فى وقت يسعى فيه النظام لوضع اللمسات الأخيرة لإنهاء مرحلة الانتقال الديمقراطى، غير مهتم بمطالب القوى الأخرى فى لحظات تشدد فيه حدة الصراع قرر قطاع عريض من قوى المعارضة مقاطعة انتخابات مجلس النواب القادمة، وبصرف النظر عن التداعيات الدافعة لهذا الموقف، أتطرق فى مقالى هذا إلى جدوى سلاح المقاطعة من خلال الدروس المستفادة من التجارب الدولية، وقبل هذا أود الإشارة إلى تتباين وجهات المفكريين والمحللين السياسيين حول جدوى المقاطعة، فهناك اتجاه يرى أن المقاطعة ضرورة لاعادة الأوضاع لمسارها الصحيح، وأنها وسيلة سياسية من وسائل الاحتجاج السلمى وسلاح فعّال لمواجهة الاستبداد ومن أبرز مؤيدى هذا الاتجاه الكاتب شارلز ليندبرج والخبير الأمريكى جون براتون والذى أكد أن المقاطعة مؤشر على عدم وجود اتفاق كامل على قواعد اللعبة السياسية. والاتجاه الآخر، يعتبرها مجرد مناورة سياسية لن ترتقى لحيز التنفيذ، ومؤشر ضعف يحول دون أى نتيجة عملية، ومن رواد هذا الاتجاه روبرت باستور أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك، وميريت سيبيرج أستاذ العلوم السياسية فى جامعة آرهوس الذى أكد أن المقاطعة نتيجة عدم القدرة على المنافسة. وعن التجارب الدولية، لوحظ فى حقيقة الأمر أنه نادرا ما تجلب المقاطعة النتائج المرجوة فى التأثير السياسى أو الإصلاح المرغوب، فعلى سبيل المثال حاول الإيرلنديون مقاطعة انتخابات المملكة المتحدة للحصول على الاستقلال ولم تجلب المقاطعة لهم أى نتيجة، وكذلك فى الانتخابات البرلمانية لفنزويلا 2005 فرغم انسحاب 5 أحزاب معارضة، ومشاركة 25.3% فقط جاءت نتائج المقاطعة بأن اكتسحت حركة الجمهورية الخامسة أغلبية المقاعد، وهو تكرار لما حدث فى انتخابات الرئاسة بالجزائر عام 1999، كما فشلت المقاطعة فى جلب أهدافها فى الانتخابات الرئاسية بأفغانستان عام 2009. وأضف هنا ما أشار إليه عماد المرزوقى بجريدة الرأى حول دراسة جامعة ديرهام لكيلى التى أكدت أن البيانات الإحصائية للمقاطعة الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال الفترة (1975- 2004)، تؤكد أن المعارضة فى بعض الدول تختار مقاطعة الانتخابات فى حالة عدم استطاعتها الفوز وتلوح بسلاح المقاطعة لتحقيق أمل واحد وهو اساءة السمعة، وأن هذه الحجة استخدمها مسئولون أمريكيون فى هايتى فى انتخابات 1995. إن هذه التجارب التاريخية تؤكد أن الدرس الذى ينبغى تعلمه من هذه الوقائع أن سلاح المقاطعة لا يمكن أن يكون فعالًا، إلا إذا استند على حركة شعبية واسعة ولها نفوذها مرهونة بالالتحام الشعبى مع مقاطعة برلمانيين وسياسيين لهم خبرة كبيرة فى العمل السياسى وتيارات سياسية تتمتع بمصداقية وشعبية من خلال إستراتيجية عملية طويلة المدى تتدرج للوصول للإصلاح الشامل، مع العلم بأنه قد تتقلص جدوى المقاطعة فى حال تعزيز دور المراقبين الدوليين للانتخابات بهدف ضمان نزاهتها وعدم تشكيك أى طرف فيها. وفى دائرة الخروج من التنظير إلى التحليل، ومع تسليط الضوء على الحالة المصرية، فإنه فى تقديرى الشخصى يوجد سيناريوهان لا ثالث لهما فى مرحلة ما بعد الانتخابات: الأول: فشل جدوى المقاطعة وصعود الأغلبية الإسلامية فى البرلمان والحكومة، وإعادة حقبة الصراع بين القوى السياسى والتى لا تؤثر بل تساعد على صعود الاستبداد السياسى مثلما حدث فى حالة "عبد الله" بأفغانستان وفى حالة الزعيم "كينيث كاوندا" فى زامبيا عام 1996، وكما هو الحال عندما دعوة المسيحيين اللبنانيين إلى مقاطعة الانتخابات عام 1992 احتجاجًا على النفوذ السورى فى لبنان والذى أدى إلى زيادة عدد أعضاء حزب الله "الشيعى" فى البرلمان بعد أن كان المسيحيون يسيطرون على ثلث عدد البرلمان، والعراق عندما قررت المعارضة "السنية" مقاطعة الانتخابات عام 2005. الثانى: تحول العملية السياسية إلى حرب بالوكالة وشيوع حرب الشوارع وحروب أهلية. مثلما حدث فى صربيا ومقاطعتها الانتخابات عام 1997، ومع ذلك نجاح "سلوبودان ميلوسوفيتش" مما أدخل الدولة فى حرب "كوسوفو". وفى الختام يجب أن نعى أن المراهنة على تكرار جدوى انتخابات 2010، وتسببها فى انفجار تفجير ثورة 25 يناير، رهان فى غير محله وضرباً من خيال، فالثورة لم تقم بسبب هذا، لارتباط انتخابات 2010 بسيناريو التوريث والتزوير الفج، فضلاً عن الكبت الشعبى لأكثر من 30 عاماً، كما أن الأحزاب لم تنجح فى الثورة على النظام وإسقاطه بل كان الفضل بالأساس إلى الحركات السياسية والاحتجاجية التى مثلت البديل لها ذلك الوقت، ويجب الوعى بأن الشعب طفح به الكيل من مظاهر عدم الاستقرار بعد الثورة، وأن هناك قطاعا عريضا يرغب فى الاستقرار بصرف النظر عن ماذا يحدث فى العملية السياسية. من هنا أجد أنه لا جدوى من مقاطعة الانتخابات بل ستكون تكرار لخطأ قامت به بعض القوى السياسية عندما قاطعت انتخابات مجلس الشورى 2012، ولذك أدعو القوى السياسية إلى التعلم من التجربة والخطأ وأن تنظر بعين طويلة المدى وتعد كوادرها وتنشر تنظمتها لتتواصل مع القواعد الشعبية.