وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    رئيس مجلس الشيوخ: «مستقبل وطن» يسير على خطى القيادة السياسية في دعم وتمكين الشباب    أوبر: اتخذنا عدة إجراءات لحماية الركاب منها استحداث زر الاستغاثة العاجلة    بايدن: طلب الجنائية الدولية باعتقال قادة إسرائيليين «شائن»    ليفربول يعلن رسميًا تعيين آرني سلوت لخلافة يورجن كلوب    العريان: بطولة إفريقيا للساق الواحدة بوابة لاستضافة مصر لأحداث بارالمبية كبرى    تفاصيل جديدة عن حادث الفنان عباس أبو الحسن    مصرع شاب وإصابة 2 في حادث تصادم أعلى محور دار السلام بسوهاج    مهرجان كان، كيت بلانشيت تدعم فلسطين على السجادة الحمراء (صور)    خارجية أمريكا: المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها سلطة قضائية على إسرائيل    القانون ينتصر للأطقم الطبية.. و25% عمالة مصرية «حد أدنى»    علامات ضربة الشمس.. تعرف عليها لتجنبها في هذا الأيام الحارة    السرب المصري الظافر    «تقدر في 10 أيام».. «حياة كريمة» تقدم نصائح لطلاب الثانوية العامة    انقسام كبير داخل برشلونة بسبب تشافي    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    ميسي على رأس قائمة الأرجنتين المؤقتة لبطولة كوبا أمريكا 2024    محافظ دمياط تستقبل نائب مدير برنامج الأغذية العالمى بمصر لبحث التعاون    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    تحرير 174 محضرًا للمحال المخالفة لقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «سوميتومو» تستهدف صادرات سنوية بقيمة 500 مليون يورو من مصر    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    «التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    "اليوم السابع" تحصد 7 جوائز فى مسابقة الصحافة المصرية بنقابة الصحفيين    "القاهرة الإخبارية" تعرض لقطات لتجمع إيرانيين حدادا على وفاة إبراهيم رئيسي    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    أول تعليق من التنظيم والإدارة بشأن عدم توفير الدرجات الوظيفية والاعتماد ل3 آلاف إمام    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    الصحة تضع ضوابط جديدة لصرف المستحقات المالية للأطباء    انطلاق فعاليات ندوة "طالب جامعي – ذو قوام مثالي" بجامعة طنطا    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    د. معتز القيعي يقدم نصائح حول الأنظمة الغذائية المنتشره بين الشباب    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإعدام شنقًا لشاب أنهى حياة زوجته وشقيقها وابن عمها بأسيوط    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    إيتمار بن غفير يهدد نتنياهو: إما أن تختار طريقي أو طريق جانتس وجالانت    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    برنامج "لوريال - اليونسكو" يفتح باب التقدم للمرأة المصرية في مجال العلوم لعام 2024    توجيه هام من الخارجية بعد الاعتداء على الطلاب المصريين في قيرغيزستان    براتب خيالي.. جاتوزو يوافق على تدريب التعاون السعودي    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    10 ملايين في 24 ساعة.. ضربة أمنية لتجار العملة الصعبة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    خلاف في المؤتمر الصحفي بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية بسبب أحمد مجدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللاجئون السوريون من مذابح بشار إلى فخ التشرد والفقر.. 800 ألف لاجئ يعانون من ارتفاع إيجار المساكن وندرة فرص العمل وملاحقة شبيحة الأسد.. تجار وإعلاميون كانوا ملوكاً فى وطنهم وتحولوا إلى متسولين

«وضعوا على فمه السلاسل.. ربطوا يديه بصخرة الموتى.. وقالوا: أنت قاتل.. أخذوا طعامه والملابس والبيارق.. ورموه فى زنزانة الموتى، وقالوا: أنت سارق.. طردوه من كل المرافئ وأخذوا حبيبته الصغيرة.. ثم قالوا أنت لاجئ» هكذا كتب شاعر القضية الفلسطينية الراحل «محمود درويش» ولم يعلم يوما أن قلمه هذا لن يصف أحوال الشعب الفلسطينى فحسب، بل أيضًا أوضاع آلاف السوريين الذين يفرون يوما تلو الآخر من موت مؤكد فى وطنهم فيفاجأون بموت آخر مغلف بالذل فى انتظارهم بالبلاد التى يعتقدون أنها ستكون الملاذ الآمن لهم.
