وزير المالية: 120 مليار جنيه تسهيلات تمويلية للزراعة والصناعة والسياحة    الإسكان: إنهاء 381 مشروعاً بكفر الشيخ والغربية ودمياط ضمن مبادرة حياة كريمة    إعلام لبنانى: قصف مدفعى إسرائيلى على أطراف كفر كلا والخيام بالجنوب    يورو 2024.. مواجهات حاسمة فى انطلاق الجولة الثانية    الأربعاء 19 يونيو 2024 .. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    «إنفيديا» تتخطى عمالقة شركات التكنولوجيا وتصبح الشركة الأعلى قيمة عالم    لجنة التدريب ب«القومي للمرأة» تناقش خطة عملها الفترة المقبلة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقر خطط معركة لبنان وسط ارتباك داخلي    سعر الذهب يرتفع مع بداية التعاملات الصباحية خلال رابع أيام عيد الأضحى    رابع أيام عيد الأضحى.. سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    وفاة جديدة بين سيدات الغردقة أثناء أداء مناسك الحج.. وأسرتها تقرر دفنها في مكة    «إكسترا نيوز» ترصد مظاهر الاحتفال بالعيد في قنا والقناطر الخيرية (فيديو)    لطلاب الثانوية العامة 2024.. مراجعة ليلة امتحان اللغة العربية    منها «الثور».. 5 أبراج محظوظة ماليًا في النصف الثاني من 2024 (تعرف عليها)    محمد رمضان يعلن غيابه عن موسم دراما رمضان 2025    عصابة المكس يحقق 5.8 مليون جنيه خلال أسبوعه الأول في در العرض    «الصحة» تحدد أفضل طريقة لطهي اللحوم الحمراء: لا تفرطوا في تناولها    الصحة: تنفيذ 129 برنامجا تدريبيا ل10 آلاف من العاملين بالوزارة خلال 3 شهور    برشلونة يحسم موقفه النهائي من حسم صفقة نجم منتخب إسبانيا    أمين عمر لبيراميدز.. حكام مباراتي اليوم الأربعاء في الدوري المصري    «مصر للطيران» تبدأ جسرها الجوي لنقل حجاج بيت الله الحرام إلى أرض الوطن    بعد وصف وزارة العمل علاقتها بمصر بأزهى العصور.. تعرف على المنظمة الدولية    فعالية «توظيف مصر» برعاية «التحالف الوطنى»    الحوثيون: غارات أمريكية بريطانية تستهدف مجمعا حكوميا في مديرية الجبين    القبض على سائق السيارة المتهم بصدم مشجعتي الأهلي ببرج العرب    القناة 12 الإسرائيلية: الجيش لا يزال بعيدا عن تحقيق مهامه برفح    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب المناطق الشمالية في باكستان    بعد تراجع الإمدادات الأمريكية.. هل تعود أوروبا لشراء الغاز الروسي؟    عصابة الماكس.. أفراد تخلت عنهم العائلة وجمعتهم الجريمة    الجمعة.. هاني شنودة يشارك أوركسترا وتريات أوبرا الإسكندرية الاحتفال بيوم الموسيقى العالمي    الحب اليومين دول    ماذا تفعل عند زيارة مقام النبي؟.. 10 آداب واجبة ودعوات مستحبة في الروضة    أسعار البيض اليوم الأربعاء    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    عاجل.. مفاجأة صادمة في تقرير حكم مباراة الزمالك والمصري.. «جوميز في ورطة»    تنسيق الجامعات 2024.. قائمة الجامعات الخاصة المعتمدة بوزارة التعليم العالى    نتائج وترتيب مجموعات يورو 2024 بعد الجولة الأولي    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    سعر الدرهم الإماراتي أمام الجنيه المصري اليوم الأربعاء 19-6-2024    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بقتل زوجته ضربًا في العمرانية    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو موسى: صارحت صدام حسين بأخطاء سياسته.. وغزو الكويت لم يكن ابن ساعتها.. ومصر ودول عربية أخرى عارضت مناقشة مبادرة الشيخ زايد لتنحية الرئيس العراقى
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 11 - 2012

عايش عمرو موسى تقلبات الملف العراقى من موقعه وزيراً لخارجية مصر ثم أميناً عاماً للجامعة العربية، قبل ذلك، قام موسى بمهمة دبلوماسية حساسة لم تكن أقل من إعلان انهيار «مجلس التعاون العربى»، الذى كان يضم مصر والعراق والأردن واليمن.
بعد طرح العراق قيام شكل من التعاون العسكرى والاستخباراتى فى 1989، ساورت القيادة المصرية شكوك حول النوايا الفعلية للعراق. استدعى مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة عمرو موسى إلى القاهرة وطُلب منه نقل رسالة إلى صدام حسين لا تخفى عباراتها الدبلوماسية قرار مصر الخروج من المجلس. ذهب موسى إلى بغداد وقيل له إن الرئيس كان خارجها، فأوجز مضمون الرسالة لنائب الرئيس طه ياسين رمضان الذى فوجئ. وهكذا انهار المجلس، ولهذا يعتقد موسى «أن قرار غزو الكويت لم يكن ابن ساعته»، وأن لهجة المسؤولين العراقيين فى القمة العربية التى عقدت فى بغداد قبل شهور من الغزو كانت مثيرة للتساؤلات. ولاحقاً سيسخر الرئيس حسنى مبارك من وصف صدام له ب «الخفيف»، وسيقول: «هو ده يا تقيل هببت الدنيا على راسك»، وكان يشير إلى النتائج الكارثية للنهج المغامر لصدام.
وفى سبتمبر 2002، نجح موسى فى جهود على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى إعادة التعاون بين المنظمة الدولية ومراقبيها والعراق ما أدى إلى تأجيل قرار الحرب بضعة أشهر.
متى التقيت صدّام حسين؟
- رأيت صدام فى القمة العربية فى بغداد مايو 1990 وقبلها فى قمة أخرى فى الإسكندرية (قمة مجلس التعاون العربى فى الصيف السابق) ثم عندما عُيِّنتُ أميناً عاماً لجامعة الدول العربية. لم ألتقه بصفتى وزيراً للخارجية، بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية (إثر غزو الكويت). ولكن عند تعيينى أميناً عاماً لجامعة الدول العربية زرت بغداد، لأننى قررت أن أزور كل العواصم العربية، وأن ألتقى كل الرؤساء وكبار المسئولين فى جميع الدول العربية، ولم أستثن منها العراق.
عُينت أميناً عاماً للجامعة العربية، وتوليت منصبى فى الأسبوع نفسه الذى عُينت فيه وزيراً للخارجية قبل ذلك بعشر سنوات، أى فى منتصف (مايو) 2001، حيث بقيت عشر سنوات، ثم انتقلت إلى الجامعة.
ذهبت إلى بغداد فى يناير 2002، وأنا مؤمن بأن السياسات التى يتبعها صدام كلها خطأ، من غزو الكويت إلى مواقفه فى القمم العربية وعدم تعاونه مع الدول العربية وعدم تسهيله الأمور لحل المشاكل العربية القائمة، وكنت أندهش من موقفه فى مواجهة الأمم المتحدة. كنت على علم بهذه المواقف، عربياً أو دولياً، حيث كانت معرفتى بكوفى عنان الأمين العام للأمم المتحدة قديمة منذ كان موظفاً فى الأمم المتحدة، وكبرنا سوياً، وأصبح هو أميناً عاماً للأمم المتحدة، وأصبحت أنا مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة ثم وزيراً للخارجية. بعد تعيينى أميناً عاماً للجامعة، عدت ألح عليه بألاّ تُترك قضية مثل قضية العراق من دون دور نشط للأمم المتحدة، هذه مسألة فيها اتهامات نووية للعراق ودور لمراقبين دوليين، فهناك دور سياسى للأمم المتحدة يفوق دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهناك حرب سابقة (مع إيران)، وقد تحدث حرب لاحقة، وأصررت عليه جداً أن يحيى دور الأمم المتحدة، وقلت نحن مستعدون لأى مساعدة. اقترحت عليه إيجاد طريقة لإعادة المراقبين الدوليين، وكنت أرى أنه من الضرورى لنا أن ننهى حالة سيئة جداً، وكان الشعب العراقى بدأ يعانى. بدأتْ اتصالات دولية رفضها صدّام، وقال لى كوفى إن صدّام يرفض كل شيء. المهم أن الزيارة إلى العراق تحددت، وتوجهت إلى بغداد فى 19 يناير 2002.
