يبدو أن الفساد توحش لدرجة تجعل من الصعب اقتلاعه من جذوره. أقول صعباً لكنه غير مستحيل. تصريحات وزير التعليم عن الضجة المثارة حول تسريب امتحانات الصف الأول الثانوي تكشف أن الوزارة لم تتمكن بعد من قهر »شاومينج» مسرب الامتحانات ولا من ردع عصابات المصالح الخاصة المتربحة من العملية التعليمية. ليس هذا هو المهم في تصريحات الوزير ، لكن ما يلفت النظر فيها هو رنة الكبر وفقدان الأعصاب. وبدلاً من الإعلان بشجاعة عن مواصلة الحرب علي الفساد والتحقيق في واقعة التسريب ومساءلة مرتكبيها ، وجدناه وهو يعترف بها يقلل من شأن الواقعة ويصرح بأن الوزارة لن تتعامل بالطريقة العسكرية ! ويرد علي غضب الأهالي بحجة ان الامتحان تجريبي وان نتائجه لن تؤخذ في الاعتبار! وبذلك اعطت تصريحات الوزير شرعية للتسريب ، فاستمر حتي بعد الكشف عنه ، وضاع الهدف من التجربة وهدمت من أساسها. ولم أفهم تماماً الغرض من تسريب امتحان تجريبي بنظام الكتاب المفتوح أُعلن ان درجاته لن تحتسب في المجموع ، إلا بعد أن كشف الزميل سيد جاد في الجمهورية عن قيام أعضاء مافيا الدروس الخصوصية بتوزيع نماذج الامتحان المسرب في صورة ملازم للتربح من تلاميذهم الذين يتلقون دروساً خصوصية معهم ، وأنهم قاموا بهذا الفعل الفاضح بالتواطؤ مع بعض مديري الإدارات التعليمية ومديري المدارس الذين طبعوا نماذج الامتحان علي نفقتهم الخاصة بإجاباتها النموذجية. بصرف النظر عن التبريرات غير المنطقية وراء عدم الأخذ بنتائج الامتحان واعتباره تجريبيا ، كشفت تلك الأسباب الواهية عن قصور التجربة الجديدة وعدم اكتمالها في الوقت الذي التزم به الوزير سلفاً ، ترتب علي ذلك ان أصبح إجراء امتحان التيرم الأول مجرد تسديد خانة وجرياً مكلفاً خلف الروتين ، ثم جاءت واقعة التسريب لتطيح بفلسفة التجربة فجعلتها هباء منثوراً. مع ذلك أعترف بأنني طالما تمنيت تطبيق نظام الكتاب المفتوح Open Book علي الامتحانات الدراسية حتي بدون تطوير منظومة التعليم ، بل ومن قبل أن يعلن الوزير طارق شوقي عن هدمها وبنائها من جديد. أمنيتي هذه نابعة من قناعة بجدوي هذه الطريقة التي اعتمدتها غالبية الدول الخارجية في أنظمة الامتحانات الدراسية سواء في التعليم الجامعي أو ما قبل الجامعي. وهي طريقة مبنية علي أنظمة تعليمية تعتمد علي الفهم لا الحفظ ، وعلي تدريب الطلاب علي البحث والقراءة واستخراج المعلومات. ومع أن المعلومة متاحة في امتحان الكتاب المفتوح إلا أن الوصول اليها لن يتحقق سوي مع الطالب الفاهم الذي ذاكر وعرف تقسيم الكتاب المدرسي وتوزيع المادة علي أبوابه ولم يعتمد علي الملخصات أو ملازم الدروس الخصوصية. وفي حالتنا المصرية الفريدة له فائدة أخري هي إجبار الطالب علي استخدام الكتاب المدرسي الرسمي ويساهم في مكافحة ظاهرة الكتب الخارجية. لذلك كان تطبيق هذا النظام في العام الدراسي الحالي خبراً سعيداً تمنيت تطبيقه علي كل المراحل الدراسية وليس علي الصف الأول الثانوي فقط. امتحانات الكتاب المفتوح هي الغش الحلال التي تسمح بالاستعانة بالكتب الدراسية في الامتحان ونقل الإجابات منها دون تجريم. وفي النهاية تعكس النتيجة قدرة الطالب علي استخراج المعلومة ووضع الإجابة الصائبة. بعض الفاشلين ابتهجوا بنظام الامتحان الجديد وتصوروا خطأً انهم سيحققون نتائج نهائية ، وهم لا يدرون أن الوحيد القادر علي الوصول للإجابة الصحيحة هو من ذاكر وفهم. لذلك سعدت بردود أفعال بعض الأهالي وطلاب الصف الأول الثانوي (نظام جديد) هؤلاء الشرفاء الذين رفضوا الانسياق وراء موجة تسريب الامتحانات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي ، بل وهاجموا ناشري نماذج الامتحان قبل موعد إجرائها. هؤلاء الطلاب وأهاليهم هم المستنيرون الجادون الذين يرغبون في التعلم فعلا ويبذلون جهدا حقيقياً لتحصيل العلم والمعرفة ، ومن حقهم ان يحصلوا علي حقهم كاملا في تقييم مستواهم الدراسي بشكل شفاف. بل وكان من حقهم ان يحصلوا علي اهتمام وزير التعليم وأن يتلقوا منه تطمينا صادقاً علي شفافية ونجاعة طرق الوزارة في تقييم نتائج أبنائهم.