سرعان ما ضجرتُ من محاضرات قسم النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية. لا أتذكر اسم العميد، وربما كان جلال الشرقاوي، لكن المؤكد أن رئيس أكاديمية الفنون التي تضم معاهد السينما والباليه والموسيقي وغير ذلك كان رشاد رشدي الذي كنت أعتبره من زعماء الثورة المضادة ومن أشد الرموز الرجعية انفلاتا في عداوته لليسار. كان رئيسا لتحرير مجلة الجديد لسان حال اليمين في الأدب، كما كتب عدة مسرحيات بالغة الرداءة، وله كتاب مدرسي قرأته عن القصة القصيرة، ليس بالغ الرداءة فقط، بل ينظّر للقصة باعتبارها بداية وعقدة ولحظة تنوير وما إلي ذلك. كان الزمن هو زمن السادات ورجال السادات، وخصوصا بعد انتفاضة 18 و19 يناير 1977 التي اعتبرها السادات انتفاضة حرامية، وبسببها أطاح بصديقه عبد الرحمن الشرقاوي من مؤسسة روز اليوسف، كما طرد فتحي غانم وصلاح حافظ، وجاء برجل مغمور اسمه مرسي الشافعي أظن أنه عرفه أيام ارتباطه بالمنظمات السرية التي اختارت طريق الاغتيالات، واغتالت بالفعل أمين عثمان الذي اعتبر العلاقة بين مصر والاحتلال الانجليزي علاقة زواج كاثوليكي. بعد ذلك بسنوات قليلة تعرفت علي الراحل الكبير فتحي غانم، وتشرفت بصداقته. وحكي لي أنه بعد تولي مرسي الشافعي رئاسة المؤسسة والمجلة بشهور قليلة جدا، نجح في الهبوط بتوزيع المجلة إلي معدلات لم تصل إليها المجلة طوال تاريخها، وكان يقرأ ويدقق في كل حرف قبل النشر، حتي جاء يوم دعا فيه المحررين لاجتماع هام جدا، وزف إليهم البشري التالية : مبروك .. الرئيس توقف عن قراءة المجلة!! وهكذا .. كان الرئيس يقرأ المجلة بعد تولي الشافعي أو بالأحري كان يراقبها، وعندما تأكد أن الرجل شاف شغله جيدا توقف عن قراءة المجلة!! تصلح هذه الواقعة للدلالة علي المناخ السائد آنذاك. وسرعان ما توالت الإجراءات ذات الطابع العنيف والأهوج. علي سبيل المثال بدأ العد التنازلي لمجلات مثل الطليعة اليسارية ( كانت الطليعة منضبطة ولاتدعو لقلب نظام الحكم مثلا، لكنها كانت تمثل وجهة نظر اليسار المستعد والقابل للتعاون مع النظام السائد، إلا أن انتفاضة يناير تحولت إلي شبح أو فزاعة تطارد نظام السادات ويخشي تكرارها ويعمل علي قطع الطريق علي تكرارها ) وكانت تصدرها مؤسسة الأهرام وتم تحويلها بين يوم وليلة إلي مجلة الشباب وعلوم المستقبل!! كذلك بدأ التحرش بمجلة الكاتب حتي تم اختطافها علي يد جنرال الثقافة يوسف السباعي، وللأسف وافق شاعر كبير راحل هو صلاح عبد الصبور علي أن يتولي رئاسة تحريرها بعد إجبار هيئة تحريرها السابقة علي الاستقالة، وللأسف مرة أخري نال صلاح مكافأته سريعا، حيث تم تعيينه وزيرا مفوضا وسافر إلي الهند ، كما بدأت فصول المسخرة القومية الكبري باختطاف مطلب طالب به الكتاب والأدباء الشباب آنذاك بإقامة اتحاد كتاب، وأشرف الأستاذ يوسف السباعي علي تفصيل اتحاد مازلنا حتي كتابة هذه السطور نعاني منه، وهو ليس اتحادا ولاكتابا ولاحول ولاقوة إلا بالله!! تلك الأمثلة وغيرها تشير بوضوح إلي جملة الإجراءات العنيفة الشرسة التي أعقبت الانتفاضة، وقبل أن ينتهي العام الذي شهدنا في أوله الانتفاضة، وفي نوفمبر، أعلن السادات عن مبادرته الفضائية العجيبة بإعلان استعداده لزيارة القدس والتحدث إلي الكنيست الإسرائيلي، لكن تلك قصة أخري.. أستكمل في العدد المقبل إذا امتد الأجل..