أسماء جديدة تضاف يوميا لتعداد الموتى السوريين منذ أن انطلقت شرارة ثورتهم فى مارس 2011، أطفال تُذبح ونساء تُغتصب ورجال وشباب يتم قتلهم بالرصاص على مرأى ومسمع ذويهم، الجميع هناك يقف مكتوف الأيدى لا يملك إلا الصراخ والبكاء وكأن لسان حالهم يقول ألا من مجيب، ألا من منقذ ينجدنا من يد بشار الطاغية؟
ليس أمام السوريين الآن، وبعد أن اقتربت ثورتهم من إتمام عامها الثانى، إلا أن يسلكوا طريقين فقط لا غير، الأول الانضمام لصفوف الجيش الحر لمواجهة الجيش النظامى، أو النزوح إلى الدول المجاورة لحين استقرار الأوضاع فى موطنهم ليعودوا له من جديد، وهذا بالفعل ما فعله ما يقرب من 800 ألف سورى فروا إلى مصر بعد أن أوصدت فى وجوههم أبواب الترحاب فى دول أخرى كتركيا والأردن ولبنان، جاءوا إلى مصر ليحتموا فى أحضان أهلها ويختبئوا فى جدران بيوتها من كوابيس الموت التى تلاحقهم فى منامهم كل ليلة، لجأوا إليها تصديقا لمقولة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بأن مصر وسوريا وطن واحد، على الرغم من يقينهم بالمعاناة التى يعيشها أولاد البلد الأول لبناء دولتهم من جديد.
ولكن يبقى ما يظنه المرء دائما مخالفا للواقع فى مصر، آلاف الأسر السورية تبحث عن مسكن مناسب لها تقدر على توفير نفقاته التى عادة ما تتحصل عليها من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، مئات الأطفال ينتظرون تنفيذ وعود الرئيس الدكتور محمد مرسى بشأن معاملتهم كالمواطنين المصريين وحصولهم على حقهم فى التعليم اللازم على الرغم من أن مصر موقعة على اتفاقية جنيف لشؤون اللاجئين عام 1954 وتحفظت على بعض البنود فيها من بينها منع اللاجئين من التجنس والعمل الحر والتعليم فى مؤسساتها وإنشاء معسكرات خاصة لهم.
«اليوم السابع» استمعت لأحلام مجموعة من اللاجئين السوريين- الذين احترمت رغبتهم فى عدم الإفصاح عن أسمائهم خوفا على أقاربهم فى سوريا من بطش قوات النظام- وآمالهم فى وطنهم الثانى طامعين فى وصولها لآذان المسؤولين حتى يقصوا ما حدث معهم على الأجيال القادمة عندما يعودون لأراضيهم فيقولون لهم «فى الوقت الذى تشردنا فيه من ديارنا.. وضاقت علينا الأرض لم نجد سوى مصر تستقبلنا وتستضيفنا».
«م» مهدد بالطرد من مسكنه بسبب عدم سداده الإيجار
تكوّم فى زاوية، أمام منزله الذى استأجره حديثا بمدينة السادس من أكتوبر- واحدة من أبرز المناطق التى يقيم فيها اللاجئون السوريون- يضرب كفا بكف ويتحسر على الحال الذى آلت إليه بلاده، تقرأ فى الخطوط التى ملأت وجه مأساة أسرة دفعتها الحاجة للحماية والأمان، لترك أراضيها حتى إن كلفهم ذلك بيع كل ممتلكاتهم، تلمح فى عينيه نظرة أمل بالرجوع يوما منتصرين لوطنهم بعد أن شوهه الطاغية بشار بجثث وأشلاء القتلى والجرحى، ينطق كلماته بالكاد ويحاول بسنه المتقدمة أن يتمالك نفسه وهو يقص ما حدث معه فى سوريا وحياته هنا فى مصر.