كيف وجدت العراق؟
- وجدت بغداد بلداً مهجوراً متعباً، بعدما كانت بغداد لا تزال فى ذاكرتى منذ اجتماع القمة العربية فى 1990، حين كان يُعاد بناؤها، أحياء تبنيها شركات كورية وأحياء تبنيها شركات أوروبية، وبدأت بغداد تضم أحياء أنيقة، وكان يُترك فى كل حى بيت أو أكثر على الطراز القديم، لإظهار الفرق بين القديم والحديث، وكان يتم شق طرقات وبناء جسور جديدة. وجدت بغداد 2002 وقد علاها التراب والصدأ وبدَت فى حالة سيئة مؤسفة، وكان فى ذهنى أمران: الأول مهمتى الأساسية كأمين عام والثانى أن أساعد أحد أصدقائى هناك.
أبلغت عنان بتوجهى إلى بغداد، وطلبت منه أن يحمّلنى رسالة إلى صدام، فقال لى أبلِغه أن كوفى أنان مستعد لاستئناف المباحثات مع العراق بشأن المراقبين الدوليين، وطلب منى معرفة ما إذا كان صدّام مستعداً لإنجاح هذه المباحثات. وافقت على نقل الرسالة، وفور وصولى دعانى طه ياسين رمضان وطارق عزيز وناجى صبرى (وزير الخارجية) إلى العشاء فى فندق يطل على القصر الملكى القديم وبغداد التقليدية. قلت لهم خلال العشاء بكل صراحة، إن الأخطاء بدأت من الحرب على إيران وتبلورت بغزو الكويت، وإننى أجد طريقة التعامل العراقية مع مسألة الكويت، سواء عربياً أو دولياً، طريقة غير منتجة وسلبية، والأفضل أن تنظروا إلى طريقة أخرى للتعامل مع الأمم المتحدة. أجابوا: قُلْ له (أى لصدام). ومنهم مَنْ سأل: ما الوضع بعد انتهاء الغزو؟ قلت له إن هذا وضع لم ينته، لأن المرارة التى تركها كبيرة، ليس عند الكويتيين فقط، بل عند الجميع فى العالم العربى، ومواطن مصرى مثلى لا يتقبل فكرة أن تقوم دولة عربية بغزو دولة عربية أخرى، فقالوا لى أيضاً: «قُلْ له». وسألتُ ما لزوم ما حصل؟ كان من الصعب على المسئولين العراقيين أن يعبروا عن حقيقة مواقفهم. كان لديهم شعور بالخطورة عليهم، لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر، وكان من الممكن التكهن بأنهم غير موافقين على ما قام به صدّام وهم يعايشون النتيجة، ولكن معظمهم خائف من صدام.
فى صباح اليوم التالى جاءنى إلى دار الضيافة أحد الضباط ودعانى إلى مرافقته إلى مبنى حكومى من البنايات القديمة التى تشعرك بالعراقة، ثم جاء ضابط أدى التحية العسكرية وقدم نفسه: الفريق عبد حمود (سكرتير الرئيس صدام). بدا رجلاً عسكرياً بشوشاً (أُعدم أخيراً)، وتوجهنا فى سيارة تويوتا لونها بيج قادها هو فى اتجاه طريق المطار ثم أخذنا منعطفاً نحو فيلا كبيرة ووراءنا سيارة عسكرية ثم أخرى فيها أعضاء وفد الجامعة العربية احمد بن حلى، مساعد الأمين العام، الذى أصبح بعد ذلك نائب الأمين العام للجامعة العربية ومدير مكتبَى السفير هشام بدر، الذى أصبح سفير مصر فى جنيف، والسفير الدكتور حسين حسونة، الذى أصبح لاحقاً سفير الجامعة العربية فى واشنطن.
تم حجز بقية الوفد ليدخلوا بعد دخولى منفرداً، ثم فُتح باب على قاعة ضخمة يقف صدّام فى الربع البعيد منها، نزلت درجتين إلى داخل القاعة وتوجهت للسلام على صدّام، الذى تقدم إلى منتصف القاعة، وكان سلاماً عسكرياً جافاً، وليس كالسلام العربى بالأحضان والقبلات. تصافحنا، ورحَّب بى قائلاً: أهلا وسهلا بسيادة الأمين العام، أهلاً وسهلاً بالأخ عمرو، قلت: شكراً يا سيادة الرئيس. وتوجهنا الى ركن جلوسنا، ثم دخل بقية أعضاء الوفد وصافحهم صدام، وجلسنا صفاً واحداً وأمامنا صدام، وإلى جانبه عبد حمود وناجى صبرى الحديثى، وهو شخص ودود وعلى كفاءة عالية ويوحى بالصدقية، لكنه فى الوقت نفسه مغلوب على أمره.
بدأت حديثى مع صدام بطريقة عملية محددة، وربما صارمة (فشعر بن حلى -كما قال لى لاحقاً- أننا لن نغادر بغداد). عدَّدتُ لصدام الأخطاء، مركزاً على عدم التعاون مع الدول العربية ولا التجاوب مع المساعى العربية لتحسين الوضع وتخفيف التوتر، وقلت يا سيادة الرئيس، وبصفة محددة، كان غزو الكويت بداية لمأساة، وقلت له أريد أن أوجه سؤالاً: ما لزوم ما حصل وأنتم ترون نتائج ما حصل؟ والآن على الأقل للخروج من الأزمة عليك التعامل مع الأمم المتحدة، وأنا معى رسالة من كوفى عنان أنه سيكون مستعداً لاستئناف المباحثات إذا كنتم مستعدين لعودة المراقبين والمفتشين الدوليين، وقرارات الأمم المتحدة هى التى تحدد سلطة الأمين العام. قال: أنا مستعد، سألته: يا سيادة الرئيس، هل لديكم أى أسلحة نووية؟ فأجاب: إطلاقاً. وقلت له: اسمح لى أن أسالك السؤال مجدداً: هل لديكم أسلحة نووية؟ (لمحت فى عينيه الدهشة والتوجس من تكرارى السؤال) فرد صدام: ليس لدينا على الإطلاق، قلت له: إذاً لماذا أنت متخوف يا سيادة الرئيس ومتردد من حضور المراقبين الدوليين؟ فقال: لأنهم جواسيس وعملاء لل «سى آى إى». قلت له: ماذا لو عالجنا موضوع الجاسوسية واشترطنا هذا على كوفى أنان، وهو مستعد لمعالجة أى شكوى منطقية للقبول بعودتهم وبما يريحك. فوافق صدّام بعد تردد، قلتُ: أنا سأحمل رسالة الرد أنك يا سيادة الرئيس أولاً مستعد للتفاوض، وأنك ثانياً لا تملك أسلحة نووية، وأنك ثالثاً تخشى من أن يكون عدد كبير من المراقبين، إن لم يكن معظمهم، من الجواسيس، ولكنك مستعد لاستقبالهم إذا قدمت الضمانات الكافية بالنسبة لموضوع التجسس. سألته: هل لديك أى رسالة أخرى؟ قال: نعم، فقد أثرنا الموضوع فى شكوى إلى الأمم المتحدة، ولم تهتم الأمم المتحدة بالرد، قلت له: إذا عالجنا كل ذلك هل ستكون مستعداً؟ قال: نعم أنا مستعد.
