عبد القادر ياسين أقامت دار نشر الثقافة الجديدة احتفالية بمناسبة مرور خمسين عامًا علي تأسيسها، في البداية ألقي الكتاب والروائي صُنع اللّه إبراهيم كلمته الافتتاحية حيث قال بأنه لم يكن يتصور أن يحضر هذه المناسبة في مثل هذا العمر، فهذا المكان كان شاهدًا علي بدايته المهنية ككاتب عام 1966 عندما قدم للأستاذ محمد يوسف الجندي أول أعماله ليقوم بطباعتها، فالمشكلة التي كانت تواجههم لم تكن في طباعة الورق ولكنها كانت في أنهم لم تكن لديهم خبرة في عملية النشر، حينها قام بالاهتمام بعملية الاخراج فذهب للرسام مصطفي حسين لكي يأخذ منهُ غُلافًا. في هذه السنة لم تكن هناك رقابة علي أعمال النشر لكن الرقابة حينها كانت بعد عملية الطبع، عن طريق إرسال الكتب للداخلية فإما أن توافق علي نشرهِ أو ترفضه، حينها قرر أن يسرق مائة نسخة من الكتاب ليقوم بتوزيعها علي الجرائد، في اليوم التالي بدأت التعليقات حول الكتاب تظهر من جانب أخبار اليوم وروزاليوسف، وأضاف بأن هذه كانت هي الحياة اليومية لدار الثقافة الجديدة، ومازالت تخوض المعارك حتي اليوم، فهذا الموقف قد تكرر مرة أخري بعد 20 عامًا عندما عرض عليه محمد الجندي أن يتولي عملية النشر في الثقافة الجديدة، وعندما تولي مسؤولية النشر بدأ بعمل مشروع يسمي برواية الثقافة الجديدة الذي تميز بقطع مختلف وجديد للورق حيث أن أزمة صناعة النشر الورقي الاقتصادية كانت مثل الأزمة الموجودة اليوم، في ذلك الوقت أصبح هناك رقيب قبل عملية الطبع فكانوا يناقشوا هذا الرقيب فيما يراه صالح للنشر وما يراه غير صالح للنشر، واستمر التضييق علي دار الثقافة الجديدة لكن الوضع قد اختلف عن ما كان في الماضي، واختلف الوضع فتوفي الأستاذ محمد الجندي في عام 2008، حينها طلبوا منهُ أن يتولي الدار، وأشار صُنع اللّه إبراهيم أنه علي مدار الوقت كانت هناك مشاكل بينهم وبين الأمن، حتي أن محمد الجندي قد اعتقل لعدة مرات، والعاملون في الثقافة الجديدة نالوا أيضًا نصيبًا من هذهِ الاعتقالات، فكانت هناك عمليات تجنيد داخل الدار من جانب الأمن، وفي عهد مبارك ظل الصراع مع الأمن موجودًا فقد قام الكاتب الصحفي عبد الرحيم قنديل بكتابة كتاب "الأيام الأخيرة" الذي صدر عن الدار، حينها أرسل الأمن لهم جوابًا لوقف نشر هذا الكتاب وطالبهم بإرسال تسعة كتب مجانية؛ رفضوا أن يتوقفوا عن نشر الكتاب وأرسلوا النسخ للأمن كما طلب، عندها قاموا بتحميل نسخ هذا الكتاب علي سيارة وأخفوها ووزعوها علي مدار فترات متباعدة. أضاف أن الدار في الوقت الحاضر تواجه عدة مشاكل مثل المشكلة المالية، وهناك مشكلة التوزيع حيث تناقص عدد القراء المهتمين بالكتابة في الوقت الحاضر، من ناحية أخري هناك التطور الرقمي فهم يحاولون أن يتوصلوا لحل لهذه المشاكل، وتطرق بحديثهُ حول النشر في الوقت الحاضر ومشاكلهِ فأوضح أنهم كانوا ملتزمين بمبدأ أن الكاتب لا يدفع شيئًا نظير نشر أعماله ولكنهم تنازلوا مؤخرًا عن هذا المبدأ وأصبح الكاتب يساهم ببعض المال لنشر أعماله. في نهاية كلمته قال صُنع اللّه بأن الخطأ الذي وقعت فيه الدار هو عدم اهتمامهم بأدب الأطفال والشئ الأخر هو عدم نشرهم لأعمال مترجمة في الوقت الحاضر. من جانبه قال الكاتب محمود الورداني إن دار الثقافة الجديدة انتصرت منذ اللحظة الأولي للعقل والحرية والعدل دون أن تخفي توجهها اليساري في يومٍ من الأيام، فبالرغم من أن محمد الجندي كان كثيرًا ما يدخل السجن إلا أن الدار ظلت مستمرة، وأضاف بأن دار الثقافة الجديدة لم يكن دورها مقتصرًا علي إصدار الكتب فقط، فهذه الدار أثرت في التكوين الفكري لجيل الستينيات بأكمله. كما أشار إلي أن الدار عليها بعض الملاحظات؛ ففي بعض الأحيان كانت تصدر كتب دعائية سوفيتية، والنقطة الثانية هي قلة الأعمال الابداعية باستثناء كتب الأستاذ صنع الله إبراهيم. وفي كلمته قال المؤرخ والسياسي الفلسطيني عبد القادر ياسين بأنه سمع عن الأستاذ محمد يوسف الجندي عندما اندلعت انتفاضة 1946 في مصر