«م» الذى يبلغ من العمر ثمانين عاما، بدأت قصة لجوئه إلى مصر برفقة أسرته المكونة من 12 فردا منذ أسبوعين فقط، بعدما قامت قوات بشار بقذف بيته ودكانه مصدر رزقه الوحيد فى حمص، فأصبحت الأسرة بين ليلة وضحاها مشردة لم تجد مكانا يؤويها، يقص «م» مشهد قتل شقيقه الوحيد، والدموع تنهمر من عينيه، قائلاً: «الله ينتقم منه ذبح أخى وابن أخى، هدم بيتى ودكانى الذى كنت أستغله لبيع الكعك والبسكويت، أصبحنا لا حول لنا ولا قوة، معذبين فى الأرض»، ويتابع: جئنا إلى مصر بمساعدة بعض أصدقائنا وأقاربنا، احتمينا فيها ونحن لا نملك مالا ولا جاها، ساعدنى ابن أخى المقيم فى الخارج وأرسل لى إيجار وتأمين الشقة للشهر الأول فقط الذى يبلغ 1600 جنيه ولكن لا أعلم كيف سأدبر نفقات الإيجار فى الشهر التالى، وهل سينتظر علينا صاحب البيت أم سيكون مصيرنا الشارع، فنحن لا نملك هنا أى سبيل للدخل، ولا نعيش سوى على المساعدات من الناس بعد أن كنا فى وطننا أعزاء، وليست مشكلة الإيجار المرتفع هى فقط التى تؤرق بالنا ولكن أيضا هؤلاء الأطفال- مشيرا إلى أحفاده- فهم فى أعمار ومراحل تعليمية مختلفة ولم يتم تسجيلهم حتى وقتنا هذا ومع بداية العام الدراسى فى أى مدرسة.
أن تشعر بالدفء وسط أهلك وأصدقائك داخل منزلك فى وطنك، وفجأة تجد نفسك ملقى فى العراء تحط على كل دولة قليلا فتجد من يفتح لك ذراعيه بالترحاب وتفاجأ بآخرين يستغلون أية فرصة لطردك منها، هذا هو الحال الذى وصل إليه «م» الذى لا يتوقف دقيقة واحدة عن الدعاء على بشار ونظامه: «الله أكبر منهم جميعا، هو ووالده الذى قتل وشرد أهل حماة من قبل فى الثمانينيات»، يصيح على حفيده «ع» الذى يبلغ من العمر سبعة أعوام، يطلب منه الحديث عن أصدقائه ومدرسته التى هجرها خوفا من بشار وشبيحته الذين لا يكتفون فقط بهدم المنازل، ولكن أيضا مهاجمتها لسرقتها واغتصاب نسائها، فيقول الأخير: «فى بلدى مستحيل أن تجد مبنى قائما مستقيما، كل شىء أصبح فى سوى الأرض.. نفسى أرجع بلدى.. نفسى ألعب مع أصحابى».
الدكتور ملهم الخن، مسؤول لجنة الإغاثة السورية فى مصر، يقول إن اللاجئين السوريين كانوا يتدفقون فى البداية على الدول الحدودية مع سوريا مثل تركيا، لبنان، والأردن، ولكن نظرا لزيادة أعدادهم وقلة الإمكانيات التى توفرها لهم تلك الدول، ونتيجة أيضا لعدم الاستقرار الأمنى فى تلك الدول، لذا فكر السوريون فى اللجوء إلى دول أخرى تقع على مسافات أبعد مثل الجزائر، والمغرب، وتونس، وليبيا، ومصر، وأصبحت الأخيرة هى الدولة الأكثر استضافة لهؤلاء اللاجئين، وقد توافد عليها أعداد كبيرة بعد شهر رمضان الماضى تحديدا.
