(كنا نحن الاثنين مهاجرين. هو أقام في الولاياتالمتحدة وأنا في فرنسا، وكلانا من دول تقع علي هامش الغرب: هو أتي من فلسطين ومصر وأنا من بلغاريا. دول يفرق بينها الكثير من الملامح، لكننا نجد فيها نفس الإحساس بالتقارب والنقص تجاه أوربا الغربية أو أمريكا الشمالية، إحساس قد يولد خليطًا من الحسد والغيظ). هكذا تحدَّث »تزڤيتان تودوروف» عن إدوارد سعيد في كتابه »بصمة الإنسان» الذي ترجمته لأول مرة إلي اللغة العربية نجلاء أبو النصر عن اللغة الفرنسية، وصدر، مع خمسة كُتب أخري، بالتزامن مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب، ضمن سلسلة »آفاق عالمية» التابعة لهيئة قصور الثقافة. تضمَّن الكتاب عددًا من البورتريهات لبعض الشخصيات التي نفذت إلي قلب تودوروف وأثَّرت في بناء شخصيته، فأخذ يبحث عن البصمة الإنسانية لكل منهم ويكتب عنه مقالًا، علي مدار خمسة وعشرين عامًا، قبل أن يجمعها في كتاب عام 2009، احتل فيه سعيد مكانة الصديق، الذي شعر المؤلِّف بقربه من أفكاره حول تنوع الثقافات وتأثيرات المنفي، فأثار إعجابه كمواطن شجاع. وإلي جانبه تناول تودوروف أربع شخصيات أخري، هم: المؤرِّخ الروسي »رومان ياكوبسون» الذي حاول أن يمِّد الجسور بين الشرق والغرب، وانجذب له بسبب شغفه بالمعرفة وكرمه مع الشباب الذين التفوا حوله وحماسه لكل الإبداعات الفنية، الفيلسوف والمنظِّر الروسي »ميخائيل باختين» الذي لم يقابله شخصيًا لكنه قرأ كتبه وشُغِف بفكره وطريقته في إلقاء الضوء علي العلاقات المتبادلة بين الناس. بالإضافة إلي الفرنسيين المنتميين للجيل السابق عليه؛ الفيلسوف »ريمون آرون» الذي لم يتعرَّف عليه شخصيًا وإنما اهتَّم بأفكاره بعد موته، حيث لفت انتباهه تحليله الثاقب للشمولية وتأثيراتها السيئة علي المثقفين، وعالمة الأجناس »جيرمان تييون» التي تعرَّف عليها متأخرًا بعد قراءاته لكتبها قبل وفاتها في 2008، حيث أذهلته طريقتها في الاستفادة من التجارب شديدة القسوة التي عاشتها وقدرتها علي عدم الانتقام ممن أساءوا إليها ومحاولتها حماية ضحايا جدد بدلًا من الاكتفاء باجترار عذاباتها الشخصية. الكتاب الثاني، المترجَم للمرة الأولي – أيضًا – إلي اللغة العربية، هو »نصوص من المسرح الألماني» بترجمة د.محمد شيحة، والذي يحتوي علي أكثر من ثلاثين مسرحية قصيرة وُضِعت تحت 17 عنوانًا، من بينها ثلاث معالجات صاغها النمساويان »هيلموت كفالتنجر» و»كارل ميرتز» لمسرحية »هاملت» لشكسبير، التي أجمع الكثيرون علي أنها أغرب عمل في تاريخ المسرح كله، بسبب عدم كمالها وما يكتنفها من غموض يجعل حالة الاستفهام هي السائدة والمسيطرة علي الجو العام للمسرحية، وجاءت المعالجات بعناوين »هاملت أو المُعضِل»، »قبضات حديدية وكمثري طرية»، و»عبيط قرية هلسنجور». إلي جانب نصوص لمجموعة من رواد الكتابة المسرحية باللغة الألمانية، منها: »جورج» تأليف ج.