تعرف على موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمدارس كفر الشيخ    مياه الإسكندرية تستقبل وفد الوكالة الألمانية لبحث خطة التكيف مع التغيرات المناخية    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري.. يسجل رقمًا غير مسبوق خلال شهر أبريل    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    "الرقابة المالية" تطور قواعد القيد لتيسير تعامل الشركات على أسهم الخزينة    الفسيخ يتخطى ال300 جنيه.. أسعار الرنجة 2024 في كارفور والمحال التجارية قبل شم النسيم    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الثلاثاء    فرار 200 ألف إسرائيلي للملاجئ هربًا من مسيرات حزب الله    الجامعة العربية تشهد اجتماع لجنة جائزة التميز الإعلام العربي    أصدرت عبوات تحمل شعار النادي.. جماهير الأهلي تطالب بفسخ التعاقد مع كوكاكولا    رسميا.. تحديد موعد نهائي كأس إنجلترا    وزير الشباب والرياضة ومحافظ شمال سيناء يفتتحان المرحلة الأولى لتطوير استاد العريش    تحذيرات من موجة حارة قادمة تستمر لثلاثة أيام في مصر    إدارة المنيا التعليمية تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام    إحالة أوارق المتهم بقتل شاب وسرقة مقتنياته في الشرقية للمفتي    بدءا من اليوم.. برنامج حافل لقصور الثقافة احتفالا بعيد تحرير سيناء    احتفالاً بذكرى تحرير سيناء.. متحف السكة الحديد مجاناً للجمهور غدا    توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    بقرار من الرئيس.. بدء التوقيت الصيفي الجمعة المقبلة بتقديم الساعة 60 دقيقة    بيلجورود الروسية تكشف عدد الق.تلى المدنيين في هجمات أوكرانيا منذ بدء الحرب    الحكومة: إنشاء منظومة تعليمية متكاملة لأهالي سيناء ومدن القناة    وزير العدل يفتتح مؤتمر الذكاء الاصطناعي وأثره على حقوق الملكية الفكرية (صور)    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    تعرف على أهم النصائح للتعامل مع عداد الكهرباء مسبق الدفع    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    شكسبير كلمة السر.. قصة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب    بيومي فؤاد يتذيل قائمة الإيرادات.. أسود ملون الأضعف في شباك تذاكر الأفلام (بالأرقام)    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    بطولة أبطال الكؤوس الإفريقية.. فريق الزمالك لكرة اليد يواجه الأبيار الجزائري    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    غدا .. انطلاق قافلة طبية بقرية الفقاعى بالمنيا    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    رئيس شُعبة المصورين الصحفيين: التصوير في المدافن "مرفوض".. وغدًا سنبحث مع النقابة آليات تغطية الجنازات ومراسم العزاء    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    آخر تطورات الحالة الصحية ل الشناوي، وتفاصيل وعد حسام حسن لحارس الأهلي    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي هامش التقريب والتوحد في الكل
مدارات
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 02 - 2019

في يوم 27/6/1990، غادرت مصر علي متن طائرة إلي الولايات المتحدة، في طريقي إلي مستشفي سانت لوك في هيوستن لإجراء جراحة دقيقة بالقلب تحدد لها يوم 16/7/1990.
وكان هدفي من الرحيل مبكرا، أن أخلو إلي نفسي أياما قبل الجراحة أفكر وأتأمل وأبحر في عوالم كثيرا ما تشغلنا هموم الحياة وأحداثها الجسام والتافهة !! عن التأمل فيها !!.. في رحلتي لم أصحب معي غير القرآن الحكيم وكتاب » معالم التقريب »‬ لشيخنا العلامة الجليل الأستاذ محمد عبد الله محمد المفكر والشاعر والمحامي الشهير ومؤلف عمدة المراجع »‬ في جرائم النشر ». إن صحبة القرآن والسياحة فيه صحبة طبيعية معلوم أسبابها.. فلماذا »‬معالم التقريب» بالذات وكنت قد قرأتها ثلاث مرات قبل الرحلة، بل شاركت في جمعها للنشر في كتاب الهلال عدد مارس 1989، مع ما يصاحب هذا الجمع من تكرار للقراءة الدقيقة الملمة الواعية ؟!
لماذا معالم التقريب ؟
السبب أن »‬ معالم التقريب » هي أكثر ما قرأت فهما للدين وللقرآن وإلمامًا واعيًا عميقًا بفلسفته وروحه وأحكامه.. وهو إلي ذلك دعوة عميقة جادة للتقريب بين المسلمين.. في معالجة مليئة بتضاعيف وسبحات تثير الفكر وتدعو إلي التأمل..