بعدها تطرقت إلى السياسة العراقية وسلوكهم فى القمة العربية، وكيف أن الشيخ صباح الأحمد كان يستمع إلى آرائنا كوفود عربية، وإلى وساطتى المقترحة كأمين عام للجامعة العربية بالنسبة للقرارات والصياغات، ولم يعترض، بل كان يُسهل علينا الأمور، وإنما أتى الاعتراض من الجانب العراقى، وهذا ما لا أفهمه، فأنتم فى موقف ضعيف جداً. الجامعة العربية ووفود عربية تستطيع أن تفعل الكثير لعلاج الوضع القائم. لم يرفض طرحي. وهكذا سارت الأمور بعد لقاء استمر ساعتين وثلث الساعة.
لم يتحدث صدّام فى القضايا العربية المختلفة، ولا حاولت أنا أن أثير أى موضوع آخر، بعدما كان العراق البلدَ الكبير الذى يتحدث عالياً فى العلاقات العربية وفى مختلف القضايا، كان صدام يتحدث الآن كرئيس عادى، وبصوت خفيض، ويريد أن يفهم الأمم المتحدة وآلياتها وإمكاناتها. وخرج الوفد ليستقل سياراته من باب وخرج صدام معى لوداعى ومعه وزير خارجيته من باب آخر، ورافقنا عبد حمود. عند خروجنا أشار الرئيس إلى بحيرة إلى اليمين، ودعانى لأرى ما فيها من بَجَع، الأمر الذى أخذ حوالى دقيقة من التأمل والنظر، ولما التفت للسلام على صدّام لشكره وتوديعه، وجدته كما هو، لكن ساورنى شعور لا يزال يساورنى حتى الآن، بأن الشخص الذى يقف أمامى الآن ليس الشخص الذى كنت معه فى القاعة، وخرج معى إلى هذه البقعة ووجهنى لأتفرج على البحيرة وطيورها، رغم أنه يرتدى البدلة نفسها وربطة العنق نفسها وله الشارب نفسه. نعم، ساورنى شعور غريب بأن الشخص الذى أمامى الآن ليس صدّام حسين الذى كنت مجتمعاً به قبل دقائق، والله أعلم، حيث لا دليل لدى على ما أقول، ولكنه مجرد شعور. أوصلنى الى باب السيارة وبقى واقفاً إلى أن تحركت السيارة. فى طريق العودة، ركب معى وزير الخارجية العراقي، وذلك كان اللقاء الوحيد الذى جمعنى مع صدام فى اجتماع خاص، والذى أوضحت له فيه كيف أننا كعرب لم نقبل غزو الكويت والآثار التى ترتبت عن هذا الغزو، ونحن نحاول أن نتعامل مع الوضع. استمع صدّام إلى النقد صامتاً، وعندما ركبنا السيارة قال لى ناجى صبرى إن سيادة الرئيس أمر بهدايا لكل أعضاء الوفد سيارات مرسيدس، فقلت له: أرجوك يا ناجى، هل ترى العراق فى وضع طيب لتُهدونا سيارات مرسيدس؟ هذا ليس وقت سيارات، ولن آخذ لا أنا ولا أى من أعضاء الوفد أياً منها، فحضننى ناجى وقبّلنى شاكراً وانتهت الزيارة، ولكنى وأعضاء الوفد قبلنا عباءات عربية.
الصديق الذى كنت أريد إنقاذه هو الدبلوماسى العراقى العريق رياض القيسى، الذى كان معنا فى الأمم المتحدة. كنت أعرف أنه كان شبهَ محدد الإقامة، ومهدداً ربما فى حياته، وطلبت لقاءه لإعطاء رسالة أن لديه اتصالات، وأن الأمين العام للجامعة تربطه به صلة لعلها تخدمه. وأصررت أن يكون لقاؤه ضمن برنامج الزيارة الرسمي. فأتانى القيسى والتُقطِت لنا صور معاً وأمام الصحفيين لأحاول مساعدته، ووصلت الرسالة إلى المعنيين والحمد لله لم يحدث له شىء طوال عشر سنوات وخرج عقب الغزو الأمريكى مباشرة، وهو يعيش الآن فى قطر.