ج بوند، »هينكمان الألماني» التي كتبها إرنست توللر أثناء سجنه عامي 1921 و1922، »نصوص مسرحية قصيرة جدًا» يتجلي فيها اهتمام خابيير توميو بعنصر الصمت والمؤثرات الصوتية، »مسرحيتان قصيرتان» لهاينز موللر، »في البروفة» تأليف يوديث روز ماير، »اسمي أورلابي» لهربرت روزن دورفر، »المتسامح» تأليف يوخين تسزيم، »وجبة في الخلاء» لرينيه كورن. بالإضافة إلي مسرحيات »مقعد بالفاصوليا»، »الخطاب الذي وصل إليه» و»تسيجلر يبالغ» لإفرايم كيشون، »الكتاب المقدَّس» أول مسرحية كتبها برتولت برشت و»البراري»، »توبي» تأليف كورت جوتز، »قاتل، أمل النساء» لأوسكار كوكوشكا، و»بعض من الدخان» تأليف مانفرد شفارتز. الكتابان الآخران في المجموعة إعادة نشر، الأول هو رواية »الحرية أو الموت» للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس وترجمة سعد زغلول نصار، تناقش بعمق، خلال أربعة عشر فصلًا، فكرة الحرب والسلام، وأن القتال من أجل الدفاع عن الأرض ليس واجبًا فحسب، وإنما فرض علي أصحابها، لأن من ينتمون إليها هم الأكثر حرصًا علي حمايتها من الدمار، حيث صوَّر المؤلِّف كفاح الشعب اليوناني في جزيرة كريت للحصول علي الحرية من الاحتلال العثماني، وأبرز جوانب إنسانية في المجتمع الكريتي بكل تناقضاته وروابطه وعاداته، فضلًا عن كشفه لفضائح الدول الكبري وطريقة لعبها بمقدرات الدول الصغيرة. الآخر هو كتاب »الكلمات» للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وترجمة محمد مندور، ويبحث فيه الكاتب عن أصل »الأنا» وحلم الماضي، عبر مذكرات شخصية قاسية تقف علي القطب الآخر للفلسفة الصورية، يري فيها أن الفلسفة والأدب كلاهما نوع من الكذب، أو بالأحري اقتراب من الواقع، حيث يحكي في البداية عن انتماء عائلته لنخبة فكرية راقية، يملك كل فرد فيها كنزًا من الكتب والأفكار، مما يجعله كطفل يسعي لتعلُّم القراءة من أجل منافسة والدته التي كانت تهمله أحيانًا من أجل إنهاء كتاب، بينما يتناول في القسم الثاني مسيرته مع الكتابة، ليؤكد في الختام أنه سينهي حياته مثلما بدأها؛ بين أوساط الكتب والكتابة. أما الكتابان الأخيران فهما ملحمتا »الإلياذة» و»الأوديسة» للشاعر اليوناني هوميروس، ترجمهما أمين سلامة، أستاذ اللغة اللاتينية بكلية الآداب جامعة القاهرة، الذي أجاد عددًا من اللغات مكَّنه من الإطلاع علي الترجمات المختلفة للملحمتين والمقارنة بينهما، حيث ذكر في بداية ترجمته للإلياذة عدة إيضاحات، منها أن الترجمة الإنجليزية أطلقت علي كل فصل لفظ »كتاب» بينما أطلقت عليه الفرنسية لفظ »أنشودة»، وقد آثر استعمال التعبير الفرنسي لأن هوميروس كان يتغني بتلك الملحمة الشعرية وينشدها بمصاحبة القيثارة، وبالتالي هو التعبير الأدق. كما أوضح أن الترجمة الفرنسية أغفلت وضع التمهيد القصير الذي درجت الكتب القديمة علي وضعه متضمنًا تلخيصًا للقارئ لأهم الأحداث في الفصل التالي، أما الطبعة الإنجليزية فقد حرصت علي هذا التقليد، وكذلك هو. تتألف الإلياذة من خمسة عشر ألفا وخمسمائة بيت شعري، تصوِّر حوادث 51 يومًا من أيام السنة العاشرة والأخيرة من حصار الإغريق لطروادة، وقد سُجِّلت هذه الملحمة من ذاكرة المنشدين الذين ظلوا يأخذونها من بعضهم البعض لنحو خمسة قرون نقلًا عن مبدعها هوميروس، وشُكِّلت بعثة خاصة لتقصي أبياتها وتحقيقها تحقيقًا دقيقًا. صدرت الطبعة الأولي منها عام 1956 عن دار الفكر العربي، التي أعادت طبعها ثانية عام 1981. أحَّس هوميروس بالتقصير في حق بطل ملحمته الأولي »أوديسيوس» فاهتم به وبرحلة عودته إلي الديار عقب انتهاء الحرب، وما واجهه من أهوال بشجاعة وجسارة، بداية من طروادة وحتي جزيرة إيثاكا، لهذا اقتبس عنوان الملحمة الجديدة »الأوديسة» من اسمه، في حين كانت الأولي »الإلياذة» نسبة لمدينة طروادة، وقد صدرت الطبعة الأولي منها عن دار الفكر العربي – أيضًا – عام 1961، ثم الثانية عام 1978.