عندما زارنا في » أخبار الأدب» وزير الثقافة الفلسطيني الشاعر إيهاب بسيسو، دار نقاش عميق حول جوانب متعددة للقضية الفلسطينية، ومنها هل مازال الشباب الآن لديه الوعي العميق بأبعاد هذه القضية، كما كان لدي الأجيال السابقة. تباينت الآراء، لكن علي أرض الواقع جاءت الإجابة سريعة، عندما أهدتني زميلتي الباحثة انتصار محمد كتابها » القضية الفلسطينية ودول المواجهة العربية 1963 1973»، وهو في الأصل رسالتها التي نالت عنها درجة الماجستير بامتياز، وقضت سنوات من عمرها من أجل التنقيب عن أبعاد هامة في هذه القضية المحورية ليس فقط للشعوب العربية، بل لكل ذي ضمير إنساني في العالم. من جانبها حددت انتصار هدفين أساسيين، دار حولهما بحثها، وقد تمكنت ببراعة من جمع الأوراق والوثائق التي مهدت لها الطريق إزاء ما طرحته تحليلا لمسيرة الصراع العربي الإسرائيلي وهما: الإحياء الفلسطيني، والمياه العربية، وحددت بداية الدراسة بعام 1963 معللة ذلك بأن هذه ( الفترة مليئة بالأحداث التاريخية، فهي تبدأ بعام 1963، وهو العام الذي شهد الخطوات الأولي من إحدي دول المواجهة »مصر»، لمجابهة الأخطار الإسرائيلية التي هدفت من خلالها إلي الاستيلاء علي مياه نهر الأردن وروافده، وتستمر بظهور الحكومة الفلسطينية »منظمة التحرير» 1964»، وتكمل مع حرب 1967، وتنتهي عند عام 1973). وما تقصده الباحثة ب »الإحياء الفلسطيني» هو فضح الممارسات الإسرائيلية التي تسعي إلي تهجير الفلسطينيين عن أراضيهم، وبالتالي القضاء علي الهوية العربية الفلسطينية، وتصدير هذا الصراع للعالم، كما لو كان قضية لاجئين». ما أعجبني أن الباحثة في سعيها لتقديم جهد علمي رصين يرتكز علي أسس واقعية، لم تقيد نفسها بالمعيار الزمني الذي وضعته » 19631973» بل عادت إلي 1948، لتتحدث باستفاضة عن جذور الأطماع الصهيونية في مياه نهر الأردن، ثم حرب فلسطين 48، وأثر ذلك علي دول المواجهة وهي: مصر، سوريا، الأردن، ولبنان، كما استعرضت بحرفية عالية وإلمام بدقائق التاريخ، الأوضاع السياسية لدول المواجهة قبل 1964، وتوقفت طويلا عند تاريخ العرب وانقساماتهم التي أثرت دائما علي قوتهم، ورصدت الأجواء التي دعت مصر إلي إقامة أول مؤتمر للقمة العربية تشهده القاهرة في الفترة من 13 17 يناير 1964، وما أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر بوعي واستشراف لما يدبر للأمة العربية: » لابد أن يجتمع العرب جميعا بغض النظر عن المنازعات والمشاحنات السائدة بينهم، فمن أجل فلسطين يجب علينا أن نرتفع عما بيننا من خلافات ومشاحنات ويجب علينا أن نجلس جميعا ونتحدث بكل جدية في الاجتماع، وبرغم هذا فإن معركة فلسطين ستستمر ومعركة الأردن جزء من معركة فلسطين». وبالفعل تستمر معركة فلسطين، ويكون هذا الكتاب واحداً من أسلحتنا في هذه المعركة، إذ إنه من وجهة نظري من أهم الكتب التي صدرت عن هذه القضية في السنوات الماضية، وهو ما دفع الصديق الكبير الدكتور خلف الميري الذي قدم هذا الكتاب إلي أن يبين لماذا تحمس لكتابة هذه المقدمة، فيقول : » يتجلي ذلك في ضرورة تشجيع البحوث والدراسات والمؤلفات التي تتصل بهذه القضية، لكي تظل حية حيوية ماثلة في الأذهان العربية، وتساهم في إيقاظ الضمير العالمي، خاصة لدي من لا يدركون حقوق الفلسطينيين السليبة، ويصبح هذا التشجيع حتميا إذا كان هذا العمل إضافة علمية» . تهنئة للمكتبة العربية علي هذا الكتاب الهام والجدير بالاطلاع.