ويشير الخن إلى أن مكاتب الإغاثة المنتشرة فى عدد مختلف من المحافظات، قامت بتسجيل ما يقرب من 15 إلى 20 ألف لاجئ، وعن دور مكتب الإغاثة السورية، يقول: المكتب يوفر إعانات شهرية للعائلات السورية إلى جانب السكن وتقديم الرعاية الصحية بالتعاون مع مجموعة من الجهات والجمعيات الخيرية، ونقابة الأطباء وبيت العائلة وعدد من المستشفيات وكل تلك الخدمات يتم توفيرها وفقا للإمكانيات المتاحة، وأضاف الخن أن معاناة اللاجئين السوريين تتسبب فيها أعدادهم المتزايدة فى ظل نقص الإمكانيات أو عدم توافرها بشكل كاف، فيوميا يتم تسجيل ما بين 50 و100 أسرة فى المكتب.
وعن الشروط الواجب توافرها للتسجيل ضمن مكتب الإغاثة السورية، يقول الخن: نقبل الحالات التى لها سكن يؤويها ولكن هناك بعض الحالات التى تقابلنا تكون مُشردة ونحاول بدورنا أن نوفر لهم السكن اللازم وأيضا فرص العمل من خلال ملء استمارات التوظيف وإرسالها لبعض المصانع والشركات.
«ص» هرب من الموت فى «درعا» وتلاحقه «شبيحة» الأسد
يأمرون والده صاحب مصنع الأسمنت بعمل حصيرة «أسمنتية» فى أحد الملاعب بمدينة درعا فيفاجأ بعدها بأن الهدف منها استغلالها لإخفاء مقبرة جماعية لمئات من القتلى، فيرفض القيام بذلك، وتكون نهايته تصفيته على أيدى شبيحة بشار فى يناير الماضى. الابن «ص» الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره، يؤكد أن الموت يطارده فى كل لحظة بعد أن صدر عليه حكم بالإعدام من قبل نظام بشار، نظرا لنشاطه السياسى والميدانى فى مناصرة الثورة، وأدرج اسمه ضمن قوائم المطلوبين للاعتقال أو التصفية إن أمكن، وهو ما يجعله يتحرك بحذر متحسسا خطواته حتى بعد المجىء لمصر.
تلمح فى عينيه نظرة مختلطة ما بين الحزن والفخر وهو يتحدث عن والده الذى فقده فى درعا التى شهدت انطلاق الثورة السورية، قائلاً: «والدى شهيد وذلك شىء أفتخر به فقد قدم حياته فداءً لهذه الثورة، وأنا من الملاحقين على اعتبار أنى ناشط ميدانى واسمى من الأسماء المدرجة للملاحقة والتصفية، ولى الشرف فى ذلك أيضاً».
لم تكن وفاة والده النهاية، وإنما كانت البداية لرحلة عناء طويلة عاشها، حيث اعتقل حوالى 7 مرات، ويصف آخر اعتقال له الذى تم فى شهر 7 الماضى، قائلاً: «كان الضغط النفسى قويا جدا، أتذكر حينما قمت بالاتصال بزوجتى لأجدهم اعتقلوها هى وابنى، وهددونى إما أن أسلم نفسى وإما لن أراهم ثانية، وبالفعل قمت بتسليم نفسى لأجهزة الأمن لأتعرض لأبشع أنواع التعذيب، فلم يكن لدى خيار آخر، واستمر الاعتقال لمدة 15 يوما خرجت بعدها، ووفقا لنصيحة من بعض المنشقين كان علىّ أن أترك سوريا فى أقرب وقت إذا أردت البقاء على قيد الحياة».
ويتابع: الخروج من سوريا لم يكن بالأمر السهل، حيث اضطررت للمرور على أكثر من مدينة من درعا إلى دير الزير، ثم دمشق، ومنها إلى مصر، بعد دفع مبالغ طائلة حتى أتمكن من الخروج بشكل رسمى، وصلت إلى مصر فى أوائل أغسطس الماضى، ومعى زوجتى وأختى وأطفالى، وتركت هناك أختى الأخرى وأسرتها بعد فشلهم فى الخروج معنا، استقررت فى 6 أكتوبر، وعملت فى ملف إغاثة اللاجئين السوريين، وما إن بدأت فى ترتيب حياتى هنا حتى ظهر على الجانب الآخر شبيحة النظام السورى الذين حاولوا خطفى هنا.
