هبة عبدالعزيز إلي بيوتنا، إلي أعمالنا، إلي الشواطئ، إلي حقولنا... يجب أن نعود! إلي أراضينا المحمرة بالْبُنِّ، المبيضة بالقطن، المخضرة بالذرة... يجب أن نعود! إلي التنقيب عن الماس والذهب والنحاس والنفط... يجب أن نعود! إلي الريف الأنجولي الجميل، إلي أرضنا، أُمِّنا... يجب أن نعود! كتب تلك الأبيات الشاعر الأفريقي "أجو - ستينونيتو" (1922م: 1979م) في قصيدته "يجب أن نعود"، وذلك وهو في سجنه عام 1960م، ويُعَدُّ "أجو" ممثلًا لجيله في دولة موزمبيق، هذا الجيل الذي كواه النضال؛ فراح ومزج ما بين الشعر والحياة. ولا زلت أحمل إليكم بعضًا من "شعاع نور" -للمرة الثالثة علي التوالي- من الأدب الأفريقي كي ينير لنا الدرب ونحن في الطريق إلي قلب القارة الأفريقية، تلك القارة الأم التي نجحت مصر في السابق للوصول إليها عبر إستراتيجية بَنَتْها بلادي علي قيم إنسانية وحضارية راقية، ولعبت فيها قواها الناعمة دورًا مؤثرًا وبارزًا، ولم تلجأ لاستخدامها أو توجيهها أو في مسألة أدلجة أو أسلمة القارة التي تعاني الفقر والعَوَز -برغم إمكانياتها الكبيرة- كما فعلت ولا زالت تفعل معظم الدول ورؤوس الأموال العربية أو الأجنبية التي اخترقت أفريقيا مستغلة فرصة انحصار وتراجع الدور المصري فيها بكل أسف. ولكن هنا قد تَصْدُقُ مقولة (أن تأتي متأخرًا خيرًا من ألا تأتي)، والتي يجب أن نتعامل معها بحرص ونحن نطبقها ولا نسلم دائمًا لسلامتها في المطلق؛ فبفضل الله والجهود الكبيرة المبذولة من القيادة الحالية بدأت مصر مجددًا بعد غياب عقود في طريق عودتها وبقوة للتواصل السياسي والاقتصادي مع القارة الأم، ولا يمكن لعاقل أن ينكر أبدًا ما يتم بذله في الحقيقة من مجهودات علي عدة أصعدة لمحاولة (تعويض ما فات) إن جاز القول، ولكنَّنا في الوقت ذاته يجب أن نواجه أنفسنا أيضًا بحقيقة هامة ربما تكون غائبة عن البعض، أَلَا وهي أن هناك إشكالية تتجلَّي بوضوح في مسألة التواصل الثقافي والاجتماعي مع أفريقيا بيتنا الكبير الذي تمت هجرته ماديًّا ومعنويًّا منذ فترة بكل أسف، وأعود لأؤكد مجددًا ما لن أمل يومًا من تكراري إياه، أَلَا وهو أهمية البعد الاجتماعي والثقافي ودور القوي الناعمة في استعادة دور مصر المحوري من جديد في أفريقيا. وأتذكر مثلًا من ضمن أجمل ما أنجبناه في الماضي هذا المولود المتميز الذي لم يَعِش طويلًا بكل أسف، كما أنه لم يتكرر حتي ما يشبهه، أَلَا وهو "مجلة لوتس"، هذه المجلة التي ترجمت لنا إبداعات الشعوب الأفريقية والآسيوية أيضًا، وذلك من لغاتها المحلية إلي اللغة العربية مباشرة دون المرور علي لغة وسيطة استعمارية، الأمر الذي كان يجعل الثقافة تسير بالاتجاهين، أو كما نقول بالعامية: مبدأ (خد وهات) مِمَّا يفتح لنا في الأفق نوافذ جديدة مشتركة تجعلنا نضطلع ونعرف ونري ونلمس مظاهر حياة وعادات وتقاليد ومشاعر شركاء مثلنا في هذا العالم الواحد. والسؤال الذي ربما يطرح نفسه الآن هو: من أين لنا أن نبدأ؟ وهو ما سيكون لنا معه حديث آخر...