عقود مرت دون أن يكون للشعب صوت أو رأى فى اختيار رئيسه، ستون عاما والمصريون مجبرون على العيش فى كنف الحكم العسكرى حتى جاءت ثورة يناير - التى مر على اندلاعها عامان - وأصبح بمقدور كل فرد الحق فى اختيار الرئيس. مواصفات وأمان ذهب إليها خيال المواطنين وحلموا بتوافرها فى رئيس الثورة المنتخب بعدما كان الوطن يرتع فيه الفساد تحت قبضة المخلوع حسنى مبارك وحاشيته التى تدخلت فى السلطات التشريعية والقضائية وتصرفت فى أموال وممتلكات الشعب كما حلا لها. شارك المصريون جميعا إذن فى رسم الصورة لرئيسهم بعد الثورة وخرجوا يطالبون برئيس مدنى مستقل محدد الصلاحيات، واجتهدوا فى تحديد مواصفاته واجتمعوا عليها خاصة فى فترة الانتخابات الرئاسية التى تسابق على الفوز بها نحو 12 مرشحا إضافة إلى الفريق أحمد شفيق لإثبات تواجد تلك الصفات فى كل منهم. الصفات التى طالب الشعب أو غالبيته بتوافرها فى رئيسهم تمثلت فى أن يكون من خارج منظومة الفساد السابقة.. حازمًا حاسمًا، يفرض هيبة الدولة فى الداخل والخارج ويرفض التبعية للغرب، ويمتلك رؤية وطنية واضحة ومهارة غير معتادة، وذكاء حادا، ورباطة جأش، وقدرة على التحكم فى النفس، وعدم الانفعال ومراوغة الأعداء وإجادة التعامل مع كل التيارات والقوى السياسية وتحقيق العدالة والقصاص لشهداء الثورة. كما شملت قائمة الصفات أن يكون الرئيس قادرا على اتخاذ القرارات الحاسمة ووضع حلول جذرية للمشاكل التى يعانيها المجتمع وتسبب فيها النظام البائد مثل ارتفاع معدلات البطالة وقلة الدخل، وغلاء الأسعار، وعدم توافر المساكن الاقتصادية، والفقر، وانتشار الأمراض، فى ظل غياب الرعاية الصحية لمحدودى الدخل، وتفحل ظاهرة العشوائيات، وزيادة معدلات الجريمة، والانفلات الأمنى، والتدهور الاقتصادى، وتلبية المطالب الفئوية، ووأد الاضطرابات. واشترط الثوار أن ينص دستور البلاد الجديد على صلاحيات محددة للرئيس حتى لا تتكرر أخطاء الماضى خاصة بعدما نص الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011 على 87 صلاحية له أبرزها «تعيين أعضاء فى مجلس الشعب، دعوة مجلسى الشعب والشورى لعقد دورته العادية وفضها والدعوة لاجتماع غير عادى وفضه، وحق إصدار القوانين والاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل والخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم، تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون، واعتماد ممثلى الدول الأجنبية السياسيين». وجاءت الانتخابات الرئاسية ولم يصعد إلى جولة الإعادة إلا الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسى الذى حصد كثيرا من الأصوات كرها فى عودة النظام السابق وبعد فوزه اختلفت النظرة أو تباينت إلى هذه المطالب، وبدأ المؤيدون له وعلى وجه الخصوص أعضاء جماعة الإخوان وباقى التيارات الإسلامية فى الدفاع عن قراراته وتبريرها بصرف النظر عن بعدها عن مطالب الثورة التى أدانت كل ما فعله نظام مبارك وما اتخذه من قرارات منفردة وتمتعه بسلطات واسعة فيما اكتفت المعارضة بتصيد أخطاء الرئيس مرسى. بدأ الرئيس مرحلة جديدة مع الشعب الذى توسم فيه خيرا بعد التعهد بتنفيذ مجموعة من الوعود الإصلاحية خلال المائة يوم الأولى من حكمه بقطاعات مختفلة «الوقود، الخبز، النظافة، الأمن، والمرور» لكن المدة انتهت دون تحقيق إنجازات تذكر، وظهرت صورتان مقابل أصل واحد أمام الشعب، الأولى: ارتسمت فى أذهان القوى المعارضة ورأت أن الرئيس عجز عن تحقيق أول مهام مكلف بها فى حين رأى الفصيل الإسلامى أن مرسى اجتهد قدر المستطاع للتخلص من مشاكل يعانى منها المجتمع منذ عقود. هنا بدأت أحلام عدد من أفراد الشعب تتبدد فى رئيسهم خاصة مع سقوط شهداء جدد بذكرى أحداث محمد محمود، والاتحادية، ومع إصداره للإعلان الدسورى الذى تضمن تحصين قراراته من الطعن عليها ومنع حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور أو مجلس الشورى، استشعر المعارضون أن هذه القرارات تخلق فرعونا جديدا، وتضع للرئيس صلاحيات لا حد لها، عكس ما كان يرجوه المصريون، كما استشعروا أن البلاد تدار من مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعدما رفض الرئيس حل الجمعية التأسيسية وإسقاط الدستور الذى جاء مخيبا للآمال، ويمرر الصلاحيات الواسعة التى تمتع بها الرؤساء السابقون إلى الرئيس الحالى. رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، قال إن الثوار أرادوا رئيسا يحقق أهداف الثورة، بينما مرسى يحقق عكس هذه الأهداف، فلم يوفر الخبز ولا العدالة والحرية، وأصبحنا نتجه إلى أخونة الدولة ونفتقد يوما بعد يوم الحرية والديمقراطية. وأضاف السعيد: نريد رئيسا لكل المصريين وليس لفصيل معين يسعى لتحقيق مصالح خاصة، فى ظل القرارات التى يتم التراجع عنها والمستشارين الذين يتم اختيارهم، لافتا إلى أنه كان ينبغى على الرئيس أن يضع فى حسبانه الفئة التى اختارته كراهية فى شفيق ويثبت أنه رئيسا لكل المصريين وقادرا على اتخاذ القرار، وأن يكون اختياره لكل مفاصل الدولة وفقا للخبرة وليس الولاء للجماعة، ومن المفترض أن يصدر تعهد واضح بعدم التغيير فى الهيكل الخاص بالإدارة المحلية حتى لا نصبح أمام محافظين ينتمون للجماعة، وبالتالى لا نضمن نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة.