بلاشك أن الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم سعده، الذي رحل عن دنيانا في الأسبوع الماضي، هو من أصحاب البصمات المتفردة في تاريخ الصحافة المصرية والعربية، فهو واحد من أعمدتها الأساسية غير القابلة للانهيار أو التصدع، وأي تاريخ دقيق ومنصف وعادل لابد أن يتوقف طويلا عنده، وما أحدثه من تأثير غير محدود في المجتمع، فمقال منه كان كفيلا بإحداث تغييرات كبيرة، الأدهي من ذلك خياله الذي كان لا يكبحه أي شئ، هذا الخيال الذي جعلني ذات يوم، أقف لأقرأ مقالته كاملة عند بائع الصحف، وأتذكر الآن العنوان » إبراهيم شكري رئيسا لوزراء مصر» للحظة عندما صاغ العنوان بهذه الطريقة، اعتقدت أنني أمام خبر حقيقي، ولما قرأت المقال كان يطرح فكرة تولي أحد رموز المعارضة رئاسة الوزراء ، وموقف رموز »مبارك» من هذه الخطوة، وفي النهاية أشار إلي أن العنوان غير حقيقي، وهنا أتذكر مقالا آخر أبلغني به أحد الوزراء – بعد الطبعة الأولي من أخبار اليوم – أن إبراهيم سعده تقدم باستقالته في مقاله الشهير »آخر عمود» ، وذلك بعد أن أثير كلام كثير عن تغييرات صحفية مرتقبة، فسارع إبراهيم سعده إلي كتابة هذا المقال لينهي حالة الجدل، وبالفعل تتم التغييرات، ويغادر إبراهيم سعده موقعه كرئيس لمجلس الإدارة، لكنه لن يغادر أبدا موقعه في قلوب وعقول تلاميذه ومحبيه. لم يكن صاحب »آخر عمود » سوي عمود أساسي في صناعة الصحافة، فهو ليس فقط صحفياً يشار له بالبنان، وليس فقط صاحب مدرسة صحفية، بل هو كذلك »قائد» صناعة الصحافة الثقيلة، وليس أدل علي ذلك من سلسلة الإصدارات التي ظهرت في عهده وبتوقيعه، مما أحدث نقلة كبيرة في المسار الصحفي، إذ توالي ظهور إصدارات المؤسسة المتنوعة والمتخصصة في مختلف المجالات، وهنا أحدث بفكره ورؤيته نقلة كبيرة انعكست علي أجيال، كان من الصعب أن تحقق حلمها في الانضمام إلي مؤسسة أخبار اليوم، لولا التوسع في الإصدارات، الذي جاء بتصميم كبير منه، وهو ما عبر عنه في العدد الأول من أخبار النجوم الصادر في 10 أكتوبر 1992، حينما كتب »وعندما توليت رئاسة مجلس الإدارة – بعد سعيد سنبل – ظلت فكرة الإصدارات الجديدة تمثل الهم اليومي من وقتي وعقلي وقلبي» . وبعد أن صدرت »أخبار النجوم» كانت »أخبار الأدب» وبفارق زمني يقترب من الشهور التسعة، هي الإصدار الوليد لمؤسسة أخبار اليوم، ولعل قرار إبراهيم سعده بإصدار »الأدب» غير مصيري الشخصي، فعندما صدر التكليف من قبل إبراهيم سعده للأديب الراحل جمال الغيطاني برئاسة التحرير، اختارني ضمن فريق العمل، الذي خرج علي يديه العدد »التجريبي» من الجريدة، وأتذكر أنه كان من ضمن مواده حوار أجريته مع الراحل د. سيد البحراوي. وبعد سنوات أربع من العدد التجريبي وثلاث سنوات من العدد الأول لأخبار الأدب، يصدر إبراهيم سعده قرارا بتعييني بناء علي خطاب من الغيطاني، ليوقع علي قرار تعييني اثنان من رموز الصحافة والثقافة. والحقيقة أن إبراهيم سعده طوال فترة رئاسته لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، وضع قواعد محددة للتعامل مع » أخبار الأدب » أنه لا ينتظر منها ربحا، إنما أن تكون أداة فعالة في واقعنا الثقافي المصري والعربي والإنساني.. إن ما قدمه الراحل الكبير سواء لنا في هذه الجريدة أو لزملائنا في الإصدارات الأخري يستحق التوقف أمامه طويلا، لاسيما أننا ندين بفضل كبير لهذه القامة التي أثرت في مجري حياتنا، وكانت بمثابة النور الذي أضاء لنا الطريق، يرحمه الله رحمة واسعة.