بداية من فرانكشتاين حتي بينوكيو هناك عشر شخصيات مبتكرة يزخر بها الأدب العالمي، أبطالها أشخاص خياليون، ابتكر الأدباء لهم أسماء غريبة مثل كلونز وجوليم المعروف في الحكايات الشعبية الهولندية بأنه شخص يتشكل من الطين، وسيبورك النصف آدمي بينما نصفه الآخر آلي يتمتع بقدرات خارقة. جميع تلك الكائنات الخيالية ما هي إلا محاولة لتنافس لا معقول من أجل خلق ما يُطلَق عليه الميت الحي، بداية من الدمي المتوحشة التي أعادوها للحياة، والجثث المتحركة، إلي الروبوتات الوديعة التي تلقي حتفها عند الكوارث، تم ابتكارها بمفهوم أن كل شيء يضج بالحياة، علي أمل أنه إذا كان بوسعنا اكتشاف تركيبة سحرية يمكن أن نطلق عليها وصفة سحرية لإعادة الحياة، ربما أمكننا خداع الموت! الغريب أنه في الآونة الأخيرة تم اكتشاف وجود سيبورك حقيقي وهو الفنان نيل هاريسون المسجَّل رسميا في المملكة المتحدة، وُلِد بمرض نادر يجعله يري الأشياء بالأبيض والأسود، ويستطيع سماع الألوان ورؤية الموسيقي! فهو يسمع 360 لونا بدرجات مختلفة. كلنا مررنا بشكل أو بآخر بهذا النوع من الخيالات منذ طفولتنا، بداية من »أبو رجل مسلوخة» حتي حكايات العفاريت، تلك المخلوقات الغريبة رصدها بدقة الكاتب الأيسلندي سيجوريون بيرجير المعروف باسم »سيون» وكتب عنها قائلا: عندما شرعت في كتابة رواية »كوديكشن» سنة 1962، وهي رواية عن رجل يحتضر بينما يحاول أن يجد لنفسه مكانا داخل السرد الهائل للتاريخ البشري، طرأ علي ذهني فورا ذلك الكنز الدفين الموجود في تلك الحكايات، كنت في أشد الحاجة لشيء جديد يقودني إلي جوليم والحاخام الذي ابتكره، أو حتي ذلك الكاتب الذي ابتكر شخصية خيالية في اعتقادة أنه خلقها بينما كان عند حافة اللا وعي، وتوصلت إلي عشر قصص عظيمة لم نكن نعرف عنها شيئاً هي: 1 »حكاية ثورليف، شاعر إيرل» ترجمة جوديث جوش: بطلها الشاعر المحارب ثورليف والصفقة التي أُبرِمت بينه وبين الشرّير إيرل هاكون، هي موضوع تلك الملحمة الأيسلندية القصيرة، التي تحتفي بأحد أكثر المبتكرات شرًا في الأدب، بعد أن قام هاكوم بسرقة ثورليف وإضرام النار بسفينته، ينتقم الشاعر بإلقاء لعنة عليه تفقده شعره، وبالمقابل يستعين إيرل اليائس باثنتين من الساحرات لمساعدته علي نحت رجل من الخشب الليّن ونفخ الروح فيه بوضع قلب آدمي في صدره، ثم يتم إرساله إلي أيسلندا، ليطارد ثورليف القاتل الخشبي ويبقر بطنه بسلاح قديم ثم يقرأ الشاعر قصيدة عن مقتله يفرغ خلالها كل ما في جعبته. 2 » شارع التماسيح» لبرونو شولز، ترجمة مادلين جي: واحدة من روائع القرن العشرين بحق، في الأصل كان عنوانها »محلات القرفة»، وهي سلسلة من القصص التي يتداولها اليهود في مدينة دروفوني البولندية، بأن هناك نص سحري يتم فيه رفض كل شئ مفعم بالحياة، من أشياء ومخلوقات وظواهر طبيعية ممتزجة باستمرار لتستخدم كاستعارة مجازية لبعضها البعض، في قلب الكتاب نجد والد الراوي جوزيف، يتراجع ببطء نحو عالم خاص به داخل منزل العائلة الكبير، ليصبح متحدثا عن دمي الخياطين، متحملا الدفاع عن هؤلاء الصامتين، وينتهي الكتاب بصور غامضة لجسم ضخم يندمج مع الكون مدوَّن عليه قائمة مفهرسة بأسماء مرتبة طبقا للحروف الأبجدية. »فرانكشتين» لماري شيلي: مع تلك الرواية تصبح القصة الأسطورية للسلطة المحدودة للإنسان في الخلق قصة حديثة، وهي مثل جميع القصص الجيدة، تجعلنا نواجه فشل طموحنا والضرر الذي يمكن أن نسببه. تمت إعادة كتابة فرانكشتين، وإعادة صياغتها وتفسيرها في كل وسيلة سردية، تماما مثل الأسطورة اليونانية القديمة لبروميثيوس، ملهمة الشاعر شيلي في المقام الأول. »مغامرات بينوكيو» من تأليف كارلو كولودي، ترجمة آن لوسون لوكاس: حكاية كولودي عن دمية ماريونيت خشبية، اشتملت علي كل شئ، الشعور بالوحدة، الخوف من الموت، الغدر، فساد الشباب، العنف تجاه الضعفاء، الخداع البشري، الحيوانات الناطقة، المشهد العام المنذر بالسوء، تحوُّل الرجل الوحش، آمال تحققت وتم سحقها، والإنسانية المكتسبة عبر