يتعرض اللاجئون السوريون لمشاكل أخرى تتعلق بالجانب السياسى، خاصة إن كان لهم أنشطة فى هذا المجال ببلدهم، وهذا ما حدث مع «ص» الذى يروى تفاصيل حادثة اختطافه قائلاً: «هذه الحادثة كانت إحدى المصائب التى تعرضت لها فى مصر، وأنا أعرف الأشخاص الذين حاولوا اختطافى، لكن ليس لدى علم بأسمائهم، وأعلم جيدا انتمائهم لجهات حكومية سورية، وفى الفترة الأخيرة زادت التهديدات لى بشكل شخصى، وهو ما جعلنى أشعر بأنه حتى الآن لم نستطع أن نصل إلى بر الأمان، ولكن تدريجيا بدأت الأمور تعود إلى طبيعتها، خاصة أن الأمن الموجود بمصر غير موجود فى أى دولة أخرى لجأ إليها السوريون».
يلفت «ص» الانتباه إلى عدم حصول اللاجئين السوريين على قسطهم الكافى من التعليم بمصر، قائلا: المناهج هنا مختلفة تماما، وبعد أن تجدد الأمل لدى بعض الأسر والعائلات بالإعلان عن مشروع لتأسيس مدرسة للسوريين فى 6 أكتوبر، وهو ما دفعنا إلى تقديم الأوراق الخاصة بأطفالنا فوجئنا، بعد بداية الدراسة بيومين، بأن المدرسة غير موجودة ولم تحصل على ترخيص، وهو ما شكل صدمة حقيقية لنا جميعًا، ويختتم حديثه قائلاً: «كل هذه العائلات السورية الموجودة فى مصر ستعود إلى وطنها إن عاجلا أم آجلا، يوما ما ستنجح ثورتنا ونعود حتى إن عدنا على بقايا وطن سنبنيه من جديد».
أحمد بدوى، رئيس المؤسسة المصرية لحقوق اللاجئين، يقول إن مشاكل اللاجئين السوريين تتشابه إلى حد كبير مع مشاكل بقية اللاجئين، ولكن يزيد عليها استمرار تدفق اللاجئين السوريين لمصر بشكل غير منظم حتى بدأت المؤسسة فى التفكير بشأن كيفية التعامل معهم، ومن خلال اطلاعنا على المشاكل التى تواجههم وجدنا أن غالبيتها تتعلق بالمشاكل الاقتصادية، إلى جانب المعاناة التى يتعرضون لها فى مجال الحصول على حقوقهم التعليمية، على الرغم من أن الرئيس الدكتور محمد مرسى وعد من قبل بأن السوريين ستتم معاملتهم كمواطنين مصريين.
ويتابع بدوى قائلاً: نواجه صعوبات بالغة فى تسجيل الطلاب بالمدارس المصرية سواء من حيث صعوبة توفير أماكن لهم بتلك المؤسسات التعليمية أو تسهيل الحصول على الإمكانيات المادية اللازمة، إلى جانب المشكلات المتعلقة بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة ليتم الاعتراف بهم كلاجئين رسميين من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويشيد بدوى بالمبادرات المصرية التى أطلقها بعض الأسر المصرية لاستضافة هؤلاء اللاجئين فى منازلهم الخاصة والتكفل برعايتهم.
ويشير بدوى إلى أنه لم تشهد المؤسسة حتى الآن أية مشكلة أو أزمة قانونية تتعلق بأوضاع هؤلاء اللاجئين لا سيما بعض المشكلات التى تتعلق بالجانب الأسرى، قائلاً: كثير من الأسر يعانى أشد المعاناة من ضعف الإمكانيات الاقتصادية التى لا تسمح لهم بالتعليم أو السكن ،وهنا يظهر دور بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية.
«ر» أصبحت أمية بسبب روتين وزارة التعليم
فى شقة متواضعة الأركان عارية الأساس إلا من أريكة صغيرة وتليفزيون جلس «م» الإعلامى السورى بوجه شاحب حزين، يتساءل من الذى يهرب من الموت ويفكر فى الأوراق؟! هل يعقل أن الشخص الذى يحاول أن ينجو بروحه يفكر فى بطاقته وشهادة ميلاده، وشهادة تعليم أبنائه؟!