الذي جعل من بيته الساكن بشارع القصر العيني مقرًا لقيادة الانتفاضة، وهذا المكتب الذي كان يسمي في الماضي بمكتب يوليو حرص علي نشر ترجمات سوفيتية معارضة للتطور الرأسمالي، وبعد هزيمة 67 تأجل الاهتمام بالقضية الفلسطينية من جانب الدار، وأعيد نشر القضية مرة أخري من جانب الدار عام 1977، حينها كانت تتم الدعاية من جانب نظام الرئيس الراحل أنور السادات أن الطوابير الموجودة في الشارع سببها أن الشعب المصري كثيرًا ما ضحي لأجل قضية فلسطين، وكتب عبد القادر ياسين عن كفاح الشعب الفلسطيني خاصة أنها كانت هناك بعض الشائعات التي تقول أن الشعب الفلسطيني قد باع أرضه وكتب أن هذه كلها افتراءات وعندما صدر قرار الأممالمتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947 باع العثمانين ثلث الأرض والثلث الآخر باعه الانتداب البريطاني والثلث الأخير باعه ملاك عرب كانوا قد مُنعوا من دخول فلسطين بعد قرار التقسيم. أما المناضل ألبير أريه قال في مستهل كلمته أن دار الثقافة الجديدة هي جزء من تاريخ اليسار المصري وأنها لعبت دورًا في تجميع اليساريين عندما منعت التنظيمات السرية من مصر، والراحل محمد الجندي كان صديقه ورفيقه، كان أول لقاء ألتقي بمحمد الجندي من خلاله في باريس عندما كان كلاهما في تنظيم مختلف عن الأخر، والتقوا مرة أخري في السجن، هذه كانت بدايته مع الجندي وبداية تكوين الصداقة بينهم، فظلوا يناضلون سويًا حتي تم حل التنظيمات الشيوعية من مصر، حينها ظلت دار الثقافة الجديدة تلعب دورًا في تجميع هؤلاء اليساريين، وأضاف انه يتمني أن يكتب تاريخ اليسار المصري، فالمتبقين منهم الآن في مصر لا يتعدوا ال20 شخصاً من جانبه قال الشاعر المقاوم سمير عبد الباقي إن دار الثقافة الجديدة مثلها مثل اليسار المصري، كلاهما أصابهما أخطاء كثيرة والمشكلة ليست مالية، ففي الخمسينيات كانت هناك حركة ثقافية كبيرة وكانت هناك الكثير من دور النشر الفقيرة أيضًا مثل الوضع الراهن، والمشكلة ليست في دور النشر وحدها ولكن في مستوي الوعي الثقافي الموجود الآن في مصر. أثناء كلمته قال الشاعر زين العابدين فؤاد أن محمد الجندي منذ البداية كان معلمه ثم أصبح صديقه الذي رافقه في السجن، وكان شديد التواضع، فعندما يسمعنا تشعر وكأنهُ يسمعنا ليتعلم منا رغم أنهُ كان القائد في الحركة. أما الروائي عبده جبير قال: أنه عندما أغلقت المجلات الثقافية من مصر لم تكن هناك أي مجلة أخري، حينها اقترح علي دار الثقافة الجديدة أن يقوموا بعمل مجلة ثقافية سموها بمجلة الثقافة الجديدة، وتم نشر أول عدد كان يضم قصائد وأشعار وقصصا، طبعوا حينها خمسة آلاف نسخة سرعان ما لاقت إقبالًا، لكن المهتمين بالسياسة عندما شاهدوا النجاح الذي تحققه أرادوا أن يجعلوا منها مجلة فكرية، حينها بدأت عيون رجال المباحث تتجه نحوها، حيث أقيمت حينها ندوة واستضافت مفكرين سوفيت ناقشوا التطور اللارأسمالي؛ انتهي الأمر بأن العدد قد صودر وهو في المطبعة وبالتالي توقف هذا المشروع الثقافي. في كلمتها قالت الفنانة التشكيلية راوية صادق أن بدايتها مع الدار كانت عام 1988 عندما رأت أن الفن من الممكن أن يعرض في أماكن غير رسمية، حينها ذهبت لدار الثقافة الجديدة. واختتم الاحتفالية الدكتور عادل عوض أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية وقال بأن دار الثقافة الجديدة لعبت دورًا مهمًا في نشر الترجمات العلمية المتخصصة وخلال فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي لم تكن الكتب المتخصصة حينها متوافرة للعامة بسبب ارتفاع أسعارها فضلًا عن عدم توافرها، عندها قامت الدار بنشر كتب علمية متخصصة عن الروسية تجاوزت ال150 كتابًا صاروا أساس العلوم في مصر كفيزياء الكم والنظرية النسبية، وكانت السبب في تكوين وعي علمي وثقافي لمجموعة كثيرة جدًا من القراء والمتخصصين، وأنهي حديثه وقال بأن الكتاب مهم في الحياة لأنه يعلم الفرد بشكل جدي والدار لعبت هذا الدور علي مدار خمسين عامًا.