عن الحب .. عن الأمل .. عن الاستسلام .. عن المقاومة ..عن النكسة .. عن الهزيمة .. عن الحرب .. عن الأحلام .. عن الأوهام .. عن الأفراح .. عن الفساد .. عن البيروقراطية .. عن الظلم .. .. عن العائلة .. عن صراع الأجيال .. عن كل الاجيال .. عنى و عنك تنطق موسيقى وألحان بليغ حمدى على شاشة السينما عازفه بوجدانك انغام هى كل العواطف والمشاعر متناغما مع أبطال الرواية التي تحكي وانفعالات ومواقف شخوصها. تساءلت كثيرا وانا ابحر فى الافلام التى شكلها موسيقى بليغ حمدى : لماذا كان يستعين به المخرج حسين كمال - مثلا - فى افلامه ، ووجدت ان مخرجنا الكبير كان يريد ان تتراقص شخصياته وتتغنى بألامها ولحظات بهجتها ووجد ضالته فى بليغ . فى فيلم شئ من الخوف ، لم يجد كمال سوى موسيقارنا الملهم ليصعد دراميا بصراع فؤادة وعتريس ، لتنزل الموسيقى كصاعقة ملهمة متشبعة بزمن وروح العمل دوامات العداوة بين عتريس وفؤادة من جهة، وبينه وبين أهل البلد من جهة أخرى. . . ومع حسين كمال ايضا قدم بليغ حمدى الموسيقى التصويرية لفيلم «احنا بتوع الاتوبيس» ، والذى شكلت موسيقاه عالما مندمجا مع أبطاله ، ففى هذا العمل لعبت الموسيقى سياسة ايضا كانت تعزف جملا اقوى من الحوار ، وخففت من اسر الصورة المنغلقة والصرخة المكبوتة لدى الابطال ، حيث تدور الأحداث قبل نكسة 1967 في إحدى سيارات النقل العام، تحدث مشاجرة بين اثنين من الركاب جابر وجاره مرزوق من جهة وبين محصل الأتوبيس من جهة أخرى. تنتهى تلك المشاجرة بتوجه الأتوبيس إلى القسم، يتم حجز جابر ومرزوق في القسم. يشاء قدر جابر ومرزوق السيء أن تكون رهن الاعتقال في هذا اليوم مجموعة من المعارضين السياسيين. يتم ترحيل جميع المعتقلين إلى أحد المعتقلات ومعهم جابر ومرزوق. يستقبلهم رمزي مدير السجن الحربي استقبال الأعداء ويتهمهما بتوزيع منشورات تدعو إلى قلب نظام الحكم ويطلب منهما التوقيع على اعتراف بذلك ولكن يرفض جابر ومرزوق التوقيع ويردد "إحنا بتوع الأتوبيس" ولكن لا حياة لمن تنادي. يتعرض جابر ومرزوق للتعذيب والسحل والإهانة أياماً وليالي ولا حيلة لهما إلا ترديد "إحنا بتوع الأتوبيس. فى فيلم "الزمار" كان ذكاء المخرج عاطف الطيب فى الاستعانة ببليغ حمدى ليضع له الموسيقى التصويرية لعمل خاص جدا قوامه الوجدانيات وعلاقة بطلنا بالموسيقى ، فكانت النرجسية كلها فى مقطوعات بليغ ، حيث يقدم لنا فيلم (الزمار) جزءاً من حياة الزمار حسن (نور الشريف) ، ذلك الشاب المطارد والمتنقل من قرية الى قرية من قرى الصعيد ، بحثاً عن الأمان والإستقرار ، ولا تتبين لنا مشكلة حسن ، إلا عندما يستقر به المقام في قرية «العرابة » بائعاً في بقالة . إنه من الشباب الطموح المغضوب عليهم من قبل السلطة . كان يوماً طالباً في الجامعة ، غاضباً على أوضاع بلا منطق ، وكان يريد أن يفتح الأبواب للشمس والحقيقة. كون بكلية الهندسة فريقاً للتمثيل واختار له منذ البداية مسرحية مشحونة بالإدانة والتعرية للزيف و الزائفين، لكن السلطة لم يعجبها هذا العرض المسرحي فأوقفته ، وانتهى الأمر بحسن معتقلاً ثم مطارداً من غير جريمة .. جريمته الوحيدة هي أنه لا يخفي في داخله ألم الناس ومشاكلهم ، لا يستطيع السكوت على هول ما يراه. فهو ينتقل من قرية الى قرية ، ليس بحثاً عن حقيقة أو عن زمن آخر ، إنما بحثاً عن الإنسان . وهو إيضاً من الواثقين منشدي الحكمة ، الحياة عنده مواجهة وهجوم على الخنوع والاستسلام ، هجوم على كل أنواع الفساد في كل مكان عبرت موسيقى بليغ عن كل مفردات العصر وأحلام وآهات بطلنا ، وحملت الأفكار بنغمات تحنو احيانا وتغفر وتقسو احيانا اخرى . فى فيلم "دنيا عبدالجبار " لامست الموسيقى كل أوجاع عبد الجبار"محمود عبدالعزيز" صول بالشرطة يرشح لوظيفة الجلاد (عشماوى ) لما له من مهابة وقوة شخصية أما دنيا فهي جارته التي