لم تكن السنة السادسة من الهجرة كأي سنة بل كانت سنة مشرفة باستقبال درة عقد أهل العبادة من بيت النبوة الطاهرة الذي كانت أول حباته في السنة الرابعة من الهجرة النبوية المشرفة ببزوغ نور الإمام الحسن رضي الله عنه و في السنة الخامسة كانت أنوار الإمام الحسين تتلاحم مع أنوار أخيه الحسن عليهما السلام لينيرا مشرقها و مغربها ثم هلت عليهما السنة السادسة بأنوار درة القلب و مني غايته حيث تتلآلآ بيت النبوة حباً و فرحاً و غبطةً وسُروراً و توافدت الملائكة علي بيت الكاملة زوجة الإمام بنت خير الأنام عليه أفضل الصلاة و أتم السلام و أم الأئمة علي مر الزمان ينتظرون قدوم العقيلة الفاهمة المفهمة التي خط قلم القدرة في اللوح المحفوظ منذ خلق الله الدنيا وقدر فيها أقواتها وبسط أرضها و رفع سماءها بأن اليوم الخامس من شهر جمادي الأولي من العام السادس من الهجرة سوف يشهد ميلاد رئيسة ديوان أهل البيت المحمدي و حاملة لوائه و مستودع جليل نفحاته و كعبة أسراره و بغية الطلاب و مني العشاق فكأنما قلم القدرة كان يخط أقدارها في اللوح المحفوظ في عالم الإرادة الإلهية مشفقاً عليها فيما ستتحمله و تلاقيه من هول ليس مثل هوله هول .. وليس هذا وحسب بل كان يخط أقدارها بمداد الأنوار المحمدية الربانية التي اختص بها رب العزة حبيبه وصفيه وسر سره الساري في جميع خلقه سيدنا محمد ذي القدر الأفخم والنور الأعظم والجمال الأزكي شاهد الحق .. ثابت الإحسان وأهل بيته من حملة الأسرار و نقطة مدار فلك الأقدار . فكان ظهور جميل جليل أنوارها من عالم الخفاء إلي عالم الظهور في الخامس من جمادي الأولي ليتم الله قدره و يحق الحق علي خلقه بحوله و قوته و عظيم قدرته و يحكم فيهم بما كسبت أيديهم ..فأوجدها الموجود الذي يدور في فلكه كل موجود كان أو يكون . وبعدما مرج الله بحري الكرار و الفاطمة و أخرج لنا منهما اللؤلؤ و المرجان لخير ذرية في العوالم و الأكوان فكانت السيدة زينب رضي الله عنها من خير درر مروج البحرين حتي اختصها الله الواحد الأحد بعظيم صفات لم تحظ امرأة في البشرية بمثلها إلا الكاملات الأربع سلام الله عليهن فكان أولي تلك الصفات أن من سماها هو رب العرش العظيم كما ورد في السير أن أم أبيها سيدة نساء العالمين فاطمة بنت خير الوري حينما وضعت ابنتها جآت بها إلي زوجها أمير المؤمنين و أبا السبطين الحسن و الحسين ووضعت ابنتها بين يديه و قالت: سم هذه المولودة. فقال: ما كنت لأسبق رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وكان في سفر له، فلما جاء النبي صلي الله عليه وآله وسلم وسأله الإمام علي عن اسمها: قال: ماكنت لأسبق ربي .. فهبط الأمين جبريل يقرأ علي النبي السلام من الله الجليل، وقال له: سم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم .كما وردت الرواية في كتاب ( ابنة الزهراء بطلة الفداء السيدة زينب .. للكاتب و الباحث علي أحمد شلبي طبعة المجلس الأعلي للشئون الإسلامية، لجنة التعريف بالإسلام، سنة 1977 و بعدما ألقت كربلاء بأوزارها وصار مكب الإباء بالسيدة زينب و ما بقي من أطفال و نساء أهل البيت رضي الله عنهم فكان لقاء رئيسة الديوان و ابن زياد بالكوفة ليسير الركب بعدها إلي دمشق لتحدث المواجهة الكبري بين السيدة زينب ويزيد بن معاوية فتلقن أم العزائم يزيد درساً يطرحه أرضا في أسفل سافلي مزابل التاريخ . شجاعتها في مواجهة يزيد بدمشق لم تكن فصيحة بيت النبوة في مواجهة يزيد بن معاوية أقل شجاعة من لقائها لواليه زياد بالكوفة، بل كانت أشدَّ قسوة عليه وبراعة في محاورته، حتي طرحت أكاذيبه وادعاءاته أرضًا طرحًا مبرحًا، فلم يستطع مجاراتها في مباراة التناحر بالأسباب فيما فعله بآل بيت رسول الله صلَّي الله عليه وسلَّم، حيث بدأ لقاءه بها معبِّرًا عن فرحته الكبري بإبادته لعترة رسول الله فقد صفا له المُلك، واستوثقت له الأمور، متمنيًا حضور القتلي من أهل بيته ببدر ليُريهم كيف أخذ بثأرهم من النبي في ذُريته، وراح يترنم بأبيات ابن الزبعري قائلاً أمام الملأ بصوت يسمعه الجميع لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا فَأَهَلّوا وَاسْتَهَلّوا فَرَحَا قَد قَتَلنَا القَوْمَ مِن سَادَاتِهِم لعبت هَاشِم بِالمُلكِ فَلاَ لَسْتُ مِن خِندِفٍ إنْ لَمْ أَنْتَقم جَزَعَ الخَزرَجِ مِن وَقع الأَسَل ولمَّا سمعت العقيلة هذه الأبيات التي أظهر فيها التشفِّي بقتل عترة رسول الله انتقامًا منهم لقتلي بدر، سحقت جبروته وطغيانه، فكأنها هي الحاكمة والمنتصرة وهو المخذول والمغلوب علي أمره، وقد خطبت هذه الخطبة التي هي من روائع البلاغة والبيان، قالت رضي الله عنها: الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّي الله علي محمد وآله أجمعين، صدق الله كذلك يقول: ثمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَي أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِءُون (الروم: 10)، اظننت - يا يزيد - حيث أخذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء أنَّ بنا علي الله هوانًا، وبك عليه كرامة؟! وأنَّ ذلك لعظيم خطرك عنده؟! فشمختَ بأنفك ونظرتَ في عطفك، جذلان مسرورا، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة، والأمور متَّسقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا، فمهلاً، أنسيت قول الله عزَّ وجل:»وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَاب مهين» آل عمران:178»