يسرد «م» تفاصيل معاناته بمصر التى بدأت منذ عام قائلاً: العام الماضى لم أستطع إدخال بناتى المدرسة، لأن القوانين المصرية كانت تمنع استقبال غير المصريين بالمدارس الحكومية، ولم يكن أمامى سوى تسجيلهم فى مدارس خاصة، وللاسف لم أكن أملك الإمكانيات، وترتب على ذلك أن ابنتى الصغيرة «ر» التى لم تتجاوز السادسة من عمرها نسيت القراءة والكتابة وتحولت إلى أمية.
وبتابع: بعد عام تطوعت إحدى المدارس الخاصة واستقبلت بنتى بالمجان، وصدر قرار من الرئيس مرسى يفيد بالسماح للطلاب السوريين بالدراسة فى المدارس المصرية الحكومية والخاصة ومعاملتهم كالطلاب المصريين، استقبلنا القرار بفرح شديد، ولكن واجهتنى صعوبة فى الحصول على ورقة من الإدارة التعليمية تثبت أن بنتى مسجلة فى المدرسة لكى أتقدم بها إلى مجمع التحرير وأحصل على ورقة أخرى تفيد بإقامتى لمدة سنة بمصر، طبعا لم تعطنى هذه الإدراة التعليمية هذه الورقة، لأنهم بدأوا يتقيدون بالروتين الحرفى المعمول به فى هذه الحالات الطبيعية، وكل محاولاتى لإقناع الموظفين باءت بالفشل، أقول لهم إن رئيس الجمهورية أعطى تعليمات تفيد بكذا وكذا، يقولون لى «ومين اللى قالك كده» وكأن هؤلاء الموظفين يعيشون فى كوكب آخر، وأنا فعلا حائر منذ 10 أيام أمام معضلة قانونية وأرسلت كتابا لوزير التربية والتعليم شرحت له الوضع بالتفصيل، وقلت له أريد منك استثناء، وإلا سأعيد ابنتى مرة أخرى للمكوث فى البيت.
ويتحدث «م» الذى جاء لمصر مع بداية الثورة السورية عن وضعهم فى مصر، قائلاً: السوريون هنا غالبيتهم لا يحُسبون على اللاجئين ولا النازحين، ولا يوجد أحد مَعنِىّ بهم، لا منظمات حقوق الإنسان ولا الأمم المتحدة ولا حتى السلطات المصرية، هؤلاء خارج كل التصنيفات بمعنى أنه حين يقال بأن هناك لاجئا أو نازحا سوريا يُقصد من هم فى المخيمات فى تركيا وفى لبنان والعراق، أما السوريون الموجودون فى مصر فلهم شأن آخر فهم ضائعون ما بين الجنة والنار، ويتمنى «م» من الحكومة المصرية أن تساعد السوريين على إيجاد فرص عمل لهم، قائلاً: من الأفضل أن أعلمك كيف تصطاد سمكة بدلا من أعطيك ألف سمكة.
النائب السورى السابق محمد مأمون الحمصى أحد المنشقين عن النظام السورى، قال إن بعض العائلات السورية التى أتت إلى القاهرة كانت لا تملك أى شىء سوى ملابسها بعد أن هربت بمعجزة نتيجة القصف والقتل فى أماكن متعددة، موضحا أن هناك بعض العقبات التى وصفها بالطبيعية تواجه اللاجئين السوريين فى مصر من ضمنها قضية التعليم، لافتا إلى أن الحكومة المصرية ووزارة التربية والتعليم قامت بمجهود فى هذه المسألة، إلا أننا نتمنى اتخاذ خطوات أكثر لاستيعاب الأطفال السوريين فى المدارس.
وأوضح النائب السورى أن الهم الأول لدى العائلات السورية الموجودة فى مصر هو إيجاد السكن، ثم الصحة، ثم الدراسة، لافتا إلى أن بعض الأطفال تمكنوا من الالتحاق بمدراس فى القاهرة، والبعض الآخر فشل فى ذلك بسبب الازدحام الشديد خاصة فى منطقة 6 أكتوبر التى يتركز بها معظم العائلات السورية.