كنت أميناً عاماً للجامعة العربية عند الغزو الأمريكى للعراق.
- نعم، وكان موقفى واضحاً ضد هذا الغزو، وقلت إن هذا الغزو سيفتح أبواب جهنم على المنطقة وأميركا والجميع، وهو ما نشرته وكالات الأنباء وعلقت عليه وسائل إعلام عالمية، منها «تايم» و «نيوزويك» و«الإيكونوميست» وغيرها، والغريب أنه فى 24 سبتمبر 2012، نشرت صحيفة ال «هافنغتون بوست» الأمريكية مقالاً تضمن الفقرة التالية:
«فى العام 2003، قام الدبلوماسى المصرى عمرو موسى بتحذير إدارة الرئيس جورج بوش من أن غزوها العراق قد يفتح أبواب الجحيم. بالطبع لم تلقِ واشنطن أى بال لهذا التحذير، لأنه لم يكن ديكتاتوراً أو عسكرياً، وإنما أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، ولا يريدونه أن يفسر لهم الواقع. الحقيقة أنه لم يكن من الممكن أن تكون رؤيته أدق مما كانت. للأسف، ضاع الكثير من الوقت، اختراقات كثيرة، فوضى عارمة، الملايين من اللاجئين وحرب أهلية مريرة (تتكرر الآن فى سوريا). وامتلأت القبور بالجثث قبل أن يبدأ الربيع العربى، سميت هذه الحركة تيمناً بفصل مجدد واعد، كانت هناك حقيقة مغايرة تماماً: نظام كامل طالما حكم منطقة غاية فى الحيوية أصبح فى طريقه إلى الزوال التام».
(Huff post: Obama Against the World
Tom Dispatch: 24- 09- 2012)
لقد أدى هذا الغزو إلى قلب الأمور فى المنطقة كلها تماماً، وكان الإعداد له إعداداً ملتبساً انتهى إلى أن العراق تفكك، وأن الجنى الخطير الذى كنا سعداء لحبسه فى القمقم -وأقصد الصِدام السنى الشيعى- خرج، وفوجئنا بمشكلة فى العالم العربى وفى العالم الإسلامى وفى الشرق الأوسط تزيد فى خطورتها على الاحتلال الأجنبي. ربما يكون صحيحاً ما قيل إن تلك مسألة كانت تُرتب من قبل، وأن صدّام لم يكن يصح أن يبقى فى الحكم، إلا أن الحقيقة أن صدّام كان منتهياً، وقد كان لغزو العراق رد فعل قاسٍ جداً فى العالم العربى كله، وعلى العراق، ومن نتائج الغزو ما نراه حتى الآن من تداعيات... ولكن الحقيقة أيضاً أن غزو الكويت كان قاسياً جداً علينا، وكان خطأ فادحاً من جانب صدام حسين.
هل رأيت صورة الدبابة الأمريكية وهى تُسقط تمثال صدّام حسين مثلاً؟
- طبعاً، كانت رمزاً لانتهاء عهد وبداية عهد. ولو كان هذا العهد العراقى البائد بقى، لشهد العراق أول ثورات الربيع العربى. يُقال الآن إن الناس فى سوريا يهدمون التماثيل، تماثيل الرئيس (حافظ الأسد)، وفى مصر كذلك، حيث قام الشعب بإنزال صور الرئيس، ولم تقم بذلك أى دبابة أجنبية أو تحت حراسة جيوش أجنبية. أعتقد أن الشعب العراقى كان سيصل إلى تلك المرحلة لوحده، لأننى كنت أرى أن النظام العراقى كان منتهياً، وسياسات صدّام كانت عنيفة، من نوع معالجة المسألة الكردية بغزو كردستان العراق، وهو أمر غير مقبول ولا عاقل، وكان يعالج المسألة الشيعية بطريقة عنيفة أيضاً. للحقيقة، كان هناك العديد من الأخطاء الكبيرة، لكن مهما كان الأمر، فإن إقصاء الرؤساء يجب أن يكون بيد الشعب وليس بيد دولة أجنبية.