فالتقريب هو اتجاه جاد داخل الإسلام، مجرد تماما من اللون الطائفي أو العرقي أو الإقليمي، يسعي للتخلص من العداوة معلنة أو خفية بين أهل المذاهب صيانة لوحدة المسلمين التي تدور حول التسليم بحقوق عامة للمسلم في كل بلاد الإسلام، وأهمها عصمة دمه وماله وعرضه وألا يظن به السوء، وثانيهما التمسك بأخوة المسلم برغم اختلاف مذاهب مدارس الفكر.. فالخلاف المذهبي حين يصبح عداوة يكون قد صار أهواء ومصالح، وهذا لا يواجه إلا بلفت النظر والاعتياد علي تذكر أنه لا خلاف علي الأساسيات.. فإله الجميع واحد.. ونبيهم واحد.. وكتابهم واحد.. وقبلتهم واحدة.. وهذا هو رأس مال كل مسلم.. ولابد من تذكره لكي تتجه قلوب المسلمين وعيونهم إلي المستقبل المشرق الذي ينتظرهم إذا تآخوا وتحابوا..
الأستاذ محمد عبد الله محمد
الأستاذ محمد عبد الله محمد، عالم موسوعي، ومفكر فذ، وواحد من أكبر عمالقة جيل الرواد.. تتلمذ عليه آلاف ملأوا الدنيا.. بعضهم شغل ويشغل أرفع المناصب والمواقع ما بين كرسي الوزارة ورئاستها ورئاسة البرلمان.. ومع ذلك لم تغره شهرته ولا دائرة تلاميذه الواسعة بالخروج عن عزوفه الشديد عن أي رغبة في التصدر أو عرض النفس !!..
ظاهرة طبيب الملايين !
في كتابه »‬ معالم التقريب » بين المذاهب الإسلامية ؛ يوضح أن التصدي للدعوات كثيرًا ما يكون مقرونًا من الناس بوهم كل واحد منهم أنه هو طبيب الملايين !! بل طبيبهم الوحيد !! وأن مرضاه وهم ملايين البشر لا يمكن أن ينتظروا منه أكثر من أفكار أو نصائح أو وصفات مقولة أو مكتوبة ليس عليه منها تبعة ولا عهدة صدقت أم لم تصدق اتبعت أم لم تتبع.. وكل منا قد مر في الغالب بمثل هذا الموقف وحاول مرة أو مرات أن يقوم بدور طبيب الملايين علي هذا النحو وهو يظن أن ملايين العالم يترقبون العلاج والإصلاح علي يديه !!
ووراء هذه النزعة، رغبة غريزية في التصدر والقيادة والأهمية، مقرونة بقدر كثير أو قليل من الحرص الغريزي علي إشباع رغباتنا الذاتية بأقل ما يمكن من الجهد والمشقة والخاطر، وبأكثر ما يمكن من الأمن والدعة والعافية !!
الإحساس الكاذب !
ومهما يكن من أمر هذه النزعة، فإن اعتيادها فيما يقول أستاذنا الجليل محمد عبد الله محمد يحيي لدي كثير من الناس إحساسا كاذبا بالعلم والخبرة والجدارة والتفوق ؟!! ويخلق لديهم شعورا طفوليا صبيانيا بأن تغيير أوضاع الحياة وتحويلها وتشكيلها سهل ويسير.. وكثيرا ما يقترن هذا الإحساس الكاذب والشعور الطفولي بجرأة بلهاء علي مناهضة نواميس الكون وتحويلها، وضعف التبصر بالنسب بين الأشياء والفروق وبقيمة الزمن والشعور بمعني الواقع وصلابته وصلة الواقع بالممكن، فتنحجب عنا دون أن ندري الهوة التي تفصل بين الممكن وبين الوهم والخيال الهاذي.. ولو فهمنا هذا لأدركنا أن طريق الدعوات الأعظم، هو الإنسان نفسه لا فيما يقوله أو يدعيه أو يتشدق به، إنما في حياته نفسها وسلوكه ومواقفه وتصرفاته وأفعاله وردود أفعاله.. باطنه وظاهره.. غيابه وحضوره.. جده وهزله.. فخطاب الناس بالمواقف والتصرفات والأفعال أقوي أثرا وتأثيرا من الدعاوي القولية والخطب الرنانة والانفعالات الحماسية !!
