في أوائل الثمانينات كان هناك شاب متدين، خاف أن يقبض عليه في هوجة القبض العام عقب اغتيال الرئيس السادات، فذهب إلي هولندا، وعاش فيها وحمل جنسيتها وألف مجتمعها وأهلها وتزوج هولندية، وأنجب منها.. طابت له الحياة، وكانت ابنته التي جاوزت العشرين عاماً تعاني من نوبات اكتئاب كتلك التي تنتشر هناك في السويد والدنمارك والنرويج.. زار الأب مصر مع أسرته مراراً دون عوائق، ظن أن الحياة طابت له، وأنه احتضن السعادة الأبدية، وآه من اللحظات التي يعتقد فيها الإنسان امتلاكه للسعادة المطلقة، وآه ثم آه من لحظة يفكر في سعادتها بعد أن قطع الصلة بربه الكريم أو انصرف عن محراب عبوديته أو شرف الانتساب إليه سبحانه.. رن هاتفه المحمول,جاءه صوت غريب ليحمل أسوأ نبأ تلقاه في حياته، قال في برود عجيب:نحن مكتب الانتحار القانوني نريد أن نخبرك بأن موعد إعدام ابنتك الاختياري بعد غد الساعة الواحدة ظهراً، هكذا دون تعقيب وكأنه يزف إلي الآخرين نبأً سعيداً فلا مشاعر ولا أحاسيس ولا حتى مواساة ولا أي شيء.. شعر الرجل بأن الدنيا كلها أظلمت في وجهه، ابنتي تختار الموت علي الحياة، ابنتي تريد أن تنتحر رسمياً بيد الحكومة، تختار أن تقتلنا جميعاً، وتقتل فرحتنا أبد الدهر،ترى ماذا ينقصها؟الدنيا كلها تحت قدميها؟هكذا بهذه البساطة تموت ابنتي باختيارها، وبيد القانون الآثم وتحت أعيننا من أجل حالة اكتئاب طفيفة تمر بها بين الحين والآخر، وهكذا سيتم التنفيذ بعد غد ونحن آخر من يعلم، ودون إرادة أو مشاورة لنا؟كيف تجحد أباها وأمها بهذه الطريقة، ولا تأبه بولاية الأب والأم وكأنها معدومة الوالدين. لقد نسي أنه وأسرته كانا السبب في ذلك، فقد قلدا المجتمع الهولندي في جحد ولاية الرب سبحانه علي خلقه وهي أعظم وأعلي من ولاية الأب علي ابنته، فولاية الأب فرع عن ولاية الرب سبحانه، وأمومة الأم لأبنائها فرع من رحمة الرب لخلقه، ومن جحد ربوبية وولاية الله سبحانه سيجحد ولاية الأب والأم ومكانتهما لا محالة، آه من الحصاد المر لثمار الجحود التي بذرها مع زوجته. رفض الاستسلام، وذهب للحكومة والشرطة والقضاء دون جدوى، اختفت الفتاة، لم يتصور أن تستجيب الحكومة لرغبتها بالموت في لحظة انهيار نفسى مؤقت أو عدم لقاء أسرتها حتي لا تضغط عليها للعدول عن قرارها الآثم، الحكومة تضع نفسها في مكانة أكبر من مكانة الأب والأم والأسرة، إنه خلل خطير في القوانين. استسلمت الأسرة للحضور ساعة التنفيذ من وراء زجاج، ورفضت الأم الحضور، وقام الطبيب بحقن الفتاة بمخدر، أتبعها بحقنة الموت التي أوقفت القلب. ماتت الإنسانية في قلوب هؤلاء الذين يرفضون إعدام القتلة والمجرمين، ويوافقون على هذا الإعدام لأناس لا يعرفون مصلحتهم الحقيقية ولا رسالتهم في الحياة في لحظة ضعف إنسانية، في ثلاث دول هي هولندا ولوكسمبورج وبلجيكا،إنه الحول في التشريع والقانون والإنسانية. كانت هذه الفتاة تعيش في أرقي أحياء هولندا وحيدة بعد انفصال والديها ورفضها العيش مع أحدهما، الهدوء القاتل والدعة وغياب الهدف والغاية والرسالة مع الوحدة القاتلة وعدم الارتباط بالله المحبوب الأعظم حول رفاهيتها إلي تعاسة. حتى الموت عندهم له ثمن..كانت الفتاة تتقاضى إعانة بطالة حكومية ستأخذها الشركة المنفذة للإعدام لمدة عشر سنوات، تخيل ابنك يموت باختياره أمام عينيك دون أن يسمع نصحك و بكاءك واستغاثتك. لذا لا ينتحر المؤمن لأنه قريب من الفردوس الأعلى ولقاء المحبوب الأعظم وزوال الألم. ما أعظم الإيمان وأجمله وما جأسوأ الانتحار الذي توعدت الشريعة أصحابه بالخلود في النار، فروحك وأرواح الآخرين ملك لله وحده وليست ملكاً لأحد.