هل لديك معلومات عمّا إذا كان الرئيس مبارك أو غيره حاولوا إقناع الأمريكيين بعدم غزو العراق؟
- لا أظن أن العرب، ومنهم مصر، قاموا بمثل هذا الدور. كانت لدى صدام حسين عداوات مع عدد من القادة العرب، وإدارته علاقات العراق مع الدول العربية لم تترك قاعدة تأييد له أو تعاطفاً معه. طبعاً كان هناك من يخشى على البلد وليس على النظام، لكن لا أعتقد أن جهداً عربياً عملياً أو ملموساً بذل، وإن كان هناك من حاول تفادى الغزو بصرف النظر عن عدم اقتناعه بصدّام وسياساته، وقد حاولت ذلك بصفتى الأمين العام للجامعة العربية بالتعاون مع كوفى عنان، مما أغضب الأميركيين كثيراً، وتلك قصة أخرى.
تعرضت لانتقادات لرفضك مناقشة اقتراح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تنحى الرئيس صدّام حسين؟
- كان ذلك فى القمة العربية التى عُقدت فى شرم الشيخ، والتى سبقت الغزو الأمريكى مباشرة فى مارس 2003. كان الملك حمد بن عيسى ملك البحرين يتولى رئاسة تلك القمة. وصل مغلف مغلق من وفد الإمارات الى ملك البحرين. تم فتح المغلف وتصفحه الملك وأعطانى إياه. قلت للسفير هشام بدر (مدير مكتبى) إن تلك الرسالة خطيرة جداً، وطلبت منه أن يُشرف شخصياً على نسخ 22 صورة فقط من تلك الرسالة وأن يحضر إلى النُّسخ ال 22 مع الأصل. وزعت 22 نسخة من تلك الرسالة على القادة العرب فى الجلسة نفسها، بعدما أعلنت أن هناك رسالة مهمة ستوزع عليهم، وهى موجهة من سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى جلالة الملك حمد بن عيسى رئيس القمة وملك البحرين. وكان الشيخ راشد عبد الله النعيمى وزير خارجية الإمارات، وكان فى غاية النشاط، يعمل على تعبئة التأييد لرسالة الشيخ زايد، حينها ذكرت للملك أن هناك ضرورة للتشاور لاتخاذ القرار المناسب فى صدد هذا التطور المهم. كان على، باعتبارى أميناً عاماً للجامعة، أن ألفت الانتباه إلى أى تطور يحدث خلال الاجتماع، وأن أشير إلى أى رسالة مهمة توجه إلى القمة، وقد سُلِّمَت الرسالة إلى ملك البحرين، وهو سلمنى إياها فطلبت توزيعها مباشرة فور تصويرها، وهو ما تم. وطُلبت مهلة تُرفع فيها الجلسة للتشاور، أعتقد أن مصر واليمن طلباها، كان الرئيس اليمنى على عبد الله صالح فى منتهى التشوق لمعرفة ما ستنتهى إليه الأمور، وكان الرئيس مبارك محتاراً ماذا يفعل، ولكنه لم يكن رئيس الاجتماع، وبدا مرتاحاً لذلك. رُفعت الجلسة للتشاور فور التوزيع بناءً على هذا الطلب المزدوج. فوجئ العراقيون، وأصيبوا بحالة هياج لأننى قمت بتوزيع الرسالة. مصر لم تكن مستعدة لطرحها للنقاش، لأنها توقعت حدوث مشادات وانقسامات، وربما ملاكمات، والمصريون يريدون تهدئة الأوضاع فى القمة التى تعقد على أرضهم، وكذلك دول أخرى كان لديها التوجه نفسه. قلت: نحن فى حاجة إلى آراء بالنسبة إلى هذا الموضوع، لأن هناك اقتراحاً قُدِّم، فقال المصريون، وعلى ما أذكر أيضاً الليبيون، وبالتأكيد