روسيا تفرج عن سفينة مصرية محملة ب 63 ألف طن قمح بعد احتجازها أكثر من شهر    البنك المركزي المصري يصدر قواعدا جديدة لتملك رؤوس أموال البنوك وعمليات الإندماج والاستحواذ    الاقتصاد الأمريكي يضيف 175 ألف وظيفة في أبريل ومعدل البطالة يرتفع إلى 3.9%    «المركزي للتعمير» ينفذ محور الخارجة/ سوهاج بطول 142 كم    موظفون ب ميتا ينتقدون تحيز الشركة ضد المحتوي الداعم لفلسطيني    بعد الانتصار على التعاون، ماذا يحتاج الهلال للفوز بالدوري السعودي؟    غيابات مؤثرة تضرب بايرن ميونخ قبل مباراته أمام شتوتجارت    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    العناية الإلهية تنقذ شابا انقلبت سيارته في ترعة يالغربية (صور)    فيلم السرب.. أحمد السقا يوجه الشكر لسائق دبابة أنقذه من الموت: كان زماني بلوبيف    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    تخصيص 8 مكاتب لتلقي شكاوى المواطنين بالمنشآت الصحية في الوادي الجديد    آصف ملحم: الهجمات السيبرانية الروسية تجاه ألمانيا مستمرة .. فيديو    الروس والأمريكان في قاعدة عسكرية واحدة .. النيجر على صفيح ساخن    أمين القبائل العربية: تأسيس الاتحاد جاء في توقيت مناسب    طليعة المهن    إعفاء 25% لطلاب دراسات عليا عين شمس ذوي الهمم من المصروفات الدراسية    علاء نبيل: لا صحة لإقامة دورات الرخصة C وهذا موعد الرخصة A    هل تتكرر قصة تشافي؟ توخيل: هذا ردي بشأن الاستمرار مع بايرن    استقبال حافل من جمهور مني الشاذلي لأبطال فريق الجودو.. فيديو    مدير مشروعات ابدأ : طرح مشكلات المستثمرين على موقع المبادرة وحلّها لإتمام أنشطتهم    ميكانيكي يشعل النار في أرض زراعية بأسوان بسبب خلافات جيرة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    تشيع جثمان عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف    بالإنفوجراف.. 8 تكليفات رئاسية ترسم خريطة مستقبل العمل في مصر    الأمين العام للأمم المتحدة: أشعر بالصدمة إزاء مقتل الصحفيين في حرب إسرائيل على غزة    إلهام شاهين تحتفي بماجدة الرومي بعد إحيائها حفلا بقصر عابدين: نورتي بلدك الثاني    باتمان يظهر في معرض أبو ظبي للكتاب .. شاهد    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    دعاء يوم الجمعة عند الغروب.. استغل اليوم من أوله لآخره في الطاعات    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    رغم تحذيرات دولية.. هل تقتحم قوات الدعم السريع الفاشر؟    حسن بخيت يكتب عن : يا رواد مواقع التواصل الإجتماعي .. كفوا عن مهاجمة العلماء ولا تكونوا كالذباب .. " أليس منكم رجل رشيد "    حبس 9 أشخاص على ذمة التحقيقات في مشاجرة بالمولوتوف بين عائلتين ب قنا    مُنع من الكلام.. أحمد رزق يجري عملية جراحية في "الفك"    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    الصحة: تكثيف الرقابة على أماكن تصنيع وعرض وبيع الأسماك المملحة والمدخنة    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    موعد بدء امتحانات الصف الخامس الابتدائي آخر العام 2024 محافظة القليوبية    أخبار الأهلي : اتحاد الكرة يعلن عن تطور جديد في أزمة حسين الشحات ومحمد الشيبي    انتظروا الشخصية دي قريبًا.. محمد لطفي يشارك صورة من كواليس أحد أعماله    محافظ الغربية يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغز إجهاض النساء فى عرب أبو ساعد جنوب القاهرة .. 25 ألف نسمة يستنشقون ملوثات مئات المصانع.. تشوه الأجنة أفقد النساء حلم الأمومة.. التلوث يصيب السكان بالسرطان.. وأطباء يناشدون «الصحة» بدراسة الظاهرة
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 01 - 2013

وقف «خليل إبراهيم» مع الطبيب الشاب فى مستشفى أبوالريش للأطفال، أثناء فحصه الدقيق لرضيعته أسماء، التى لم تبلغ يومها الخامس بعد، والمصابة بحالة تسمم مزمن فى الدم منذ ولادتها، وقبل أن يسأل الطبيب، عن سبب الحيرة التى ارتسمت على وجهه، قال له «ابنتك تعرضت لمصدر تلوث شديد، والعلاج ربما لن يجدى نفعاً فى حالتها».
