سلوي بكر أكثر من 2000عمل تصل إلي هيئة الكتاب سنوياً، تقوم الإدارة المركزية للنشر برفض 1500 منها، غير أن رئيس الهيئة الدكتور هيثم الحاج علي، يستثني حوالي 300 من الأعمال المرفوضة، ويؤشر بنشرها، فهو حريص للغاية علي عدم إغضاب أي »إنسان»، حتي لو كان يكتب »أي كلام». طوال أسابيع حاولنا مناقشة مشكلات الهيئة، وكنا أشبه بمن يزيل طبقة من العقبات، ليجد طبقة أخري أسفلها، عقبات تقف أمام المسؤولين عن النشر، الذين يبدون كأنما يصرخون في غرف مطلية بعازل الصوت، بينما يشاهدهم الدكتور هيثم الحاج علي، من وراء زجاج مكتبه، وهو يتخيل، ربما، من حركاتهم، وأفواههم التي تنفتح وتنطبق بدون فائدة، أنهم يحيُّونه، فيرد عليهم بابتسامته البريئة. في الحلقة »الأخيرة» من هذه التحقيقات نناقش عدداً آخر من رؤساء تحرير السلاسل في المشاكل التي تواجههم، وهذه المرة اكتشفنا كذلك أن هناك جديداً يُقال، وأن الهيئة تحتاج إلي تدخل حاسم وجذري لإعادتها إلي المسار الصحيح. تقول سلوي بكر رئيس تحرير سلسلة »التراث الحضاري» إن »المشكلة الأساسية هي عدم وجود معايير أو فلسفة عامة لإدارة ترسانة النشر داخل الهيئة، وتكون النتيجة إهدار كبير في المال العام، حيث تنشر أعمالاً أقل من المستوي المطلوب، كما أن كل أمراض الحياة الثقافية نُقلت إليها، فقد أصبحت مستباحة من الجميع، حينما تُعيِّن رئيس تحرير لسلسة ما يأتي بشلَّته وأصدقائه، وينشر لهم، بغض النظر عن الأعمال المستحقة، وبدون رقيب أو حسيب، وعليك أن تراجع المنشور لتتأكد». هناك كذلك مشكلة نقص الورق، بسبب عدم توفر العملة الصعبة، والسؤال: طالما أن هناك مشكلة فلماذا لا أتدخل وأقوم بالفلترة؟! لماذا لا أطبع الأكثر أهمية فقط؟ وعلي سبيل المثال، هناك سلسلة للكتَّاب الجدد، جميل، ولكن هل كل من يبدأ يستحق أن يُنشر له كتاب، مع الاعتراف بأن هناك تجارب جميلة للشباب؟! لا بكل تأكيد، وحتي لو كنا نتحدث عن أعمال جيدة، يمكن جمع ثلاثة كتَّاب في إصدار واحد، كنوع من ترشيد النشر، كما أن النشر يجب أن يكون مقروناً بتقديم هؤلاء الشباب إلي الناس من خلال ناقد مرموق، لو نظرت إلي السلاسل القديمة ستجد أن هناك أسماء لامعة هيالتي كانت تتولي ذلك، مثل يحيي حقي، وعلي الراعي، وغيرهما، هناك نقاد كبار يثق فيهم الناس، وبالتالي سيثقون في اختياراتهم». ننتقل إلي الحديث عن السلسلة التي ترأس تحريرها »التراث الحضاري»، وهي سلسلة ذات أهمية خاصة، فالمستهدف منها تقديم الكتب ذات الطابع الحضاري، الكتب التي تقدم وجهاً عظيماً للحضارة العربية، وتشكل قيمة في الحضارة الإنسانية بشكل عام. أصدرت هذه السلسلة 18 كتاباً منذ أن جاءت سلوي بكر في 2016، وهكذا فإن السلسلة الشهرية تسير علي سطر وتترك سطراً. سلوي بكر اختطت للتراث الذي تقدمه في هذه السلسلة منهجاً معيناً، بحسبه لا يكون التراث هو الكتب الصفراء أو الدينية، وإنما علم النفس، والفلسفة والطب، والهندسة، وغيرها، كثيرون من المتدينين يعرضون عليها مخطوطات تنطلق من فهم سطحي للدين والتراث، لكنها ترفض. تقول سلوي إنها تواجه كثيراً من المعوقات »علي رأسها غياب المحققين»، لأن المقابل