لنتأمل هذه المقولة العظيمة لدقائق ونغوص فى معانيها وبين حروفها... اليأس كلمة قليلة الحروف عظيمة الأثر فى النفوس، إذا أصابت سهامها شخصا ما فإنه يكون فى خطر محدق لا محالة. وتأثيرها يكون مختلفا من شخص إلى آخر اعتمادا على عقليته وطريقة تفكيره وعمره وحتى جنسه. اليأس مرضٌ عصرى تجلبه لنا مشاكل العصر المتنامية المختلفة سواء كانت مشاكل تواجهنا أو تحدث لمن حولنا، فتؤثر بشكل سلبى على نظرتنا للحياة وتفقدنا صبرنا لتحقيق ما نتمناه ونحلم به. لكن الخطورة الكبرى تكمن فى ردود الفعل المختلفة التى يظهرها الأشخاص استجابة لهذا الداء. فقد يفقد البعض إيمانه بالله عز وجل ويضّل، وهذا أخطر ما قد يحصل للمرء قال تعالى: "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ(9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّى إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ(10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)". وأيضا من ردود الفعل الخطيرة المؤسفة، أن بعض الأشخاص قد يجدون فى إنهاء حياتهم علاجا لمعاناتهم وهذا فعل الاكتئاب الحاد الذى يولده اليأس المستفحل فى بعض النفوس، فتصبح فكرة الموت هى المسيطرة على عقولهم وكأنها المنفذ الوحيد للخلاص. فيستسلمون لهذا الشيطان دون القدرة على التفكير المنطقى السليم ظنا منهم أنهم بسلوكهم هذا الدرب قد انتهت معاناتهم ومشاكلهم، وهم مخطئون جدا! أما البعض الآخر، قد يصاب بأمراض نفسية وجسدية من فرط التفكير والاستسلام لبراثن الحزن، ويعتقد دوما أنه هو الضحية ولا يستحق ما يصيبه من هموم. اليأس... نفق ملغوم مفخخ بالضياع، ولا أجد شيئا فى ظل هذه الظروف القاسية يجعلنا متماسكين أقوى من التشبث بالإيمان. الإيمان بالله عز وجل إيمانا خالصا عميقا يجعلنا نسلم أمرنا كله له وحده ويجعلنا شاكرين لنعمه. إنه ما يجعلنا نبتسم بالرغم من الآلام والمشاكل والمصاعب التى لا تنفك تتعمد مصادفتنا فى الطريق، لتثنينا عن عزمنا ولترغمنا على تغيير اتجاهاتنا، لكنه وحده فقط المؤمن القوى من يستطيع أن يزيل تلك العثرات عن طريقه ويكمل مسيرته فى هذه الحياة... أما الضعيف المستسلم، هو الذى قد يغير اتجاهه أو يجلس ينوح ويندب حظه أمام تلك العثرات دون أن يستطيع استيعاب أن لديه القوة اللازمة لتحطيم هذه العثرة وإزالتها إذا وسّع نطاق رؤيته من حوله قليلا. نعم... قد لا أستحق ما يحصل لى ولا أنت ولا الكثيرون أيضا قد لا يستحقون ما يصيبهم من مصاعب ومشاكل لا حصر لها، لنا أو حولنا أو للأشخاص الذين نحبهم أو حتى لأوطاننا. لكن الحياة ليست كما يظن الكثير من الناس أنها السعادة والحب والأمان، لا فالحياة هى مستودع كبير يحمل داخل رفوفه الحلو والمر، الموت والعيش، المرض والصحة، السعادة والحزن الحياة ليست إلا طريق نعبرها لهدف أكبر وهو طريق غير معبد محفوف بالمطبات والمغريات التى لا تعد ولا تحصى الحياة.. هى التعب والشقاء والسعى والنجاح والفشل ولن نستطيع أن نتذوق ونميز نكهة السعادة بلا حزن وألم. ولا النجاح بلا فشل... فهذا جزء من المعادلة التى تشكلت عليها حواسنا فلا نستطيع أن نستسيغ الحياة أن كانت بنكهة واحدة لكن السعادة الحقيقية بنظرى القدرة على النهوض عندما تقع، أن تستمر بالمشى رغم العثرات التى تواجهها وأن تبتسم رغم الألم وفوق هذا كله أن يجد الأمل دوما طريقا إلى قلبك يعترض ظلام اليأس ومهما مرت عليك من ظروف وويلات أحمد الله دوما وأشكره ليل نهار بما لديك وما لا يملكه غيرك فأنا وأنت وأفقر إنسان فى هذه الدنيا هو غنى بشكل أو بآخر لو أمعن النظر قليلا فى نفسه ومن حوله لا حياة مع اليأس.. لكى تحيا سويا قويا قادرا على أن تتخطى صعاب هذه الحياة وتبتسم.. ابعد اليأس عن طريقك وأنر قلبك بعمق إيمانك بالله عز وجل والحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه.