هل يقتصر دور الجوائز فقط علي تحفيز المبدعين؟ أم يُمكن أن تمتد مهمة لجانها إلي تقييم المشهد الأدبي ككل؟ حتي لو اتسع حكمها ليُفرز أحكاما عامة لا ترتبط فقط بالأعمال المعروضة عليها؟ تحمل الإجابات المُحتملة عواصف مثيرة للخلاف، ليدور المؤيدون والمعارضون حول الشروط التي ينبغي أن تتوافر في أي لجنة كي يقوم أعضاؤها بذلك، فلابد أن تتحلي بالنزاهة والرؤية الشاملة والشفافية، وهي السمات نفسها التي يفتح فقدانها النار علي جوائز ما، ويجر عليها اتهامات تتراوح بين الاستسهال والتربيطات المُسبقة. وشخصيا أشعر أنني مقتنع بما فعلته لجنة تحكيم جائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية قبل أيام، حيث أعدت تقريرا تضمن ملاحظات بالغة الخطورة، لا عن الدواوين المتنافسة فقط، بل عن رؤيتها لشعر العامية ككل في السنوات الأخيرة، فأشارت إلي تراجعه، وانتقدت قيام دور النشر الخاصة بالترويج للأعمال الرديئة. وأري أن الملاحظة الأخيرة تفتح الباب لتساؤلات عن معايير الاختيار، وما إذا كانت تُعبر عن ذائقة مغايرة لدي الناشرين، أم أنهم يجعلون النشر متاحا فقط لمن يدفع نفقات طباعة كتابه أيا كان مستواه. غير أن أخطر ما أشارت إليه اللجنة من وجهة نظري، كان حديثها عن الغالبية العظمي من الجيل الذي مارس الكتابة في العقد الأخير، وتأكيدها علي انقطاعه عن الثقافة المصرية بمعناها العميق، ليبدو أنه منفصل عنها تماما! وهي رؤية تحتاج إلي نقاش. كنتُ أتمني أن أعرف مثلا إلي أي ثقافة تنتمي هذه الأعمال، خاصة مع تأكيد المُحكّمين أن السواد الأعظم من الإنتاج عبارة عن نواح وعويل علي الحياة والدنيا، وهو ما أراه اتجاها معتادا في الكتابة، لا يبرهن بالضرورة علي خطيئة الانفصال عن الثقافة، بقدر ما يوقع بأصحابه في فخ أخطاء فنية أولها المباشرة الفجة، فضلا عن أن مصطلح »الثقافة المصرية» فضفاض ويُمكن الاختلاف علي تفسيره. بدورها تحتاج ملاحظة اللجنة عن دواوين القائمة القصيرة إلي تعقيب، فقد رأت أنها تعكس صورا لعوالم مُشوّهة، وذوات تعاني اغترابا حادا، وتمارس نوعا من القسوة ضد نفسها وضد واقعها القبيح. لم أفهم تحديدا هل قدمت اللجنة هذه الملاحظة علي سبيل الرصد، أم باعتبارها سلبية تنضم إلي قائمة السلبيات السابقة، وأعتقد أن تلك العوالم المشوهة وما يترتب عليها تُعد سمة كتابة ووجهة نظر تجاه الواقع، لا يُعتبر اتفاق المتسابقين عليها أمرا سلبيا من الناحية الإبداعية. ربما يبدو مؤشرا خطيرا من الناحية الاجتماعية والنفسية، لكن حين يتعلق الأمر بالكتابة فإن القيمة فقط تظل هي المحور الرئيسي، بالإضافة إلي القدرة علي التعبير عن هذا الرفض بطبيعة الحال. تطرح الملاحظات إشكاليات لا ينبغي الاستهانة بها، والأمر يتطلب تحليلا مماثلا لكافة أشكال الأدب، لا في مصر وحدها بل في أنحاء الوطن العربي، لرصد ظواهر سلبية ساهمت في التأثير علي قدر لا بأس به من الإبداع، كما أسهمت مع عوامل أخري في تراجع مستويات التلقي. بالتأكيد ستظل أية نتائج محل خلاف، كما أنها ستبقي مجرد مؤشرات لا أحكاما قاطعة، لكنها بالتأكيد كفيلة بإلقاء عدة أحجار في مياه أصبحت تعاني من الركود.