د. سمير فرج يفاجئنا الرئيس ترامب بين الحين والآخر، بواحد من قراراته الصادمة، عبر تغريداته، علي موقع التواصل الاجتماعي، »تويتر»، التي يصدرها في الثامنة والنصف صباحاً، بتوقيت العاصمة الأمريكية، الثانية والنصف ظهراً، بتوقيت القاهرة. عادة ما تكون تلك القرارات ذات طبيعة سياسية، في ظل احتياج القرارات الاقتصادية للمباحثات والمفاوضات، قبل اتخاذها، مثل قراره بفرض 20% علي واردات الصين من الصلب والألومنيوم، الأمر الذي ازعج التنين الأصفر، ولكن سرعان ما تم عقد لقاءات بين الجانبين، الأمريكي والصيني، للوصول إلي حلول لكل المشكلات الاقتصادية بين الدولتين. في حين أنه علي المستوي السياسي، يختلف تماماً الوضع بشدة، فالقرارات الصادمة التي اتخذها ترامب في الفترة الماضية في الشأن السياسي، وخاصةً فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، أحدثت ارتباكاً كبيراً في الأوساط السياسية، والتي كان أولها القرار الصارم بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي مدينة القدس، اعترافاً بها عاصمة لإسرائيل، مما نسف كل الجهود المبذولة، والمستمرة حتي الآن، لحل المشكلة الفلسطينية، التي هي أساس أزمة الشرق الأوسط. هذا القرار تحديداً جمد فكرة جلوس الفلسطينيين، أو العرب، علي طاولة المفاوضات لحل أعقد مشكلة في المنطقة، والتي كانت تقوم حول التباحث والتفاوض علي خمس نقاط خلافية، بحثاً عن حل عادل وشامل؛ النقطة الأولي هي الحل علي أساس قيام دولتين، الدولة الإسرائيلية، والدولة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، طبقاً لحدود ما قبل 5 يونيو 67، والنقطة الثانية شكل ومقومات هذه الدولة من حيث الجيش والشرطة والقوة والتسليح ثم السيطرة علي الموانئ والمطارات، وغير ذلك من الأمور الداخلية، أما النقطة الثالثة فكانت مشكلة عودة اللاجئين، والرابعة مشكلة تقسيم المياه في ظل محدودية مواردها، أما الخامسة فهي أزمة القدس، ونظراً لحساسيتها، وتعقيدها، فقد كانت المفاوضات، تتبع، دوماً، منهجاً خاصاً بمحاولة الوصول إلي حلول للأربع نقاط الأولي، قبل البدء في التفاوض بشأن القدس. ولكن، للأسف، جاء قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلي القدس، ليحطم، ويدمر، كل الآمال المعقودة علي حل الأزمة، أو حتي التفاوض بشأنها، كما أن ذلك القرار وضع الفلسطينيين، بالضفة الغربية، في مشكلة أكبر، حيث كانت تعاملاتهم مع الولاياتالمتحدة تتم من خلال القنصلية الأمريكية في القدس، ولكن الآن أصبح تعامل أي فلسطيني مع الولاياتالمتحدة، يتم من خلال السفارة الأمريكيةبالقدسالمحتلة، والتي أصبحت القنصلية جزءاً منها، وهذا يعني اعتراف المواطن الفلسطيني بشرعية وجود ونقل السفارة إلي القدس. الحقيقة أن قرار ترامب لم يزد المشكلة إلا تعقيداً، بعدما قوض، حالياً، أي فكرة للتفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لحل أهم أزمة بالشرق الأوسط والتي كان من الممكن في حالة التوصل لحل أن يعود السلام إلي المنطقة كلها. لم يكتف الرئيس ترامب بقراره الأول، وإنما أعقبه، مؤخراً، باعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بالسيادة الإسرائيلية علي