ضيوف المؤتمر هل تتسم الموسيقي بالعالمية أم أنها فن خاص يعبِّر عن هوية المنطقة التي تنتجه؟ علي أنغام »الراي» وآلات العزف الوترية والإيقاعية والهوائية، كان هذا السؤال هو المرتكز الذي انبثقت منه مناقشات الباحثين المشاركين في مؤتمر الموسيقي العربية السابع والعشرين، الذي استضافه المسرح الصغير بدار الأوبرا، موازيًا لفعاليات المهرجان الذي أحياه كوكبة من أهل الطرب في مصر والعالم العربي. شارك في المؤتمر 42 باحثًا وخبيرًا موسيقيًا من 16 دوله عربية وأجنبية، هم: د.عامر الديدي، د.سليم الزغبي، د.ناصر الطائي، د.سورين سورنسون، د.محمد المصمودي، د.نبيل الدراس، د.نجيب شيشون، د.عبد الحميد حمام، د.يوسف طنوس، د.إدوار طوريكيان، د.منال العفيفي محمود، د.نجاة الزيد، د.حنان أبو المجد، د.عدنان خلف ساهي، د.عبد المنعم بن حامد، د.محمد علاء محمد فتحي، د.فيصل العربيد، د.بديع الحاج، د.فراس الطرابلسي، د.حبيب ظاهر العباس، د.محمد شبانة، د.محمد واصف، د.معتصم عديلة، د.مسعودة القرش، د.الفتاح حسين أحمد، د.كفاح فاخوري، د.جورج أسعد جبرائيل، د.زينب العربي، د.عاطف إمام، د.زين نصار، د.عائشة القلالي، د.هيثم شعوبي، د.أشرف عبد الرحمن، د.عماد أبو غازي، د.رشا طموم، سلوي الشاودري، أحمد عبدالله دعوب، عبد العزيز عبد الجليل، محمد جمال، أحمد بن محمد الواصل، هبة ترجمان، وجيهان مرسي. تناول المتحدثون علي مدار أربعة أيام، منذ الجلسة الأولي، قضايا الموسيقي العربية المختلفة والإشكاليات المحيطة بها، وجاء علي رأسها الافتقار إلي التوثيق والتدوين العلمي لأعمال الموسيقيين العرب للموسيقي العالمية، فأوضح د.سليم الزغبي أن هناك موسيقيين فلسطينيين عرب كتبوا أكثر من عشرين سيمفونية لا يوجد توثيق إلا لثلاث منها بشكل محدود، رغم أن ذلك واجب علمي وعربي وقومي للأجيال القادمة والعالم. وقدّم الزغبي اقتراحا بإنشاء »مكتبة مركبة»، جزء منها رقمي يعني بالمؤلفات والأعمال الموسيقية العربية بحيث يكون بيئة أكاديمية وفنية توفر للباحثين الفرصة للتوصل إلي معلومات عن التراث العربي المعاصر، وتوفير آلية بحث إلكترونية تساعد في البحث عن أي قطعة أو معلومات، إلي جانب إطار تواصل علمي وتعليمي يوفر إمكانية التواصل إلكترونيا ورقميا بين الموسيقيين والأكاديميين العرب، لتبادل الخبرات والأفكار والإنتاجات الفنية عربيًا وعالميًا. يبدو المقترح جيدًا ويضع خطوات جادة لحفظ التراث الموسيقي، لكنه ليس الأول من نوعه، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، حسبما يذكر أحمد عبدالله دعوب من ليبيا، انتشرت في بعض الدول الأوروبية العديد من المحاولات لفعل ذلك، ومنها من أنشأت مراكز متقدمة بأبحاث الموسيقي وفتح آفاق التعاون مع الأكاديميات العلمية والمعاهد الموسيقية، وقد تبعت ذلك البلدان العربية، من خلال المركز القومي لبحوث ودراسات الموسيقي العربية، الذي يعد خطوة يمكن البناء عليها لتصبح هناك مرجعية لتداول التراث الفني والتعريف به وبأهميته الفنية والتاريخية عبر الأجيال. لكن الأمر لم يكتمل نتيجة عدد من المعوقات والتحديات الموجودة في عالمنا العربي، والتي يضع الأب د.بديع الحاج يده عليها ويلخصها في: معارضة ومقاومة وتمنُّع أصحاب المخزون الموسيقي من إعطائه لأسباب عدة منها المال والتمسك بإرث عزيز عليهم أو خلاف عائلي علي الإرث وكيفية التعامل معه، بيع الإرث الموسيقي وتشتيته لدوافع مادية، مكان الحفظ غير ملائم من حيث الحرارة أو الرطوبة أو التعرض لأشعة الشمس، تلف الشريط لانتهاء عمره، تعرض الأسطوانات الدائرية للتجريح والخدوش والكسر، وعدم اهتمام الهيئات الرسمية في الدول العربية بهذا الإرث الثقافي والحضاري والإنساني. بينما تناول د.