كلمات الطبيب أحرقت قلب خليل وأصابته بحالة ذهول، فاق منها على نصيحة أخيرة منه، بأن يعود بها إلى البيت، لتقضى أيامها المتبقية فى الحياة بين إخوتها التسعة وأمها، التى لم يتوقف بكاؤها على مولودتها. خليل أخذ بنصيحة الطبيب، وعاد إلى منزله، فى منطقة عرب أبوساعد، الحائرة بين حيى الصف وحلوان، وكأن المشاكل البيئية التى تعانى منها المنطقة غير كافية، حتى يزيد سوء التنظيم الإدارى، والقرارات المتضاربة، من مأساة المنطقة، وإهمال المسؤولين لها، منذ قيام الثورة، وفى طريق العودة، وضع خليل صغيرته فى المقعد المجاور له بعربته نصف النقل، وبدأ فى مناغاتها، ومحاولة تهدئة صراخها، الذى ازداد ضعفا، وتحول إلى أنين يسمع بالكاد، قبل أن يتوقف تماما، لتموت أسماء فى منتصف الطريق، ويدفنها خليل، قبل الاحتفال ب«سبوعها».
تشوه الأجنة
مأساة أسماء تتشابه مع حكاية مئات من الأطفال بمنطقة عرب أبوساعد، ممن يولدون بعيوب خلقية وتشوهات، ويتوازى ذلك مع مئات من حالات الإجهاض المتكرر، التى تتعرض لها نساء المنطقة، التى رصدتها «اليوم السابع» خلال تحقيق استغرق إنجازه أربعة أيام، رصدنا خلاله عشرات من حالات تشوه الأجنة والإجهاض المتكرر، والحصول على تقارير طبية، تفيد انتشار الظاهرة، وأن أسبابها ترجع إلى التلوث البيئى، وتعرض النساء الحوامل والأجنة فى بطون أمهاتهن للعديد من مصادر التلوث، فضلا على الأمراض الأخرى المنتشرة بين سكان المنطقة، وتصيب الجهاز التنفسى، كالربو الشعبى، وسرطان الرئة، الأمر الذى يجعل الصيدليات المحدودة بالمنطقة، تكاد لا تصرف غير أدوية الحمل، وما بعد الإجهاض، وأجهزة الحساسية الصدرية الخاصة بتوسيع الشعب الهوائية، فضلا على جهاز شفط البلغم، الذى يستخدم فى حالة النوبات الرئوية الحادة.
على أى حال إذا كنت تزور منطقة عرب أبوساعد للمرة الأولى، فإنك بالتأكيد ستصاب بحالة من الكآبة، مصحوبة بنوبة من السعال، بفعل مئات المداخن التى تحيط بالكتلة السكانية، وتطلق سمومها فى سماء أبوساعد الرمادية يوميا، وتزيد من بؤس سكان تلك المنطقة العشوائية، وتتسبب فى إصابتهم بأمراض مزمنة، ومع ذلك فهم يعجزون عن التعبير عن مأساتهم، فلا تجدهم على صلة بالمنظمات الحقوقية، ولا تجدهم ممن يستطيعون استخدام وسائل الإعلام المختلفة فى نشر مشاكلهم.
يزيد الأمر تعقيدا طبيعة مجتمع عرب أبوساعد المتحفظة، فالسكان الذين يبلغون 25 ألف نسمة، أغلبهم من «العربان»، الذين يعيشون فى مجتمعات شبه منعزلة، يتباهون بقدرتهم على تنظيم مجتمعهم بالجهود الذاتية والمجالس العرفية، التى تلعب دورا أساسيا فى المجتمع، يفوق أيا من مؤسسات الدولة الرسمية الأخرى.
واجهت «اليوم السابع» صعوبة فى اختراق هذا المجتمع المتحفظ، وحث الأهالى على سرد ما تعرضوا له من أضرار بسبب التلوث، فالبعض بات يرى الأمر عاديا، بينما يرجع آخرون الإجهاض المتكرر وتشوه الأجنة إلى القضاء والقدر، وعجز فريق ثالث عن التعبير، واشترطت أغلب نساء المنطقة عدم ذكر أسمائهن كاملة، فيما حذر الرجال بشكل متكرر «ممنوع التقاط صور للحريم».
