إن مجلسا مهما مثل المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب عندما يعني بأمر المسرح في مصر لايكتفي بمجرد العلاج الظاهري الذي قد يحدث بعض النشاط الوقتي بل المفهوم من رسالة هذا المجلس الدائم هو أنه ينفذ إلي صميم العلل ويقيم العلاج علي أساس متين وإن دراسة هذه العلل والبحث هو عمل اللجنة المختصة بالمسرح. 1- علي أن النظرة العابرة والمقارنة السريعة بين حالة مسرحنا وحالة المسارح الأجنبية تدلنا علي أن العلة الحقيقية أعمق جذورا مما نظن فالمسرح في البلاد الأجنبية ناهض لأنه قائم علي أعمدة قوية من عناصر عديدة كل عنصر له معاهده وأساتذته وخبراؤه فهناك معاهد لرقص الباليه والرقص الشعبي وهناك معاهد للمنظر أو لفن الديكور وهناك معاهد لتصميم الملابس والإخراج والإضاءة وغير ذلك من الفنون التي تتألف منها العناصر اللازمة للمسرح وأن توفر هذه الخبرة وهذا الاختصاص في تلك البلاد لايساعد علي النهوض بالمسرح وحده، بل يساعد علي النهوض بالذوق العام وفي إعداد المعارض العامة والخاصة وتنسيق الحفلات والمهرجانات والمتاحف وواجهات الحوانيت. ولعل كل من زار تلك البلاد عجب لما رآه من ارتفاع المستوي الفني في كل ما شاهد، لافرق بين مسرح جدي ومسرح راقص من حيث الاتفاق الفني في المناظر و الملابس والإضاءة والإخراج، بل إن نوادي النيل أو الكاباريهات شأنها في روعة الإخراج فيما يتصل بمناظرها وملابسها وإضاءتهاشأن مسارح الأوبرا الفخمة. ذلك لأن المعاهد الفنية تخرج إلي السوق كل عام نفرا من المتخصصين في هذه الفنون التي ترقي بالذوق العام فيتجه هذا النفر من الخريجين، كل بحسب ميله أو حظه أو قدرته إلي الميدان الذي يعمل فيه، سواء كان مسرحا جديا أو مسرحا راقصا أو معرضا أو مهرجانا أو غير ذلك. هذه الثروة الفنية في تلك البلاد يقابلها عندنا فكر لا يمكن أن يخطر علي البال، فمنذا يصدق أن القائم بصنع ديكورات المسرح في مصر هو رجل إيطالي، إذ اشتغل يوما في دار الأوبرا تعطل إخراج المسرحية في الفرقة المصرية وهذا حصل بالفعل. إذن كل حديث في أمر المسرح المصري قبل النظر في توفير العناصر الفنية في البلاد هو من قبيل البناء علي غير أساس. فالمسرحية المصرية إذا وجدت، وأردنا لها الملابس الفنية البديعة لم نجد المصمم الفني، وإذا أردنا لها الرقص الشعبي المناسب، لم نجد هذا الفن علي نحو مهذب منظم مدروس. وإذا لجأنا إلي المسرحية المترجمة كان الموقف أشد سوءا ذلك أن العناصر الفنية غير موجودة كل شئ قائم في الفضاء ولعل هذا هو حظ بقية الفنون الأخري في مصر ذلك أن المعاهد الفنية غير متوافرة وإذا وجد لم يأخذ علي سبيل الجد ما هي إذن مهمة لجنة المسرح في المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب هي قبل كل شئ دراسة جميع هذه النواحي. تم بحث تفصيلات الوسائل التي تكفل لبلادنا وفرة العناصر الفنية الضرورية التي يقوم عليها فن مسرحي حقيقي. 2- هذه عدا بحث المسألة التي أصبحت معلومة للجميع وهي افتقار بلدنا إلي المسرح من حيث هو بناء وموضع ومكان، فإن احتجنا إلي المسرح المزود بأحداث الآلات والأدوات كان أول ملاحظة الخبير الأجنبي »مسيو فابر» الذي استقدمته الحكومة المصرية عام 1936 لبحث حالة المسرح المصري ومنذ ذلك التاريخ لم ينفذ شئ في هذا الشأن الهام حتي الآن. 3- كما أن الدراسة ستشمل موضوع المسرح »الشعبي أو الإقليمي» الذي يجب أن ينشأ في بيئته ويتلقي من الإرشاد الفني ما يحقق رسالته في إشاعة الحياة الفنية والثقافية ونشر الذوق الرفيع في ريف مصر وأن يكون بمثابة حقل التجارب الذي يعين علي ظهور المواهب الطبيعية التي قد تكون كامنة في أنحاء البلاد مع ما يستلزمه ذلك من بحث الوسائل لتعميم المسارح وقاعات الاجتماع والمحاضرة في العواصم والأحياء 4- كذلك سيكون من أهم موضوعات الدرس مسألة العمل علي تنشئته جمهور الغد الذي يتذوق الفن في أرفع مظاهره وذلك ببحث وسائل نشر الوعي الفني المسرحي الرفيع في المدارس والجامعات ونحو ذلك حتي يساير النضج الفني تطور البلاد في نواحي نشاطها الفعلي والعملي والاجتماعي هذه هي أهم الخطوات الرئيسية للمسائل التي ستقوم لجنة المسرح ببحثها ودراستها واقتراح وسائل تنفيذها هذا كله عدا عملها العادي في تلقي ما يعرض عليها من بحوث ومذكرات من مختلف الجهات للدرس والمشورة والاقتراح