أقامت الدار المصرية اللبنانية للنشر، بالأمس، ندوة فكرية ضمن فعاليات الدورة الرابعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، لإطلاق سلسلة "كلاسيكيات" أدارها الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، وتحدّث فيها الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة السابق، والشاعر الكبير فاروق شوشة، والكاتب الصحفى الباحث فى تاريخ الفكر المصرى حلمى النمنم، ورئيس مجلس إدارة دار الهلال الصحفية السابق والناشر محمد رشاد، رئيس مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية. وقال فضل إن صدور هذه السلسلة العظيمة لهى حدث مهم للحياة الثقافية والفكرية العربية، وعلامة فارقة فى تاريخ الدار المصرية اللبنانية فقد أثبتت بهذا الفعل الثقافى الكبير، أن دار النشر لا تتوقف رسالتها على الإطلاق، عند تجارة الكتب وتسويقها، بل هى معنية أيضًا بصناعة وإنتاج المعرفة فى شتى جوانبها، وأشكالها، وذلك باختيارها وتبنيها لمثل هذه المشروعات الكبرى، وحين تصطفى من الحياة الثقافية والفكرية والإبداعية أغلى دررها لتقدمها بطريقة علمية وشيَّقة. وأوضح فضل أن تقديم هذه السلسلة لدليل على وعى الدار بأهمية اللحظة التى نعيشها الآن وجوهر المأزق السياسى الذى هو وليد طبيعى للمأزق الثقافى، ولتثبت أن مصر خلال القرن العشرين أنجزت تأسيسًا معرفيًا وثقافيًا حقيقيًّا لنهضة العرب جميعًا، ثم خطت خطوة جريئة بثورتها الجريئة فى يناير قبل عامين، قبل أن تفاجأ مَنْ يتولى السلطة فيها، بعد ثورة، من يحاولون القيام بردة ثقافية جاهلة مجردين مصر من أهم أسلحتها فى محيطها العربى والأفريقى، وهو الثقافة والفكر. وقال محمد رشاد، إن الغرض من نشر هذه السلسلة الجديدة يتمثل فى عدة أهداف منها أننا لاحظنا أن الشباب خصوصًا الذين يحاولون كتابة الأدب لغتهم ضعيفة برغم أن لديهم أفكارًا جميلة ورؤى عصرية، فحاولنا ربطهم بتراثهم القريب، كما أن بعض الكتَّاب الراسخين يجهلون هذا التراث أيضًا. وأضاف: سألت نفسى سؤالا لماذا يهتم الغرب بتقديم تراثه دائمًا فى طبعات عصرية، ويقدمها تقديمًا جديدًا للشباب هناك، ونحن هنا لا نفعل الأمر نفسه مع شبابنا، بل إن بعضنا يحاول تقديم التراث الغربى على أنه التراث الوحيد للإنسانية وتلك مغالطة، فلدينا نحن أيضًا تراثنا العظيم الذى يستحق التقديم. وأخيرًا، ومع بروز الإسلام فى الجدل العام السياسى والاجتماعى، ومحاولة البعض تقديم صورة مشوّهة عنه، رأينا أن نقدّم إنجازات الحضارة الإسلامية فى الثقافة والأدب، التى تدل على رحابة واتساع وتسامح هذا الدين الجليل للأجيال الجديدة لوضعهم فى قلب الصورة الصحيحة له حتى لا يقعوا فى التطرف والتعصب. من ناحيته، ثمَّن الشاعر فاروق شوشة الدور الذى تقوم به الدار المصرية اللبنانية، ووصفه بالفاهم الواعى بمشكلات بلده وعصره قائلا: إن السلسلة إنجاز ثقافى وحضارى، ثقافى من حيث إتاحته لكنوز التراث القريب للقارئ المصرى الحديث، فى امتداد طبيعى لعطاء مصر الثقافى. وحضارى بما أنه يحيى الذاكرة المصرية بروائع الأدب الكلاسيكى، وهى سلسلة تمثل إحياء لذاكرة جيلى، وغرسًا لذاكرة جديدة، هى ذاكرة شباب هذه الأيام لأن هذه الأعمال التى قامت السلسلة بنشرها حتى الآن تعد صانعة اللغة العربية العصرية، وقد استطاع أحمد أمين، ومحمد حسين هيكل ومصطفى لطفى المنفلوطى أن يقدموا دفاعًا مجيدًا عن الإسلام وحضارته كل فى مجاله. ووصف فاروق شوشة علاقته بالدار المصرية اللبنانية بأنها تتجاوز فكرة المؤلف مع ناشره "حيث إننى وجدت فى الدار المصرية اللبنانية بيتى الذى أستريح فيه، وأشعر بالطمأنينة وهو بيت كل عناصره مكرسة لرسالة نبيلة وأصيلة هى بث للمعرفة وتعميق التنوير". وأوضح جابر عصفور فى كلمته، أهمية ما قامت به الدّار المصرية، موضحًا أن الناشر أثبت أن دار النشر أصبحت لها فلسفة فى عالمنا العربى، وذلك بخلق التوازن فيما تنشر، وأن الناشر محمد رشاد وأبناءه يجدون متعة فى خلق توجه عام تحرص عليه الدار المصرية اللبنانية، وهو توجه لا يفقد الدار هويتها، بل يميزها بين دور النشر الأخرى بما تخلقه من توازن بين الأصالة والمعاصرة فى تناغم بينهما، بحيث لا تطغى المعاصرة على الأصالة والعكس صحيح تمامًا. وضع الكاتب الصحفى حلمى النمنم، سلسلة كلاسيكيات والدار المصرية اللبنانية ضمن سياقهما التاريخى والاجتماعى ومن هنا تأتى أهمية ما قدمته هذه السلسلة للقارئ العربى شارحًا وجهة نظره قائلا: نحن فى سياق معرض القاهرة الدولى للكتاب وعلاقتى به ممتدة منذ سنوات متابعًا ومنظمًا، ولهذا أحيى رئيس المعرض الدكتور أحمد مجاهد، فنحن فى ظرف يحاول فيه بعض الجهلاء ممّن وصلوا إلى الحكم تغيير هوية المعرض، وهو الأمر الذى وصفه النمنم بالجحود والنكران، فمعرض الكتاب طوال تاريخه كان النافذة التى قدّم من خلالها المفكرون والمثقفون المصريون نقدهم وهجومهم على النظام السابق، ومن الخطأ أن يأتى أحد الآن ويتصوّر أن بإمكانه – إنكار المعرض ودور المثقفين. وأشار "النمنم" إلى أهمية ما قامت به الدار المصرية اللبنانية حوّل النشر من مهنة إلى رسالة نبيلة رسالة ثقافية ومعرفية ووطنية، وهو دور تقوم به الدار منذ سنوات طويلة، ورأى أن الناشر يؤدى دوره بشرف وكبرياء لأنه يعرف دوره. ووصف حلمى النمنم سلسلة كلاسيكيات بأنها استمرار لمدينة الدولة المصرية.