مرتفعات الجولان، وهي الأرض السورية منذ الأزل، وهو ما يخالف كل القرارات الدولية، بما فيها القرار 242، الصادر عن مجلس الأمن فور توقف القتال بعد حرب 67، والذي يعتبر أساس جميع المفاوضات ومساعي السلام الدولية. تقع هضبة الجولان بين نهر اليرموك جنوباً، وجبل الشيخ شمالاً، وتتبع محافظة القنيطرة إدارياً، وتبلغ مساحتها 1860 كم مربعا، وتبعد عن دمشق العاصمة 60 كم، وتسيطر إسرائيل علي 60% منها بعد حرب 1967. في عام 1980 أصدر الكنيست الإسرائيلي قانوناً يعتبر الهضبة أرضاً إسرائيلية، رغم صدور قرار مجلس الأمن، رقم 497، باعترافه بالجولان أرضاً محتلة. ورغم اعتراض كافة الدول علي هذا القرار الأمريكي، واعتراض منظمة الأممالمتحدة، التي أعلنت أن الجولان أرض سورية محتلة من قِبل إسرائيل بعد حرب 67، وطبقاً للقوانين الدولية، فإنه لا يجوز الاعتراف بأراض تم ضمها بناءً علي عمليات عسكرية، ويعد أبسط مثال علي ذلك، عدم اعتراف جميع الدول، بما فيها الولاياتالمتحدة، بضم روسيا لمنطقة شبه جزيرة القرم، بل تم فرض عقوبات علي روسيا من المجتمع الدولي، بما فيها أمريكا نفسها، التي تعارض ضم أراضي دولة إلي دولة أخري عن طريق القوة. وما زالت الولاياتالمتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، مستمرة في فرض العقوبات علي روسيا بشأن شبه جزيرة البلقان. وهنا ازدادت الأزمة السورية تعقيداً، بعدما بدأنا نشعر، في الأيام السابقة، بقرب التوصل إلي السلام في سوريا، بعد القضاء علي تنظيم داعش الإرهابي، وإمكانية عودة سوريا، مرة أخري، كدولة مستقلة، تمارس مهامها السياسية، والإدارية. ومن قبلها تم عقد مؤتمر للدول المانحة لإعادة إعمار سوريا، فتفاءل الجميع، بل وظهرت المقدمات والسيناريوهات المحتملة لإعادة استقرار سوريا، ومنها إجراء انتخابات رئاسية، وانتخابات نيابية، تحت إشراف دولي، وعمليات إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين السوريين إلي بلدهم الأم سوريا، وبدأت سيطرة الجيش علي مختلف المناطق السورية، والقضاء علي آخر جيوب موجودة للدواعش في بعض القري السورية، مع إمكانية عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، المهم أن الآمال كانت موجودة، والعمل كان يجري لدراسة وحل مختلف المشاكل. وحتي بعد قرار ترامب بسحب جميع القوات الأمريكية من شمال سوريا، والذي عدله لاحقاً، بالإبقاء علي 400 جندي أمريكي، كان من الآمال المشجعة لاستقرار الأمور في الشمال، حيث سيمنع ذلك تركيا من احتلال هذه المنطقة، الأمر الذي كان سيشعل التوتر مرة أخري. ورغم ذلك كله جاء قرار ترامب بسيادة إسرائيل علي مرتفعات الجولان، ضربة قاصمة لإمكانية عودة الاستقرار في سوريا، ورغم ما يدعيه البعض من أن ذلك القرار الأمريكي جاء لدعم نتنياهو في حملته الانتخابية، أو أن ذلك القرار صادر عن دولة واحدة فقط، في ظل رفض المجتمع الدولي، والأممالمتحدة، له، مما يفقده ثقله، وينفي عنه صفة الإلزام، ولكننا نعلم أن مثل تلك القرارات، وإن لم تكن ملزمة دولياً، إلا أنها كفيلة بإشاعة حالة من الإحباط، والتخبط، وقادرة علي إرباك أو تجميد محاولات حل الأزمة السورية مستقبلاً، مما سيزيد الأمور تعقيداً.