22 أكتوبر يوم بيني وبينه هوي، ففي فجره ولدت عام 1965، وها هي عادتي أن أحمل لهذا اليوم خصوصية تعنيني. عشتُ فجر طفولتي في عصر ناصر، وشاركتُ في جنازته عندما حملتني جدتي لأمي علي كتفيها، وسرنا في جنازة رمزية تخترق شوارع شربين إلي مقابرها، ودموع الناس تنساب علي حالهم وحلمهم الضائع. أتذكر أيضا الصخب الذي صاحب مجزرة أطفال مدرسة بحر البقر فقد كنت في مثل أعمارهم، وأتذكر أيضا رجال الدفاع المدني أثناء حرب أكتوبر 73، وهم يصيحون مطالبين ليلا بإطفاء الأنوار. وأتذكر أيضا يوم اشتريت مجلة سمير أيام إعادة افتتاح قناة السويس ومعها بوستر للرئيس الراحل أنور السادات، ما زلت أحتفظ به حتي الآن . وأتذكر ... وأتذكر ... وعندما كبرتُ لا أنسي عبارة الروائي الكولومبي جارسيا ماركيز: »الجميع يريد العيش في قمة الجبل ، غير مدركين أن سر السعادة في تسلقه». وما زلت أتسلقه حتي الآن .. مسيرة حياتية طويلة ومضنية، تعقدت خلالها الحياة بشكل مثير، ولم تعد بسيطة وعضوية هادئة، بل علي العكس تماما تحولت كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة إلي عقد متشابكة ومتداخلة، لتصبح – أي حياة – مغامرة محفوفة بالمخاطر والآلام. غير أن البعض حوّل حياته إلي مجرد جسر عبور لمحطة نهائية ينتظرها، تتوقف عندها كل الأحلام والأماني والطموحات. تتحطم عليها كل الأفكار والرؤي والقناعات، لأنها نهاية الطريق الذي يجب أن يسلكه كل البشر. سرقت حياتنا الطبيعية التي تشبهنا، تلك الحياة الجميلة الوادعة الهانئة التي رسمتها أحلامنا وتطلعاتنا ورغباتنا ومغامراتنا وحماقاتنا، وهي الألوان الطبيعية التي شكلت ملامحنا وأرواحنا . في غفلة ما، تحولت كل تفاصيل حياتنا إلي مشاريع مؤجلة. لقد تأجلت أفراحنا ومواعيدنا وضحكاتنا وأغنياتنا البريئة، ودُسّت في صناديق سوداء لها أقفال غليظة من الجهل والتخلف والتزمت في غير موضعه. نسأل دائما عما تبقي من أيام حتي ينتهي الشهر، وعما تبقي من شهور حتي ينقضي العام! لماذا يمر قطار عمرنا سريعا وقلقا وخائفا؟ لأن هدفه الوحيد هو الوصول للمحطة الأخيرة! هروبا من حياة تخلو من الأمل وصناعه، ما أجمل أن نشعر بالسعادة في انتظار الموعد قبل أن يحين، وما أجمل أن نستمتع برحلة القطار أكثر من متعة الوصول للمحطة، وما أجمل أن نعيش الحياة الآن برغم كل الصعاب والمحبطات، لانها رحلة ممتعة تستحق المغامرة . حقا إن سر السعادة في تسلق الجبال وليس فقط الوصول لقمته. محمد حلمي السلاب رئيس نادي أدب شربين