تتعدد مصادر التلوث فى منطقة عرب أبوساعد، بجنوب حلوان، أحد أكثر المناطق الملوثة على مستوى الجمهورية، وفقا لعدد من الدراسات البيئية السابقة، وتتنوع مصادر التلوث بين نواتج مئات من مصانع الطوب، ومصنع للكوك، ومصنعى الحديد والأعلاف، فيما يطرح إنشاء مصنع جديد للسماد منذ سبع سنوات مضت العديد من علامات الاستفهام.. فإن كنا نلوم المساكن العشوائية على زحفها حول المصانع الصناعية القديمة، قبل سنوات من صدور قانون البيئة رقم 94 لسنة 1994، فكيف يمكن تفسير السماح بإنشاء مصنع جديد للسماد قرب الكتلة السكانية، ووسط تلك المنطقة التى تعد كارثة بيئية، وفقا لعدد من الدراسات والتقارير البيئية.
فى منطقة أبوساعد حكاية تتناقل عن خداع مارسته شركة السماد، من أجل الحصول على الترخيص اللازم لبنائها، فقبل إنشاء المصنع عام 2005، انتشرت أخبار فى المنطقة تفيد بنية رجل أعمال صالح التبرع لأهالى المنطقة بثلاثة ملايين جنيه، وحضر مندوبون عن هذا الرجل، وطالبوا الأهالى بالتوقيع على أوراق، كشرط للحصول على تبرعات، بعدها رحلوا، ولم يحصل أى من أهالى القرية على شىء، فى حين لوحت إدارة شركة الأسمنت بتلك التوقيعات فى وقت لاحق، أثناء احتجاج الأهالى ضد إنشاء المصنع، كدليل على موافقة الأهالى السابقة على بناء المصنع.
وعلى الموقع الإلكترونى لشركة السماد بمنطقة عرب أبوساعد معلومات تفيد بكونها شركة مساهمة مصرية، عدد ملاكها 13 شركة وبنكا، منها شركة أبوقير للأسمدة والكيماويات، وأنشئت عام 2004، على مساحة 150 ألف كيلومتر مربع، ورغم ما تبرزه الشركة عبر موقعها من تقارير بيئية تفيد بعدم تعديها نسبة التلوث المسموح بها، وفقا لقانون البيئة، فإن فى ملاصقتها للكتلة السكانية مخالفة صارخة، حيث ينص القانون على ضرورة أن تبتعد المصانع عن الكتلة السكانية بمسافة 20 كيلومترا، فى حين بنى المصنع داخل منطقة عرب الشرفا، التابعة لمنطقة عرب أبوساعد.
كما أن قانون البيئة يشترط فى مادته ال34 «أن يكون الموقع الذى يقام عليه المشروع مناسبا لنشاط المنشأة بما يضمن عدم تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء، وأن تكون جملة التلوث الناتج عن مجموع المنشآت فى منطقة واحدة فى الحدود المصرح بها»، فكيف يسمح بإضافة مصنع سماد جديد إلى منطقة حلوان التى تزيد فيها معدلات التلوث البيئة، وسبق أن أصدرت الحكومة قرارات قبل بضع سنوات من قيام الثورة، تفيد بضرورة نقل الصناعات الثقيلة والملوثة من منطقة حلوان.
كارثة بيئية
ويعتصم سكان منطقة عرب أبوساعد منذ عدة أيام حول شركة السماد، التى وعدت إدارتها منذ أيام بانتداب فريق بيئى محايد، لقياس معدلات التلوث الخاصة بالمصنع، وتحديد مدى خطورتها على السكان، لكن أيا من تلك الوعود لم ينفذ، تماما كوعود إدارة الشركة السابقة، ببناء مستشفى لعلاج المرضى داخل أبوساعد، وإنشاء حديقة، وهو تقليد يتبعه عدد من المصانع فى العالم، كطريقة لتعويض ما تسببه للبيئة المحيطة من خسائر، ولا ينبغى مع ذلك إهمال تأثير 1300 مصنع طوب، تحيط بأبوساعد، ومصنع الكوك، أحد المصانع الملوثة فى منطقة حلوان الصناعية.
وذكرت دراسة حديثة، أعدها دكتور حمدى هاشم، حول التلوث البيئى بمنطقة حلوان، أن شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية تلقى بنحو %56 من مخلفاتها الصلبة شديدة الخطورة، مثل الرواسب القطرانية والقطران الحمضى، ومكونات خطرة أخرى، وذلك فى برك خاصة داخل أسوار المصنع، كما يصرف المصنع يوميا نحو 6000 متر مكعب من مخلفاته فى مياه النهر، التى تحتوى على نسبة من المواد السامة والسيانيد، وبلغت أحيانا 6 مرات أكبر من النسبة القانونية المسموح بها.