علي أن الناس تهرب كثيرا من المواقف والتصرفات والأفعال الجادة المجدية إلي الكلام والتشدق، لأن الكلام سهل بينما تحتاج الأفعال إلي مزيد من الجهد والمشقة وشجاعة القلب وقوة التمسك والثبات في وجه الصعاب والمخاطر، ولأنه لا يتحقق لأصحاب السكينة والوقار والعفة ما يتحقق في يسر وسهولة للمتشدقين بالكلمات من إسراع إلي الزعامة والتصدر والقيادة والركوب علي رقاب الناس !!
فكرة المكانة !
ذلك أن فكرة »‬ المكانة » مطلب لدي الناس قديم، ويكاد يكون في زمننا مطلب الجميع.. يقتتل عليه الكل، ويرهقون أنفسهم وأهلهم وذويهم وأشياعهم من أجله.. يتشدقون بالمساواة، ولكنها عندهم مجرد كلمة تقال سرعان ما ينفلت ملقيها منها ومن تبعاتها ويسعي بالوعي وباللاوعي للتصدر وطلب الرفعة والمكانة وعلو القدر والمنزلة وامتلاك الحكمة والفوز بالزعامة والاستئثار بالقيادة.. فهو أعلم الناس وأفقه الناس وأذكي الناس وأخلص الناس وأبعدهم بصرا وبصيرة وأكثرهم قدرة علي سياسة الناس وقيادة الكتل والجموع !!!
هؤلاء الناس يتشدقون بالمساواة، ولكنهم في هلع من التشابه والتماثل فيما يؤثر بالنقص علي »‬ المكانة » العليا التي ينشدونها.. وهم لذلك في صراع لا يني ولا يهدأ للطفو فوق بحر العاديين غير المعروفين من الناس ؟! كل منهم يسعي حثيثا للفرار من اللا اسمي وحفر اسمه علي جدار الزمن، وأن يقرئ الدنيا اسمه في كل عمل يعمله.. حتي في التفاهات والحماقات !! لا تكف الأيدي ولا تني ولا تشبع من الكتابة ومحاولة الكتابة علي سبورة الدنيا التي لا يثبت عليها في الواقع خط واحد !!
التوحد مع الكل
إن المسلم السوي لا يفتنه شيء من هذا كله، ولا يهمه أن يكتب اسمه علي شيء أو حتي أن يعرف الناس وجوده أو أن يمنحه الناس صيتا أو مجدا، لأنه موقن أن الناس ينسون ويموتون، وأن الله تعالي وحده حيّ لا يموت.. وأن ما عنده سبحانه باق ومحفوظ لا ينسي ولايضيع.. مهما جحده أو نسيه الناس !!
المسلم السوي يتوحد مع الكل.. يعي أن نفحة الله تعالي فيه هي للكل ومن أجل الكل، لا تهمه صدارة ولا قيادة ولا وجاهة ولا أبهة.. يدرك أن الصورة الإسلامية الحقيقية إنما توجد مع وجود المعني الجامع وهو الله عز وجل، وبالولاء المطلق لله عز وجل، وفيه وبه لا تنشد النفس سوي رضائه سبحانه الذي تتضاءل وتتلاشي أمامه مغريات المكانة والتصدر والوجاهة !!
المسلم السوي يفهم أن »‬ المكانة » لا تأتي بالضرورة لمن يطلبها ويجد في طلبها، وأنها قد تأتي ساعية بنفسها إلي من لا يطلبها بل ويبالغ في العزوف عنها والزهد فيها.. والزهد في »‬ المكانة » والعزوف عنها يحتاج إلي مجاهدة لأنه مضاد لطبيعة الآدمي.. وهذه المجاهدة أيسر بحكم الطبيعة والدور لدي الحكماء والمفكرين والعلماء. منها لدي المنشغلين بلجج الحياة أو المشاركين في إدارة شئون الناس.. فتنافس هؤلاء قد يجرفهم رغبة عارمة في التصدر والقيادة، بدعوي أن كلا منهم أحكم الناس وأخلص الناس وأقدر الناس.. لذلك يندر بين هؤلاء من تتواري ذاته في سبيل الكل.. ومع ذلك فلم ينعدم وجود أمثال هؤلاء ( النادرين ) في القديم والحديث.. منهم الصحابي الجليل.. أمين الأمة.. وأحد العشرة المبشرين بالجنة.. أبو عبيدة عامر بن الجراح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.