محمد واصف من الأردن، وسائل النشر الحديثة التي يمكن استغلالها إلكترونيًا، مثل »اليوتيوب» و»الفيس بوك» و»الواتس آب» موصيًا بالاستماع إلي الموروث الغنائي العربي ونشره وتوثيقه من خلالها، وتشجيع الطلبة علي ذلك. وأوصت بذلك أيضا هبة ترجمان من سوريا، في بحثها حول النقد الموسيقي من خلال النشر الإلكتروني، مضيفة أنه لابد من إنشاء صفحات خاصة بالنقد الموسيقي بشكل جديد وطريقة عمل تستقطب القراء والجمهور، وتوجيه النقاد من المتخصصين لوضع عدد من الدراسات حول أثر السياسة علي النقد الفني في الإعلام العادي والشبكة العنكبوتية، حيث يعد غياب التجديد في عروض النقد مع التطور الذي يشهده النشر الإلكتروني والإعلام بشكل عام من الأسباب المهمة في تدهور الحالة الفنية والموسيقية التي نعانيها حاليًا وسببًا في تذبذب ذائقة الأذن العربية في استيعاب روح الموسيقي. أما سؤال العالمية والهوية، فلم يجد إجابة قاطعة بالنفي أو التأكيد، لكن د.فراس الطرابلسي من تونس، توصل إلي أن بلداننا العربية تنقصها حلقات كثيرة حتي يمكن لها أن تستقطب مبدعيها، تتعلق كلها بالجانب الفكري وموقع الثقافة داخل المنظومة السياسية والاجتماعية، فلا يمكن أن ينتعش الإبداع الموسيقي داخل مجتمعات مازالت تناقش مسألة تحليل وتحريم الموسيقي، ولا يمكن أن يكون الموسيقار عالميًا إلا إذا كانت الدولة التي ينتمي لها تحترم مبدعيها وتسعي لدعمهم وتضع استراتيجية لنشر الثقافة المحلية بحيث تجعل الآخر يسعي للتبادل الثقافي. هذا ما استقرت عليه الآراء – أيضا – في المائدة المستديرة التي استضافها المجلس الأعلي للثقافة حول »مصطلح الموسيقي العربية»، ذلك المصطلح الذي أصبح فضفاضًا وواسعًا ويفتقر إلي التأطير والتحديد، ولم يعد يثير في أذهان الباحثين والدارسين والمشتغلين بالموسيقي تصور معين، كما أصبحت الموسيقي العربية نفسها متأرجحة بين التنظير الموسيقي والفعل الموسيقي، فالمنظرين الموسيقيين يكتبون عن أبعاد موسيقية لا نكاد نشهد أثرها في الواقع وفي الأعمال التي نستمع إليها، وهو شقاق لابد من تجاوزه. ودعا المشاركون لإنشاء معجم للمصطلحات الموسيقية في البلاد العربية، تكون بمثابة قاعدة تمنع سوء الفهم بين المعنيين بالموسيقي، حيث تختص كل بلد بمسميات مختلفة عن غيرها مما يستوجب توضيحها في قاموس مشترك. وتحدث البعض عما يسمي الموسيقي العربية الفصحي التي يمكن تعميمها علي جميع البلدان العربية. في الختام؛ أعلنت اللجنة العلمية للمؤتمر برئاسة د.رشا طموم والفنانة جيهان مرسي مدير المؤتمر والمهرجان التوصيات التي استقر المشاركون علي إقرارها، وتركَّزت في: دعوة الأكاديميات والمعاهد الموسيقية في الوطن العربي إلي التوسع في الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة في تعليم الموسيقي العربية مع المحافظة علي جمالياتها وهويتها، استحداث آليات تتيح تبادل الأبحاث والرسائل العلمية بين المؤسسات العلمية في العالم العربي وإنشاء المكتبة الرقمية الموسيقية، تشجيع المحاولات الإبداعية الجادة وإتاحتها للدارسين في المعاهد الموسيقية العربية، دعوة المؤسسات الفنية والثقافية العربية للاهتمام بتنظيم حفلات للتجارب الإبداعية العربية الجديدة، الدعوة لإنشاء أرشيفات ومتاحف للموسيقي العربية في أطر محلية وقومية وكذلك إنشاء قواعد بيانات الكترونية، دعوة المختصين لصياغة قوانين وآليات تسمح بإتاحة المواد الموسيقية للمستخدمين والمهتمين وفق قواعد تحفظ هذه المواد وتضمن حقوق الملكية لمبدعيها وبما يضمن دخلاً مادياً يفيد في تطوير واستمرار هذه المؤسسات، دعوة المؤسسات الصحفية ودور النشر القومية في الوطن العربي إلي إتاحة المجال للنقد الموسيقي المتخصص والمواكب لحركة الإبداع وإنشاء مجلة للنقد الموسيقي لكل ما يقدم في الحياة الموسيقية في الوطن العربي وتشجيع النقاد الشباب بإفراد جائزة للنقد الموسيقي الجاد والعلمي والاهتمام بترجمة المقالات النقدية الهامة وإتاحتها علي صعيد دولي واستحداث هيئة تختص بطبع ونشر المدونات الموسيقية ونشر كتابات الطلاب المتخصصين في النقد الموسيقي بالمؤسسات التعليمية من خلال مجلة إلكترونية.