تفتنها هذه المواصفات وتتزوجه. الصورة الدرامية لبطلنا جسدتها الموسيقى لتصل الرسالة وتغرق فيها شجنا . وهو نفس الامر مع شخصية السيد امام المصرى التى قدمها نور الشريف فى فيلم " شوارع من نار" للمخرج سمير سيف ، حيث غاصت الموسيقى فى عوالم متعددة ، لتنضج بالحكاية ، وبغمات من نور ونار فنحن فى الأربعينيات ينتقل الشرطى (إمام) للقاهرة للعمل فى منطقة مخصصة لممارسة البغاء ، وهناك يقع فى حب العاهرة ( نوسة) التى تعمل مع الفتوة جلال دون أن يعلم أنها تمارس هذه المهنة ، يدافع عنها إمام ويقوم بضرب أحد الجنود الإنجليز الذي يحاول اعتراض طريقها والاعتداء عليها ويحاكم ويفصل من الخدمة ، ثم يعود للإقامة بالحى والبحث عن عمل ، فيتحول إلى قواد ، تحدث مشاجرة بينه وبين جلال الفتوة. يحاول كلً منهما فيها إثبات قوته وفرض سطوته فى فيلم «آه يا ليل يازمن » اخراج على رضا جاءت موسيقى بليغ حمدى لتلعب رومانسية فى صميم قاب مجروح هو قلب فاتن " وردة " فى حكايتها مع محمود " رشدى اباظة ، فبطلتنا عبرت جسر اهاتها بنغمات بليغ ، فبعد أن تم تأميم جميع ممتلكات وأموال والدها الباشا بعد ثورة 23 يوليو، تسافر فاتن ابنة الباشا إلى المغرب لتبحث عن عمل يوفر لها قوتى يومها، لتتعرف على إلياس والذي يقنعها بالعمل كمطربة، لكن تتغير الأحداث عندما تقابل الضابط المصري محمود. بليغ عايش شخوص افلامه وتلاعب بمكنونها موسيقيا ، وهو يقدم مثلا الوسادة الخالية مع صلاح ابو سيف وعبدالحليم حافظ ، ومن ينسي اغنية " تخونوه " التى شكلت نقلة كبيرة فى حياة الأغنية الدرامية ، وفى سرد الفيلم نفسه ، كانت من اروع ماقدم حليم الذى تشربت مشاعره بالجمل اللحنية لبليغ حمدى ، بعد ان خسر حبيبته سميحة فى "قصة الحى الغربى" مع المخرج عادل صادق جاءت موسيقى وألحان بليغ حمدى للعب على اوتار متنوعة لقصة متشابكة ، حيث تدور أحداث القصة حول المشاحنات والمشاجرات التي تحدث بين (رجب) وأصدقائه من جهة وبين (طلبة) وأصدقائه من جهة أخرى، يقع (سامي) في غرام (أمل) شقيقة رجب، بالرغم من أنه من أتباع طلبة، تحذرها (نوال) خطيبة أخيها من هذه العلاقة وصعوبتها على الطرفين، ينفصل سامي عن طلبة ويذهب لرجب لطلب الزواج من شقيقته أمل، لكن رجب يرفض تزويجها له، وتندلع المشاجرات من جديد بين طلبة ورجب ورجالهما. بين كل ذلك شكلت الموسيقى رابط كبير بين لوعة الحب والهجر والعصيان . وفى محطة اخرى قدم بليغ نغمات تبرز قيمة الإيمان بالنفس بعد الانكسار والهزيمة والإحساس بالهوية فى فيلم «العمر لحظة» للمخرج محمد راضى، كانت الموسيقى جزء من القصة بل وطبطبت على جراح شخصياتها وحكايتهم المطروحة ، والتى دارت بعد هزيمة عام 1967 ، تجد الصحافية (نعمت) التي تعمل مع زوجها في الجريدة التي يرأس تحريرها ، أنهما على خلاف كبير في الرُّؤَى ، فيما يتعلق بأحوال البلاد والحرب ؛ مما يدفعها في اتجاه العمل التطوعي في إحدى المستشفيات ، حيث تتعرف هناك على مجموعة من الجنود الذين ترتبط بهم (نعمت) برابطة إنسانية قوية ، وبأحد الضباط برابطة عاطفية ، كما تسافر كذلك إلى الجبهة لمساعدة الجنود في حل مشاكلهم وهمومهم . ونعود الى الثنائى بليغ حمدى وحسين كمال مرة أخرى فى احد روائع السينما الغنائية "مولد يا دنيا " ونحن أمام مجموعة من الشبان الموهوبين يستغلهم رئيس عصابة سرقات في أعماله المشبوهة، بينما يحاول أحد الفنانين (محمود يس) المؤمن بموهبتهم انتشالهم من بركة الظلام المنغمسين فيها، ليقدمها للجمهور على مسرح استعراضي. قدم بليغ مجموعة من الاستعراضات الغنائية المبهجة والمؤلمة لعفاف راضى «زبدة» و عبدالمنعم مدبولى «ريشة» ومن ينسي «طيب ياصبر طيب» " وفى فيلم المخرج يوسف شاهين «عودة الابن الضال» دخل بليغ حمدى بموسيقاه تاريخ خاص من المشاعر المتمردة ، واغنية «الشارع لمين .. الشارع لنا ».