسب غير كافية.. مفاجأة في شهادة مدير إدارة فرع المنوفية برشوة الري    وزير الدفاع الروسي: القوات الأوكرانية خسرت نصف مليون عسكري منذ بداية الحرب    قبل الامتحانات.. أطعمة تزيد التركيز وتقوي الذاكرة للأطفال    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    الجريدة الرسمية تنشر قراري مجلس الوزراء بشأن إجازة شم النسيم وعيد العمال    100 قرية استفادت من مشروع الوصلات المنزلية بالدقهلية    وزير العدل: تشكيل لجنة رفيعة المستوى لوضع مشروع قانون ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي    محافظة الجيزة تزيل سوقا عشوائيا مقام بنهر الطريق بكفر طهرمس    محافظ المنيا: تنظيم قافلة طبية مجانية في مركز أبو قرقاص غدا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    رئيس الوزراء يحدد موعد إجازة شم النسيم    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    الغزاوي: الأهلي استفاد كثيرا من شركة الكرة    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    مجلس النواب يحيل 23 تقريرًا برلمانيًّا للحكومة -تعرف عليها    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مهمة أخري
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 12 - 2014

فوق كتف رجل آخر، ترك ذراع النعش، تسلل من تحت الغطاء إلي داخله، هز جسده، يديه، قدميه، أنتقل إلي الطرف الآخر، تحسس الرأس، أقترب من أذنه هامسا:
أصحي يا حاج، فلوس الكهربة، ربنا ينوَر تربتك، بناقص الإكرامية.
حل الكفن، كشف عن الرأس، كان هدوء الوجه مثالياً، العطر الفائح يحمل رائحة البرودة، ارتجف، تركه برعشة من يده.
كان النعش يميل به عند كل " حواداية"، إلي أن استقر، وسكن كل شيء، امتدت الأيادي ترفع الغطاء، وانطلق صوت خشن: اذكر الله، وحدوووه.
أنسل سريعاً خارجاً من الناحية الأخري.
عند رأس القبر، ذرف الدموع الساخنة.
أمسك به الرجلان اللذان هرب منهما أثناء الجنازة، يهدئانه.
" حرام عليك، أبوك مش حينفعه دلوقتي إلا دعاك له "
أراد أن يقول لهما أنه ليس أبي، وكلما هم لأن يحكي لهما حكايته، تخرسه نظرة ابن الحاج الحانقة.
رفع الجسد من النعش، تعالت الأصوات: لا اله إلا الله. الله أكبر. إنا لله وإنا إليه راجعون. وحدوووه.
انهار ابن الحاج، تشبث بالنعش. انهار مثله، أخذه الرجلان بعيداً، رفع يديه بالدعاء، لم يكن يردد مثلهم، كان له دعاؤه الخاص:
" يارب.. الفلوس.. الإيصالات "
اصطف أهل الحاج لتقبل العزاء. سحبه الرجلان، أوقفاه في الصف بجانب ابن الحاج؛ الذي بدت حركته آلية، أحس به يكظم غيظا لو انفجر لأطاح بالجميع، ترك فجأة الصف وجري إلي قبر أبيه، وقف فوق رأسه وكأنه يسأله عن شئ.

قرر أن يوضح له الأمر، وهم خارجون من المدافن، لكنه وجد نفسه يفر إلي شوارع كثيرة، اخترقها عدة مرات، ثم جلس علي المقهي، طلب قهوة سادة، لم يشربها، ظل يبحلق في الفنجان، إلي أن ضاع وجهه.
مر وقت وهو تائه، حتي عثر علي نفسه في السرادق، يستمع إلي القرآن.
دخل حقيبته، يبحث في الإيصالات، يجرد النقود، يتأكد من المبلغ الناقص، هو بالضبط، بعد أن جنب الفروقات، المبلغ مكتوب علي ورقة، هي عادته، حتي لاينسي عند ترك فاتورة لأي مشترك.
ماذا أفعل؟، لا أحتكم علي هذا المبلغ.
ليه يا حاج؟ معقولة! أنا مقابلك الصبح، استغفر الله العظيم، دي عملة تعملها.
المبلغ مش موجود دلوقتي، فوت آخر النهار، خد الإيصالات معاك.
عيب يا حاج.
صمم وترك له مثل كل مرة فواتير الكهرباء للورشة والمنزل، وعندما عاد ليحصل قيمتها منه في آخر النهار، كانت جنازة خارجة من الشارع، وسرادق يحجب الورشة المغلقة علي غير العادة.
خرج من الحقيبة أثناء راحة الشيخ، بقي في صمت وحيد، قبل أن يأتي فوج آخر من المعزين، ينفخ دخان سيجارته، يرتب ما سيقوله لابن الحاج الذي يراقبه بنظرة فاتكة.
" ماذا سأقول له ؟ هل يصدقني ؟ ولو صدقني، أيكون معه المبلغ؟ أكيد صرف النقود في مصاريف الجنازة، المهم يصّدق، ويعيد لي الفواتير، ولكن إذا لم يعثر عليها، لا لن تضيع، أكيد الحاج وضعها في درج المكتب، أو في الصديري الذي يلبسه تحت القفطان.
تأهب لاصطياد الفرصة، بعد أن ختم الشيخ تلاوته، ووجد نفسه قناصا يمتلك الصبر، ينتظر.
ويحرص هذه المرة علي أن يكون آخر واحد في الصف، وكلما جاء رجل ووقف وراءه خرج هو من الصف ليدع الرجل يتقدمه، شد علي كل يد وتمتم بكلمات الرثاء إلي أن وصل أمام ابن الحاج، ووجد وجهه متعبا ومحتقنا.
امسك بيده، وأحس بالغيث قريبا وجسمه مبلل، ونظر إلي الأرض ووجدها جافة مثل حلقه، وإلي السماء وكانت خالية من السحب، هز يده وشد عليها، وتحركت شفتاه دون صوت يذكر، تردد وطال وقوفه، وجال الصمت بالمكان، حاول أن يشرح الموقف، تعثر لسانه في الكلام، سقطت يده من يد ابن الحاج، وافلت الحقيبة من تحت إبطه فتعاونت معه الأيادي في لم الإيصالات التي بعثرت علي الأرض ، اعتدل وربت علي كتف ابن الحاج، رأي وجهه مازال يظهر عليه التعب، وأن كان اختفي منه الاحتقان. ووجد نفسه يخرج بسرعة من السرادق، مدفوعا في ظهره من طابور المعزين خلفه.
خارج السرادق استوقفه صوت متعب، ينبثق من جب سحيق، يتسرب في هدوء الحلم، كان لأحد الرجلين اللذين لاحقاه في الجنازة، دنا منه وأراح يده الثقيلة علي كتفه، ثم تناوب النظر بين وجهه المهموم والحقيبة التي يتأبطها في حرص، مترنما في نبرة خفيضة واهنة:
البقاء لله، شكر الله سعيك، عرفت انك مش ابن الحاج، لكن واضح أنه كان غالي عليك قوي، قريبه، أنت قريبه أكيد، الظرف مش مناسب، أنا عارف، لكن اعذرني دي فلوس ناس، فلوس بضاعة وشغل، وأنا محرج أطلبهم من ابن الحاج، وأملي تكلمه أنت بالنيابة عني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.