الأردنيون، إنه لن تتم مناقشة الرسالة الآن، بل سنتشاور بأمرها ثنائياً وخارج الاجتماع الرسمى، وانتهى الموضوع عند هذا الحد ولم تتم مناقشته. لكن هناك مَنْ اتهمنى بأننى السبب (فى عدم مناقشة مضمون الرسالة)، وهذا غير صحيح. كان عدد من الملوك والرؤساء غير مستعدين لمناقشة علنية لها. والحقيقة أننى شعرت بأن الموضوع خطر وحساس جداً، ولا بد أن تتكلم الدول وتعلن إن كانت مستعدة لأن تطالب صدّام بأن يتنازل ويذهب إلى الإمارات كضيف، كما كان الاقتراح الإماراتي. الحقيقة أن الحملة ضدى لم تكن مبررة، لأن الرسالة لم تكن موجهة إليّ، والبند لم يكن قد اقتُرِح، وأنا قمت بتوزيع 22 نسخة على رؤساء الوفود ال 22 المشاركين، وأن الذى طلب عدم مناقشتها هم ملوك ورؤساء طلبوا رسمياً عدم الإصرار على المناقشة العلنية (عتب على السفير أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس مبارك آنذاك، لأننى وزعت الرسالة، قائلاً على طريقته: «ما كنت تخفيها»، فقلت له على مسمع من الآخرين فى الأمانة العامة للجامعة: ده مش لعب يا أسامة، ودى رسالة من رئيس دولة إلى القمة، وهى لا توضع فى الأدراج. وتركته ومشيت).
هل كان العتب عليك من الدول التى كانت ميّالة لمناقشة الموضوع فى المواقف؟
- لو كان أحد تشاور معى قبل ذلك لكنت أشرت عليه بطريقة مختلفة، وكان الحرى بهم أن يعرفوا أنهم لو تشاوروا معى مسبقاً لما كان ذلك سيعنى أننى سأنقل ذلك التشاور إلى أى كان. كنت سأشير على مَنْ اقترَحَ أنه بما أن هذا موضوع حساس جداً ونحن فى قمة علنية، فيجب أولاً أن نضع المسألة العراقية على الأجندة، وهذا ليس صعباً، فالوضع فى العراق وتطوراته كان يجب وضعه على الأجندة فى كل الأحوال، ثم يُثار هذا الوضع فى إطاره، بما فى ذلك الرسالة الإماراتية، ولكن لا تكون هى نقطة البداية، بل مناقشة الوضع فى العراق، بغرض أن ينتهى باقتراحات وحلول، منها استضافة صدام فى الإمارات. وكنت مستعداً لأن أحاجج الوفد العراقى من هذا المنطلق. لكن لم يتشاور معى أحد وفوجئت بالرسالة التى سلمنى إياها ملك البحرين فكيف لا يتم التشاور مع الأمين العام؟ وأنا -كأمين عام- أمينٌ فعلياً على كل ما يُقال لي، لأن هذا أمر يتعلق بشأن عربى مهم وحساس. هم اعتقدوا ربما أن كون الأمين العام مصرياً سينقل الأمر إلى دولته، والواقع أن هذا لم يكن أسلوبى فى العمل، وقد وزعت الرسالة، كما ذكرت، وتسلم الوفد العراقى نسخته، فكان ما كان من ثورتهم وتهديداتهم، وربما أدى هذا إلى تراجع الوفود العربية عن المناقشة الرسمية، خشية حدوث ما لا تحمد عقباه.
موضعات متعلقة:
موسى يقسم حكم مبارك ل3 مراحل.. ويؤكد: حلم الزعامة العربية لم يراود مبارك.. وكان يقول «كل ده عك».. والرئيس السابق استبعد نجاح التوريث ثم سار فيه بعد تولى بشار حكم سوريا.. وطنطاوى وسليمان لم يؤيداه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.