تحت وطاة قفزاتنا المهللة ، انكسرت حدة الركود المعتادة للنهارات الصيفية اللزجة ، ومعها انكسر اصرار امي علي ابقاء ملابسنا الشتوية مطوية علي الرف العلوي للدولاب المغلق ، امتدت يدها الي تلك " البؤجة " القديمة الملفوفة بعناية شديدة ، وبحركاتها الخبيرة نكأتها فانفرطت الملابس الثقيلة الملونة تكسو ارضية الغرفة ، واختلطت رائحة " النفثالين " الثقيلة بخطوط الاشعة المتسللة من النافذة .. ودفقات الحنين نجحت واخي في دفع التاريخ المحدد لاخراج الملابس الشتوية يومين كاملين عن الخامس والعشرين من اكتوبر . عناد طفولي لجوج ، اصرار امومي لا يلين ، عند تلك الالنقطة يلفظ الزمان انفاسه ، برودة رخوة او حرارة عتيدة ، تلك كانت عناصر مشهد لم يستطع التكرار ان يطفيء بهجته . العجيب ان احدا منا لم يفكر ابدا ان يمد يديه ، وينفذ ارادته منفردا ، فالقرار مهمتها ، والضغط مهمتنا ، اما ابي المسكين فكل ما عليه هو ان ينفذ ارادة المتصر التي لم تكن تخصنا في اغلب الاحايين . رنين هاتف " مسروع " يغير خارطة المشهد ، تهرع امي تاركة ايانا وملابسنا علي الارضية ، فجأة يخلو منها نهارا كاملا ، لتعود ليلا بعينين حمراويين ووجه متورم ونظرات مذهولة ، لا تكف عن العويل .. " هي في عز شبابها " " لم تفرح باحد من عيالها " : لم تكن مريضة " " اولادها لا يزالون قططا مغمضة " احملق بامي فتنتبه من شرودها ، اشعر بشفقة ملتاعة علي اولئك " القطط " ويجتاحني رعب شديد ، فاهرع الي امي اطوقها بيدي الصغيرة كي لا يخلو منها النهار مرة اخري بيدين ثابتتين ووجه لا يلوي علي شيء امسك ب" بؤجة " الشتاء والصيف ، بصعوبة افتحها فتنسل منها ملابسنا ببطء ، ويغلب علي الارضية اللونان الاسود والرمادي بلا بهجة ، في تمام الخامس والعشرين من اكتوبر افكر .. الم يكن ممكنا ان تظل الايام تذخر بصخبها لو لم احضنها واتشبث بها في تلك اللحظة المشئومة ؟ ليلة الحادي والثلاثين من ديسمبر وقفنا سويا امام نافذة بيتنا في الطابق العاشر من احد بنايات وسط البلد ، ارسلت عيني تنظر بين ذراعيه ورائحة جسده تملأ كياني ابعدني عنه مسافة الذراعين وذهب يحضر ل كوبا زجاجيا من الكاكاو الساخن الذي علمته كيفية تحضيره علي طريقتي الخاصة . دفقة هواء ديسمبرية باردة لفحتني بينما يسري دفء الكاكاو الداكن جدا في اوصالي هرعت نحوه اريد ان اطوقه شاكرة ، لكن يداي اللتان لم تعودا صغيرتان توقفتا قبل ان تلامسه بسنتيمترات قليلة ، وبدلا منهما تحركت شفاهي لتطبع قبلة باهتة علي جبينه " كل عام وانت بجانبي " ربما هكذا سوف لا اضطر لان اعود لتحضير اكواب الكاكاو الداكنة جدا لنفسي لاشربها وحيدة .