كما ذكرت نفس الدراسة أن مصانع الطوب تحرق يوميا مئات الأطنان من المازوت عالى الكبريت، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة تركيز غاز الكبريتات فى الهواء، وإن كانت مئات من تلك المصانع بدأت فى استخدام الغاز الطبيعى، كما يؤكد محمد أحمد صاحب أحد مصانع الطوب، الذى أكد أن الحى يفرض غرامة كبيرة على كل من يرفض التحول إلى الغاز الطبيعى، وهو الأمر الذى وافق عليه أصحاب تلك المصانع، نظرا للتكلفة المنخفضة للغاز الطبيعى بالمقارنة بالمازوت، وذلك مقابل خفض محدود فى كمية الإنتاج.
تصريح بالدفن
وبداخل كل من بيوت المنطقة يمتزج الحزن بالفرح، فالحمل بات مرتبطا بحالات الإجهاض المتكررة، وقرب ميعاد الولادة مرتبطا باكتشاف حالات التشوه الخلقى، أما استخراج شهادة الميلاد، فأحيانا ما يكون بغرض الحصول على إذن بالدفن، كما حدث مع «نوسة»، الأم الشابة، التى فقدت طفليها التوأم، مروان وزياد، بعد أن تعرضت للإجهاض فى شهرها الثامن، وقال لها الطبيب إن سبب وفاة الطفلين هو ضعف رئتيهما، وإصابتهما بتشوه فى الجهاز التنفسى.
تكشف نوسة والدموع تملأ عينيها، كيف أسعدها خبر حملها، خاصة بعد أن علمت أن فى بطنها توأما، رغم أن لها ولدا وبنتا، فهى كسائر نساء منطقة عرب أبوساعد، تعتز «بكثرة العيال»، وتعتبرهم «عزوة»، ومدعاة لفخر زوجها، وتأتى غريزة الأمومة لدى نوسة، لتجعل فرحتها مضاعفة، رغم الخوف الذى يفرض منطقه على النساء الحوامل بمنطقة عرب أبوساعد، بسبب حالات الإجهاض المتكررة.
تقول نوسة: «فى كل يوم بطنى كانت تكبر، كنت بحمد ربنا، وفى نفس الوقت بخاف»، مضيفة أن الطبيب كان دائما ما يطمئنها، خاصة أن ابنيها الآخرين بصحة جيدة.
وفى الشهر الثامن من الحمل، جهزت نوسة ملابس التوأمين القادمين، فهما قطعا سيحتاجان إلى «غيارات كتيرة»، واهتمام مضاعف، لكن الله سيعين الأم الشابة حتما، التى لا تعرف من الحياة غير سماء منطقة عرب أبوساعد الممتلئة بالمداخن الملوثة، وبيتها المتواضع فى عرب أبوساعد، حيث ستستقبل رضيعيها فى فرحة، لكن الطبيب كان له رأى آخر، فحالة الجهاز التنفسى لدى الطفلين غير طبيعية، ومن المتوقع أن يموتا فى أى لحظة، لذلك أمر الطبيب بحجز نوسة فى المستشفى، لحين نفاذ قضاء الله، وبالفعل، أجريت لنوسة عملية قيصرية لاستخراج الطفلين الميتين بداخلها، ولكى تتمكن أسرة نوسة من الحصول على تصريح بدفن الرضيعين، كان عليها أن تستخرج لهما شهادة وفاة أولا، كتب على طرفها تاريخ الوفاة، ليوارى الثرى الطفلين، دون أن تعرف نوسة لون عيونهما، وما إذا كانا سيشبهانها، أم سيشبهان زوجها الحبيب.
تكرار ظاهرة الإجهاض دفع خالد أبوساعد، أحد النشطاء بمنطقة أبوساعد، إلى مطالبة عدد من الأطباء بشهادات تفيد ذلك، خاصة أن نساء المنطقة يترددن على أطباء بعينهم، فى منطقة حلوان تحديدا، نظرا لانعدام الخدمات الصحية فى منطقة عرب أبوساعد، واقتصارها على وحدة صحية، لا يتواجد بها أطباء بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا، وفى الوقت الذى يحاول فيه خالد التواصل مع أكبر عدد ممكن من المنظمات الحكومية، يعتصم عشرات من الأهالى أمام مصنع السماد القريب من الكتلة السكانية، حيث يعتقد الأهالى أن المصنع هو سبب تكرار حالات تشوه الأجنة، والإجهاض المتكرر، بسبب ما يصدره من ملوثات، خاصة أن تلك الحالات لم تظهر قبل إنشاء المصنع بالمنطقة.
