في الوقت الذي لم تنجح فيه جهود عراقية وعمانية للتهدئة بين طهرانوواشنطن، جاءت طوكيو لتلعب دور الوسيط الجديد لبناء جسر من الحوار بين الولاياتالمتحدةوإيران. وفي حين تشهد الساحة الدولية توترا وتصعيدا جديدا في الخلاف الأمريكي - الإيراني منذ مطلع الشهر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته لليابان الأسبوع الماضي أنه يرحب بجهود الوساطة مع طهران التي سيزورها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي خلال الشهر الجاري. والسؤال الأبرز الذي طرح علي الساحة عقب هذه التصريحات هو لماذا تعرض طوكيو الوساطة؟ الإجابة ببساطة هي أن اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، هي أيضا تعد ثالث أكبر مستورد للنفط الإيراني، كما تشكل طهران واجهة اقتصادية مهمة لطوكيو حيث تحتضن إيران نحو 30 شركة يابانية تستورد النفط الخام. في الوقت نفسه، تعد العلاقات اليابانية - الأمريكية جيدة ومهمة للبلدين، الأمر الذي يحث طوكيو علي السعي نحو التهدئة بين واشنطنوطهران. وتري صحيفة الجارديان البريطانية أن ترامب يسعي للاستفادة من »العلاقات الطيبة التي تجمع بين آبي والنظام الإيراني»، بحسب وصفها. وأن الرئيس الأمريكي أعرب عن دعمه لجهود طوكيو لاستئناف المحادثات مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وذلك بعد ساعات قليلة من وصف بيونج يانج لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بأنه »يحرض علي الحرب». ورغم أن وكالات الاستخبارات الأمريكية أكدت أن كيم ينوي التمسك بأسلحته النووية، لكن ترامب أشار إلي أنه يصدق حدسه أكثر. وكانت وكالة الأنباء الرسمية في كوريا الشمالية نقلت عن متحدث رسمي لم تسمه أن بولتون يجب ألا يتم وصفه بأنه مستشار للأمن القومي، بل يجب أن يكون مسمي وظيفته »مستشار لتدمير الأمن والقضاء علي السلام والأمان». وأعرب المتحدث الكوري الشمالي عن أمله أن »يختفي هذا المنتج البشري المعيب في أسرع وقت ممكن». وفي سياق توتر آخر بين طوكيووبيونج يانج، قال رئيس الوزراء الياباني إنه علي استعداد لمقابلة الزعيم كيم بدون شروط مسبقة لتبادل وجهات نظر صريحة، في إشارة منه لاستعداده لتحسين العلاقات اليابانية مع كوريا الشمالية علي نهج ترامب الذي وعد بتحسين علاقات بلاده الاقتصادية مع طوكيو في ظل الحروب التجارية التي يخوضها مع عدة دول كالصين والاتحاد الأوروبي وفي ظل تهديداته بفرض تعريفات جمركية عالية علي السيارات اليابانية أيضا. فقبل مغادرته إلي اليابان، أعلنت الولاياتالمتحدة أنها سترسل 1500 جندي إضافي إلي المنطقة، بعدما أرسلت حاملة طائرات وقاذفات بقدرات نووية وهدد ترامب أنه إذا هاجمت إيران المصالح الأمريكية، فسيشكل ذلك »نهايتها فعليا» إلا أن ترامب أبدي استعداده للحوار مع النظام الإيراني الذي نفي رغبته في تغييره وقال إنه لا يريد أن يشهد أحداثا مروعة جراء الخلاف مع طهران. وكانت تصريحات الرئيس الأمريكي في طوكيو حول عدم سعيه خلف إسقاط نظام الرئيس حسن روحاني مثيرة للجدل نوعا ما من قبل المراقبين للخلاف الأمريكي–الإيراني. وأكد الرئيس الأمريكي أن ما يهمه فقط هو عدم امتلاك طهران لترسانة نووية، ولا ينوي ل»الإضرار بها مطلقاً». هذه التصريحات حول طهران وأيضا بيونج يانج التي تميل للتهدئة والمصالحة، خاصة عند وصفه للزعيم الكوري الشمالي بأنه »ذكي.. ويسعي لتعزيز قدرة بلاده الاقتصادية دون السعي وراء تطوير أسلحة نووية»، أثارت صدمة دبلوماسية للمراقبين فبعد أن أظهر حزما حد التلويح بحرب شاملة، عاد ليعتبر أن لا مشكلة لديه في بقاء النظام الإيراني واثني علي نظام كيم جونج وهي تناقضات أثارت حيرة الخصوم والحلفاء علي حد سواء وتركت الجميع في حيرة إزاء ما ينتظرهم لاحقا. وتري صحيفة الجارديان أن نوايا ترامب الحقيقية حول هذين الملفين مشكوك فيها، حيث وصفوا تصريحاته بأنها تؤدي دور »حمام السلام» من أجل تحقيق توازن في السياسة الخارجية لواشنطن في الوقت الذي يحاول فيه ترامب عدم خسارة حلفاء جدد في الشرق الأوسط وآسيا وأمريكا الجنوبية. ففي الوقت الذي كان يدعو ترامب للحوار مع بيونج يانج، تدعو تصريحات مستشاره بولتون إلي الخيار العسكري ضد كوريا الشمالية وضد إيران أيضا. ونقلت الصحيفة عن مسئول في البيت الأبيض قوله إنه سمع ترامب يقول »لو كان الأمر بيد بولتون، لكانت واشنطن الآن تخوض أربعة حروب». ولم يعلق الجانب الإيراني حول التصريحات اليابانية الداعية للتوسط مع واشنطن، الأمر الذي يبرز عدم وضوح الرؤية الإيرانية تجاه عرض طوكيو التي تلعب دوراً هو جديد لها في المنطقة حيث إنه من غير المألوف من الجانب الياباني التعمق في خلافات سياسية عالمية.