«ع» تحول من تاجر إلى لاجئ يعيش على المعونات
«سبحان الله.. كانوا فى وطنهم ملوكا.. وأصبحوا هنا سائلين يطرقون أبواب المساعدة بحثا عن بضعة جنيهات تساعدهم على توفير متطلبات الحياة».. هكذا يصف «ع» حال التجار السوريين الذين هربوا من الموت فى بلادهم فأصبح مكانهم فى مصر أمام أبوب الجمعيات والمؤسسات الخيرية طلبا للمال.
«ع» ذو الأربعة والخمسين عاما، جاء إلى مصر منذ عام ولحق به ابناه ثم زوجته وولده الأصغر الذى رأى جثث زملائه تلقى أمام عينيه، بعدما ساءت الأوضاع فى دمشق العاصمة تاركا هناك ابنتيه مع زوجيهما، اتجه «ع» فور قدومه إلى هنا إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين للتسجيل فيها والحصول على الإقامة المؤقتة فقط والتى يتم تجديدها كل 6 أشهر من مجمع التحرير بعد الموافقة الأمنية والرعاية الطبية السيئة-على حد قوله- دون المساعدة المالية لأنه لم يتم الاعتراف به حتى الآن كلاجئ رسمى.
يقول «ع» حزينا على أوضاع اللاجئين السوريين: المساعدات المالية التى كانت تأتينا من بلدنا توقفت لعدة أسباب أولها ارتفاع سعر الدولار بسبب الحرب، وأن الناس التى كانت ترسل لنا الأموال إما تم اعتقالهم أو تصفيتهم، ثالثا أنه لم يعد هناك أموال من الأساس فى سوريا، وبالتالى أصبحت حياتنا قائمة على مساعدات المؤسسات الخيرية ولكنها لا تكفى، ومن المفترض أن المجلس الوطنى ومكاتبه المنتشرة فى كل مكان يقوم بمساعدتنا ولكن للأسف كما تقولون بالمصرى «حاميها حراميها» فهم يريدون أخذ كل شىء ويتركون الشعب ميتا بالشوارع لا يمنح التبرعات لا فى الداخل ولا الخارج.
ويتابع: رأيت بنفسى التجار وهم يتراصون أمام الجمعيات الخيرية للحصول على تبرعات بعدما كانوا ملوكا فى بلدهم أصبحوا الآن مشردين، ويتحدث «ع» عن استمرار انتهاك قوات بشار لممتلكات المواطنين الهاربين من البلد قائلاً: الأسبوع الماضى ابنتى رأت أمام عينها بيتنا وهم يهدمونه كانت تختبئ خلف جدار بعيد وتبكى وتتحسر على ما وصلنا إليه ولا تقدر على فعل شىء، ويكفى أيضاً ما حدث لطفلة لا تتجاوز التاسعة عندما طرق الجيش النظامى بابهم ففتح لهم أبوها وقال لهم «أهلا وسهلا» فاستقبلوه بآلات حادة وقاموا بذبحه أمامها، فخافت البنت وهربت أسفل التبن فقاموا بذبحها هى الأخرى.. أفعال النظام السورى بربرية للغاية أبشع مما يحدث فى الانتفاضة الفلسطينية.
معاملة المصريين لأشقائهم السوريين، يشيد بها «ع» قائلاً: لم نر سوى كل خير من هذا الشعب ولم يبخلوا علينا حتى بالاحتماء فى ديارهم ولكن المشكلة الحقيقية التى تواجه السوريين هنا هى قلة الإمكانيات المادية التى بالطبع تؤثر على فرصهم فى إيجاد سكن والحصول على التعليم، ونحن نحاول تدبير أمورنا ولكن إذا لم تتم مساعدتنا فسنجد عشرات الآلاف من العائلات تنام فى الحدائق أو تتسول بين المساجد.