غياب الجهات البحثية
الدكتور النشار أكد ما جاء فى التقرير، وأضاف ل«اليوم السابع» أنه لا يستطيع تحديد نسبة محددة لتلك الظاهرة، وإن كان يعتقد أنها كبيرة جدا، وفقا للحالات التى فحصها، مضيفا أنه جهة رصد وليس جهة إحصاء، وللحصول على أرقام دقيقة، ينبغى عمل بحث علمى دقيق حول الظاهرة، واستبعد النشار أن تكون الظاهرة مرتبطة بأى أسباب أخرى غير زيادة معدلات التلوث، فحتى زواج الأقارب لا ينتج عنه مثل تلك الحالات المرضية، مضيفا أن من يذهب إلى منطقة عرب أبوساعد، سيلاحظ بسهولة، مئات المداخن التى تحيط بالقرية، وترمى بسمومها فى الهواء، واصفا حالة التلوث تلك بالمجحفة، التى تحتاج إلى تدخل عاجل من الأجهزة المعنية، لإنقاذ أرواح السكان هناك.
الدكتورة إيمان عبدالله، طبيبة النساء والتوليد، أكدت أن عوامل التلوث المسببة للإجهاض المتكرر للسيدة الحامل، لا يمكن إثباتها علميا، حتى مع ظهور حالات تشوه فى الأجنة، إلا فى حالة التكرار الجماعى، وشيوع الظاهرة، فى المنطقة الواحدة، كما أن النساء اللاتى يلدن ولادات طبيعية، وأطفالا طبيعيين، يسهل إثبات تأثرهن بالتلوث، فى حالة ولادتهن لأطفال مشوهين، بعد ولادات طبيعية، نتيجة لتغير العوامل البيئية، مشيرة إلى إحدى سكان عرب أبوساعد، وهى السيدة أمانى شعبان، التى رزقت بطفلين بصحة جيدة، وتعرضت لخمس عمليات إجهاض بسبب تشوه الجنين، كان آخرها عملية إجهاض فى الأسبوع ال31 من حملها، بسبب عيوب خلقية فى الجنين، تمثلت فى كبر حجم الرأس، مع وجود مياه حول المخ، وتوقف فى النمو. وقد تكررت حكايات ولادة الأجنة المشوهة فى منطقة عرب أبوساعد، وانتشرت حكايات الأطفال المحظوظين، ممن يولدون بتشوهات خلقية محدودة، وتكتب لهم الحياة، كالذين يولدون بشفاه مشقوقة، وأصابع ملتصقة، وتقزم، وتأخر فى النمو، وقلب متضخم، وصمامات مسدودة، وأجهزة تنفس غير مكتملة النمو، وفى حاجة إلى رعاية طبية مكثفة.
الملاك المريض
«اليوم السابع» التقت عددا من هذه الحالات، وفضلت عدم تصوير الأطفال أصحاب التشوهات الخلقية الظاهرة، والاكتفاء بأصحاب العيوب الخلقية الداخلية، كالرضيع محمد المصاب بصديد على القلب، الذى بدا كالملاك النائم، وهو ينتظر ما سيقرره الأطباء فى حالته المرضية، بعد أن يبلغ شهره الأول، ويستطيع أن يتحمل جسده العلاج.
والدته فاطمة احتضنته فى حنان، وبدت هادئة وهى تحكى قصتها مع حالات الإجهاض، التى تكررت مرتين، رغم نجاحها فى ولادة طفل طبيعى، يبلغ العام والنصف، وأثناء حديثها مع «اليوم السابع»، كانت فاطمة تتفحص رضيعها فى حنان، وكأنها تريد أن تستشعر من ملامح وجهه، ما إذا كان يتعرض لأى مضاعفات صحية، لكن نومه الدائم كان يطمئنها، فهو على الأقل لا يشعر بالألم.
تقول فاطمة إنها تحمد الله على كل شىء، فهى أفضل حالا من جاراتها، فقد أجهضت مرتين فقط، كما أن الله رزقها بطفلين، وهى تأمل أن يكتب الله لهما السلامة، هنا انتهى اللقاء القصير بفاطمة التى تخفى بهدوئها لهفة على صحة طفلها المريض، لكن حكايات معاناة نساء المنطقة مع حالات الإجهاض المتكررة، وتشوه الأجنة لم تنته، ففاطمة أجهضت أربع مرات، بينما منع أخوها زوجته من الإنجاب تماما، بعد أن أجهضت لخمس مرات متتالية، وأصبح حملها ينبئ بمزيد من الأعباء المادية والصحية، نفس الأمر تؤكده الحاجة سامية، التى تتشابه حالة ابنتها وزوجة ابنها، مع حالة فاطمة ونساء عائلتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.