المادي المرصود للتحقيق »تلاتة تعريفة». تعلق: »إنه مقابل غير مجز علي الإطلاق»، وتضيف: »حينما نطلب مخطوطاً من دار الكتب ترفض التعاون تماماً، مع أننا نُكمل بعضنا، أو هكذا أتصور، فالمسؤولون عن دار الكتب يعرفون أننا نقدم الأعمال للقراء غير المتخصصين مقابل أثمان زهيدة، أما هم فيستهدفون الباحثين المتخصصين، وبالتالي لا توجد منافسة بيننا، نحن نريد تصحيح المفاهيم، خاصة عند من يشعرون بالدونية تجاه الغرب، ونقول لهم إننا نملك حضارة ونستطيع البناء عليها». سلوي بكر تؤكد أن: »محمود الضبع أثناء رئاسته للدار أبدي مرونة لكن الموظفين عرقلوا كل شيء»، وأن »المشكلة في الموظفين الذين يكرهوننا، ويتعاملون معنا بمنطق أننا نأتي لنسلبهم حقوقهم وأموالهم»، وتعلق ساخرة: »لا تندهش لو راجعت كثيراً من السلاسل في جميع مؤسسات الوزارة، وليس في هيئة الكتاب فقط، ووجدت نسبة لا بأس بها من المنشور، شعراً وقصة ورواية ونقداً، لموظفين، بيعملواأي عك عشان ياخدوا مكافآت»، وتعود للكلام عن الهيئة: »يجب إنشاء قاعدة بيانات داخلها، بالمنشور في كل حقل معرفي، وبالمؤلفين، وبما تم تقديمه، فهذا سيساعد الجميع في المستقبل»، وتواصل: »90% من المنشور في (التراث الحضاري) من مكتبتي الخاصة، وبعضها إعادة إصدار لما كانت تصدره الوزارة في الستينيات عن (مركز تحقيق التراث) الذي كان يضم دار الكتب والهيئة قبل انفصالهما، وهي كتب عظيمة للغاية حققها جيل لا يعوض، وقد اقترحت هذا العام إنشاء جائزة لتحقيق التراث، مقابل مبلغ كبير، لأن المحققين، بسبب المبالغ الزهيدة المرصودة لهم، ومعهم كل الحق، يتجهون إلي الكويت والإمارات، ولا يتركون لنا إلا محققي الدرجة التانية والتالثة» وتقول: »نحن ندفع حوالي ألفي جنيه، تخيل؟! هل هذا مبلغ؟! عندي كتاب (فوائد الموائد) علي سبيل المثال، وهو كتاب عظيم عن فن الطبخ في القرن العاشر الميلادي، عن طرائق الطعام، وأيضاً عن النباتات المستخدمة ومنها نباتات اندثرت، لكني لا أجد من يحققه بسبب المبلغ الزهيد المعروض». وتابعت : »مشكلة أداء العاملين علي صناعة الكتاب هي الطامة الكبري، فلا يفعلون شيئاً سوي ابتزاز كفي كل خطوة تخطوها، ابتداء من الجمع والتصحيح وحتي مرحلة (الكلك)، ومصر كي تصبح دولة حديثة لا بد أن تتخلص من هؤلاء المبتزين الذين يخترعون آليات لنهب المال العام». وتعود مجدداً إلي الحديث عن غياب التخطيط داخل الهيئة: »لقد ألغوا مثلاً وبشكل مفاجئ مجلة (الرواية) وكانت معقولة وتذهب إلي قارئ يحتاجها بسعر زهيد، هناك أيضاً الأخطاء الفادحة في الطباعة، أنا حطيت صوابعي في الشق، أراجع الكتاب حرفاً حرفاً ومع هذا لا يخلو من الأخطاء، هيثم الحاج علي ولا يستطيع عمل شيء!