التجربة والخطأ، والأنف القابل للتمدد بشكل غريب، إنه كتاب للأطفال من أفضل وأحلك الأنواع، معظمنا يعرفه عن فيلم ديزني في عصر حيث كنا لانزال قليلي الخبرة مثلما كان ذلك الصبي الخشبي، لكن أن تقرأ الكتاب كبالغ شيء أكثر رعبا. »بيان سايبورج» لدونا هاراواي: لم يكن في الإمكان أن يتعرف سايبورج علي جنة عدن، فهي غير مصنوعة من الطين، لذا لا يمكنه أن يحلم بالعودة إلي التراب، الحيوان والإنسان وسايبورج وضعتهم هاراواي في مكانهم معها في بيان سايبورج سنة 1984، بحجة أن موقف ما بعد الإنسانية يرتكز علي أساس التقارب واللطف وحسن الخلق، فكرتها تلك هي نوع من التحدي، وجدال مستمر مع هيكل أنثوي فطري ونظرية الهوية، لكنه نص ليس سهلا يمكن فك شفرته، إلا أنه أوحي لي بالكثير من الإلهام علي مر السنين، وأعتقد أنه يحتوي علي بذرة بقاؤنا علي قيد الحياة. رواية »أوراق بترميسر» لسينثيا أوزيك: تقدم الكاتبة لنا من خلاله »جوليم» أنثي، وهي كائن أعيدت إليه الحياة بالسحر. في الورقة الثانية من كتابها عن روث بترميسر تظهر باعتبارها محامية نشطة في الحركة النسوية بمنتصف عشرينيات القرن العشرين في نيويورك، وكل ما تحتاجه هو أن تجد أحدا يساعدها، وفي إحدي الليالي صنعت جوليم من الطين الموجود في أواني الزرع بمسكنها، إلا أن هذا المخلوق أصبح شديد القوة والنفوذ بحيث استطاع خلال فترة وجيزة أن يجعل بترميسر عمدة للمدينة، لكن كما هو الحال في كل قصة مكتوبة ببراعة فإن تلك المخلوقات تنحي جانبا سيئا وخطيرا في نهاية الأمر. رواية »عن الدمي» لكينيث جروس: جمع جروس في مجلد ضخم ورائع مجموعة من النصوص حول العالم الخارق للطبيعة لتلك الكائنات غير الحية، كتبها أدباء منهم والتر بنجامين، ومارينا وارنر، وسيجموند فرويد، من ضمنها قصة قصيرة مكتوبة باللغة الألمانية كتبها إي تي إي هوفمان سنة 1817، وتحكي عن رجل أسطوري قيل أنه يسرق عيون الأطفال الذين لا يذهبون للفراش مبكرا، وكذلك الألماني هاينريش فون كليفت في القرن الثامن عشر الذي قدم مسرحية بعنوان »علي مسرح الماريونيت» تضمنت حالة يظهر فيها أن تجربة الماريونيت أو العرائس أفضل تجسيد لعبودية الإنسان في الحياة. رواية »هي وهو» لمارجي بيرسي: سنة 2059 كانت سيرا شيبمان تعيش في شمال أمريكا، اُنتزِع منها ابنها من قبل جماعة تطلق علي نفسها »مالتي» وتدير شئون تلك المنطقة، لذا عادت إلي تيمفا وهي مدينة يهودية محررة من تلك الجماعة، وهناك صادفت سايبورج وهو شخص خيالي افتراضي، تمتد قدراته الجسمانية إلي ما هو أبعد من القدرات البشرية الطبيعية، من خلال عناصر ميكانيكية داخل جسمه أدخلها عالِم مجنون، فهو يتمتع بالقدرة علي تحويل الأجسام البشرية إلي سايبورج، وغيّرت تلك المقابلة حياتها مع ذلك الكائن الغريب الحاد الذكاء والخارق. »سحابة أطلس» لديفيد ميتشيل: يحكي من الماضي وعن الحاضر وما يمكن حدوثه في المستقبل، تحتوي »سحابة أطلس» علي واحدة من أكثر الشخصيات المأساوية الأدبية وتدعي سونمي 451، وهي كائن مستنسخ من المستقبل، مصممة بلا وعي ذاتي، وبالتالي دون وجود غريزة للبقاء علي قيد الحياة، يمكنها الاستمرار في أي شيء حتي الموت، كأن تجلس خلال عشاء مع إعادة تكرار عملية الغذاء دون كلل أو ملل، وتجد قوتها من خلال القراءة وتحوّل قصتها إلي حجر الزاوية للحضارة حتي في المستقبل. »الجوليم» لجوستاف ميرنيك ترجمة مايك ميشيل: عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، التقيت بمرشدي نحو كل تلك الأشياء الغريبة والرائعة، الفنان الأيسلندي ألفريجو فلوكي، أهداني نسخة من تلك الرواية، مخبرا إياي أننا لن يدور بيننا أي حوار إلا بعد انتهائي من قراءته، إنه حلم مشتعل علي شكل كتاب، يتشابه فكر الرواية مع أسطورة جوليم، الرجل الصناعي الأصلي المصنوع من الصلصال الذي ابتكره الحاخام »جودا لو» في القرن السادس عشر، وذاب ذهني بشكل كامل في الرواية التي قررت بسببها استحضار قصة جوليم التي كانت مدفونة داخل طيات الأدب الأيسلندي بأي وسيلة سرد.