قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)﴾ (سورة الحجر).. إذا أردنا أن نعرف الروح؟ أو حتى نعرف كونها أو حقيقتها أو أين توجد، فلن نستطيع أن نعرفها تعريفا دقيقا شاملا، فهى السر الإلهى الذى يهب الحياة للمادة والذى تحيا بوجوده، فإذا سلب الله هذه الإرادة انتهت الحياة بشكلها الدنيوى، وهى نورانية من أمر الله، لها الحياة والبقاء والسمع والبصر تخرق الحجب وتتخطى الحواجز ولا تقفها عوائق ولا تحول بينها وبين مرماها حوائل، وحينما سئل الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) عن الروح ومم تتكون؟ وكيف تهب الحياة للجسد؟ وما شكلها؟ وغيرها من الأسئلة المهمة التى يعجزون عن فهمها والإجابة عليها، هنا نزلت الآية الكريمة (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) أية 85 سورة الإسراء، فقد جعل الله الروح سرا من أسراره سيظل غيبا عنا إلى يوم البعث. وبالرغم أن الروح فى جسدنا، ولكن لا نعرف أين توجد، وما محلها فى الجسد كله؟ فلا نعرف أين؟ وهذا إعجاز من الله لنا ولجميع خلقه، بالرغم من التقدم الهائل الذى وصل العلم له فى البلدان المتقدمة، فلن يعرفوا هذا السر إلى آخر الزمان، فقد احتفظ به الله لنفسه، وتساوى فيه العباد جميعا بعدم معرفته وهذا هو قمة العدل من الله لعباده، وهو أيضا دليل على وجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد فيمن يشككون فى وجود الله، ووحدانيته. فنحن نؤمن بوجود الروح فى أجسادنا دون أن نراها فكيف لا نؤمن بوجود خالقها دون أن نراه؟ ونؤمن بوجود الهواء الذى نستنشقه دون أن نراه والدلائل على وجود الله كثيرة ونؤمن بها، ولكن بقيت الروح لتكون الدليل الأقوى للناس كلهم على وجود الله وأن ما هو فوق قدرة العقل أو ما لا يحيط به العقل موجود وسره عنده وحده وهذا دليل على قدرة الله ووحدانيته، وقد أخفى الله عنا سر الروح فهى لن تفيدنا نحن فى شىء، سواء عرفنا كونها أم لم نعرف فهى تعطينا الحياة والقدرة، وفى ذلك يتساوى فى الانتفاع بها الإنسان الذى بلغ مبلغا كبيرا من العلم وغيره ممن لم يقرأ شيئا، فكلاهما ينتفع بها فيتساوى الجميع أمام الله فى ذلك النفع وعدم المعرفة فهى تخص الله خالقهم ورازقهم وحده ولا يعلم سرها غيره، ولكنها تساؤلات تدور فى خلدنا من وقت لآخر ونصل فى النهاية إلى الإجابة نفسها (الروح من أمر ربى). وكلما كان القلب نقيا كانت الروح مطلقة، فيجب علينا أن نحرص على تطهير قلوبنا وتنظيفها دائما، مما علق بها من شوائب كى تنطلق الروح وتعلو وتصل لمكانتها العالية عند الله، وذلك يكون بالذكر الكثير لله، عز وجل، وتصل الروح لأعلى مكانتها عند الله إذا داوم العبد على الإكثار من الطاعات والذكر فى كل الأوقات قال تعالى: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض) آل عمران: 191. والقلب له علاقة كبيرة بالنفس والروح، وله وظيفتان مادية ومعنوية، فهو لا ينام ويعمل بانتظام سبحان الله سبحان من علمه وسيره، وهو أيضا مركز التأثر بالعواطف والحب والخوف والحذر والزهد والورع، وغيرها من القناعة والرضا والطمع والشوق والشك والإيمان والذكر والحقد والكراهية والصدق والكذب والكثير من العواطف والانفعالات فيخفق لها القلب ويتأثر بها ومن دليل ذلك قوله تعالى (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور) سورة الحج: 46. و(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)، و(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِى كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) سورة البقرة:74، كل هذه الآيات التى تبين مدى تأثر القلب بالعواطف والانفعالات، وعندما وسوس الشيطان للإنسان وسوس له فى صدره قال تعالى: (من شر الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس)، مما يؤثر ذلك على الروح أيضاً تأثيراً كبيراً، فعلينا أن نثقل روحنا ونهذبها ونعلمها ونقومها، وأن لا تكون الدنيا مبلغ علمنا وأكثر همنا وشغلنا. ويقول الرسول الكريم، مصورا الدنيا بأنها وقت قصير فى رحلة الحياة الكبرى فيقول: (مالى والدنيا؟ ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم رحل وتركها، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم). حافظوا على نقاء وصفاء روحكم بالتقرب إلى الله، عز وجل، بحسن أعمالكم والعمل على رضاه ومحبته.