، الموظفون هم من يتحكمون في كل شيء، والخلاصة أن هذا المكان إن لم تتم إدارته بانضباط شبه عسكري فلا فائدة تُرجي منه، إنه يحتاج إلي هيكلة حقيقية، حتي يعود مركزاً لصناعة النشر الثقيل». مشكلة أخري تؤكد أن الهيئة تعادي نفسها، لأنها حتي لا تعرف أولويات الدولة التي تمثل واجهة لها. 2019 تم إعلانه عاماً لإفريقيا، وبالتالي أصبحت هناك حاجة ملحة لانتظام سلسلة »دراسات إفريقية» لكن السلسلة لا تزال كغيرها تواجه العراقيل، تُعفي رئيس تحرير السلسلة الدكتور أماني الطويل، رئيس الهيئة ونائبه من المسؤولية، وتقول إن هناك إرادة سياسية لإصدار الأعمال التي تقدمها، لكن هذه الإرادة تتحطم علي صخرة البيروقراطية. الهيئة استقدمت الدكتورة أمانيفي 2017، وأصدرت حتي هذه اللحظة 6 أعداد. كان الاتفاق علي صدور عدد كل ثلاثة شهور، قبل أن يطلبوا منها أن تكون شهرية ابتداء من هذا العام، وهو ما لم يتحقق. تقول: »مش قادرة اعملها كل شهر، المسؤولون عن التنفيذ يتباطأون بشكل غريب، الورقة لا تنتقل من مكتب إلي آخر إلا بشق الأنفس، الحصول علي رقم الإيداع صار أمراً صعباً للغاية، وعطَّل السلاسل كلها، كانت هناك أزمة مع دار الكتب، وتدخلت وزيرة الثقافة وحلتها، ثم دخلنا في أزمة الورق، الأمور كلها تتعلق بالموازنة المالية، وأنا لا ألوم علي الناس أنهم لا يعملون، لأنهم يحصلون علي مبالغ زهيدة مقابل أعمالهم»، غير أنها تستدرك: »الموظفون يتحايلون لكسب حوافز إضافية، فالمهمة الواحدة يطلبون تقسيمها إلي مهمتين، ولهذا يضعون أمامك العراقيل، مثلاً هناك كتاب مهم عن الأدب الغيني، لكبَّة عمران، قالوا إنه طويل وصعب التنفيذ، وهكذا لا بد من إعادة النظر في موازنات السلاسل، لأنها غير واقعية علي الإطلاق»، وتابعت: »هناك من نصحني باستقدام مدير للتحرير من داخل الهيئة ليساعدني علي إنجاز الأمور، باعتبار أن لديه خبرة في التعامل مع أمثال هؤلاء، واكتشفت أنه لا يفعل شيئاً، واستقدمت آخر، وكان يشبه سابقه، وأخيراً استقدمت مديرة تحرير من الخارج لا تتواني عن بذل الجهد، لكن بلا فائدة». هناك نموذج صارخ كذلك علي الإهمال في التعامل مع السلاسل، وهو سلسلة »ذاكرة الفنون» التي يرأس تحريرها الفنان التشكيلي عز الدين نجيب، هذه السلسلة هي الوحيدة التي تغطي أعلام الفن التشكيلي، خاصة من لم يأخذوا حقهم من النقد أو التعريف. يقول عزالدين نجيب: »كان من المقرر أن تكون السلسلة شهرية، لكنها لم تصدر منذ خمس سنوات إلا كل ثلاثة أو أربعة شهور، ومؤخراً زادت المدة إلي ثمانية شهور، ويبدو أن الأمر يعود إلي تلك المشاكل المتراكمة في الهيئة بين أزمة الورق، والحصول علي أرقام الإيداع، وقد عرضت الأمر علي الدكتور هيثم الحاج علي وكان يطيِّب خاطري في كل مرة، وكنا نخطط لإصدار عدد مؤخراً، لكنه تعطل بسبب عدم الانتهاء من الملزمة المترجمة، الدكتور هيثم قرر إضافة هذه الملزمة بعد النجاح الكبير للسلسلة، بحيث يتم توجيهها للخارج، لكنه يطلب منا التعامل مع مترجمة من داخل الهيئة، وهذه المترجمة لا ترد علي اتصالات مدير التحرير إسلام بيومي ورسائله منذ شهرين، فهل هذا طبيعي؟! وهل طبيعي أن يتم إجبارنا علي التعامل مع أشخاص لا يسيرون وفق نظام؟! لا بد أن تمتلك الهيئة أكثر من مترجم ولا تتركنا لسطوة شخص واحد، لا يوجد من يربط الخيوط ببعضها، لقد أصبح الأمر عبئاً كبيراً عليَّ أكبر من عبء تجميع المادة بكثير، لقد نفد صبري، وفكرت في الاستقالة أكثر من مرة، لكنني أتراجع كل مرة بسبب شعوري بالذنب تجاه أشخاص يحتاجون إلي هذه المجلة، لكن ما يحدث غير معقول بالمرة».