بدعوة كريمة من د. رجاء أحمد علي وكيل كلية آداب القاهرة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة، عدت مرة اخري إلي مدرج 78، وهو واحد من المعالم الرئيسية لكلية الآداب، كل الذين تخرجوا في أقسامها المختلفة مروا من هنا، هو مدرج يشهد علي أحداث كثيرة ومواقف أكثر، دارت بين الطلاب وأساتذتهم. بمجرد أن دخلت لهذا المدرج، عاد بي الزمن سنوات طوالا للوراء، وتحديدا لعام 1986، عندما كنت طالبا بالفرقة الأولي بآداب القاهرة، وخصص لنا هذا المدرج لمحاضرات الراحل الكبير الدكتور سيد البحراوي، الذي كان يدرس مادة العروض، ولم يكن من الأساتذة الذين يحددون كتابا بعينه، بل منذ المحاضرة الأولي أملي علينا مجموعة من الكتب التي ممكن أن نستفيد منها في هذه المادة، ومن ضمنها كتابه »في البحث عن لؤلؤة المستحيل.. دراسة لقصيدة أمل دنقل مقابلة خاصة مع ابن نوح»، وأثناء سير المحاضرات، طلب د. سيد أن يتحدث عن هذا الكتاب أحد الطلاب، يحلل ما ورد فيه اتفاقا واختلافا، ويعطي لزملائه المحاضرة بدلا منه، ووقع الاختيار علي، ولم أكن أتصور أن يقوم د.سيد من مكانه وأجلس في كرسي »الأستاذ» وينتقل هو ليجلس في المدرج وسط الطلبة، وعينه لا تفارق ما أقوله، وحينما أحس بارتباك ما كان يشير إلي بالاستمرار ويومئ برأسه، مرت ساعة تقريبا، وأنا أتحدث عن الكتاب وبدأ بعد ذلك سيل الأسئلة من زملائي، أجبت عن البعض وطلبت منه المعاونة في البعض الآخر، وانتهت المحاضرة ولكن ذكراها لم تنته. ورغم مرور هذه السنوات، والموضوع مختلف، إلا أنني بمجرد أن بدأت أتحدث للطلبة، ذكرت الواقعة السابقة، لأدلل علي قيمة الأستاذ الواعي والفاهم لأصول مهنته، ولمعني الأستاذية، وأن ما تقوم به الكلية في هذه اللحظة هو سلوك ممتد، لتمكين طلابها من المعرفة، فقد كانت الندوة التي شاركت فيها عن حرب أكتوبر، إذ تحدثت عن ملامح الوطن الداخلية في هذه الحرب، بمعني أنني قدمت تاريخا شعبيا موازيا للتاريخ الرسمي، اعتمادا علي كتابي، الذي كان لازال خارجا من المطبعة منذ ساعات، عن سلسلة إصدارات خاصة بهيئة قصور الثقافة، وهو بعنوان »ملحمة الدم والحبر».. »الأخبار» دفتر أحوال المصريين في أكتوبر 1973، وبالفعل نقلت للموجودين في هذا المدرج هذه الأحوال علي كافة المستويات الاجتماعية والثقافية، وكذلك ما كان يدور في ساحة المعركة، اعتمادا علي ما سجلته أقلام لها شأن كبير في عالم الصحافة والثقافة، وكان لما ذكرته صد طيب بين الطلبة. السعادة – أيضا – كان لوجود د. نجلاء رأفت المتخصصة في الدراسات العبرية، التي أثرت الندوة برصدها المتميز لحال الإسرائيليين في الحرب، والشقاق الذي نشب بين المواطنين وقيادتهم التي خدعتهم، وتمكنت من إلقاء الضوء علي الاهتزاز النفسي الذي انتاب الشخصية الإسرائيلية، وما عبر عنه الأدب عن هذه الحرب، وقد أسهم د. محمد أحمد صالح مدير الندوة في التركيز علي ما ب »التاريخ الشعبي»، كما أثرت مداخلة د. محمد عفيفي الندوة بشكل كبير، عندما تحدث عن مظاهر استمرارية الحياة اليومية للمصريين في أكتوبر 1973. مرة أخري الشكر للدكتورة رجاء أحمد علي، لدعوتها الكريمة.