ويتابع: الناس اضطرت لبيع ممتلكاتها لتوفير نفقات تذاكر الطيران، وحاولت اللجوء إلى الأردن أو تركيا ودول الخليج ولكن كان فى استقبالهم المعاملة الطاغية، وبدلا من أن تقوم دول الخليج بحثّ سفاراتها فى مصر على تقديم المساعدة تبرأت منهم على الرغم من يقين دولة مثل الكويت بدور سوريا معها فى حرب الخليج، وأتمنى من الحكومة المصرية أن تسمح للاجئين السوريين بالعمل وتمديد الإقامة دون الحاجة للخروج من البلد والرجوع إليها، فلا يجوز أن تسمح أمريكا بذلك وهى دولة غير عربية أو إسلامية ونحن كعرب لا نساند بعضنا البعض، وسنعود يوما إلى أرضنا ونحاسب كل دولة تخلت عنا وننحنى احتراما لمن ساعدنا.
سلمى جزايرلى، ناشطة سياسية سورية، قالت إن عدد اللاجئين السوريين فى مصر يتراوح ما بين 800 و900 ألف لاجئ غالبيتهم ميسور الحال على عكس 15 ألف أسرة حالتها متدهورة للغاية جاءت بدون أموال، مضيفة أن هناك 17 ألف لاجئ سورى مسجل رسميًا فى المفوضية مشيرة إلى أن إحدى المشكلات التى تواجههم فى عملية التسجيل وهى أن المفوضية تفتح أبوابها لهم مرتين فقط فى الشهر وهى فرص قليلة جدا مقارنة بأعداد الأسر التى تسعى إلى تسجيل أسمائها.
وقالت الناشطة السياسية إن الأسر السورية تواجه مشكلة أخرى تتعلق بإلزام وزارة الخارجية المصرية لهم بتقديم الأوراق الخاصة بطلاب الجامعات لاستكمال تعليمهم فى مصر مختومة ومصدقا عليها، قائلة: هذا حقهم لكن من المستحيل أن تقوم الأسر بذلك لأنها هربت من القصف وحتى السفارة السورية فى القاهرة ترفض مساعدتهم لأنهم تابعون لنظام الأسد حتى الآن ويدينون له بالولاء وهو ما يجعلهم يضيقون الخناق على كل العائلات التى تلجأ إليهم، وطالبت جزايرلى بأن يتم عمل حملات إغاثة للشعب السورى على نطاق شعبى واسع كما حدث فى الثورة الليبية لافتة إلى أن جهود الإغاثة حتى الآن تعتبر فردية وليست على نطاق جماعى.
«ف» لا ينام خوفا من شبح التشرد ويعيش على المساعدات
دخل مهرولا ليأخذ دورا، فى صف يضم العشرات أمام مكتب الإغاثة السورية، الجميع جاء إلى هنا لتسجيل بياناته للحصول على الإعانات الشهرية التى تساعدهم على توفير احتياجاتهم فى مصر وذلك على اعتبار أن المكتب يعد واحدا من الجهات التى تقوم بتلك الخدمة بجانب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وقف يحسب تكاليف التنقل ما بين القاهرة والإسماعيلية التى يستأجر شقة فيها ليعرف إن كانت النقود التى فى جيبه ستكفى أم لا.
«ف» الذى جاء إلى مصر منذ شهر تقريبا، محتميا فيها من أضرار الهلاك والدمار وعمليات السرقة والنهب التى تلحق بممتلكاتهم فى حى الميدان بسوريا عندما بدأ الاشتباك ما بين الجيش الحر والنظامى فى تلك المنطقة أخيرا، يقول: عندما صفى الجيشان بيوتنا قررنا الهروب من سوريا ومررنا بلبنان ومنها إلى مصر واستقررت مع أفراد أسرتى الاثنى عشر فى بيت بمحافظة الإسماعيلية يبلغ إيجاره 1200 جنيه أوفرها من خلال ما نجحت فى جمعه قبل أن أترك ديارنا فى سوريا، ولكن عندما تنتهى لا أعلم ماذا سأفعل، فأنا تقاعدت عن العمل بإحدى الشركات هناك منذ 5 سنوات.
ويتابع: أولادى جميعهم أنهوا تعليمهم باستثناء طفلين لم يتجاوزا السادسة من عمرهما، نحن لا ننام خوفا من المجهول ومصيرنا غير المعلوم كغيرنا من آلاف الأسر اللاجئة، وكل ما أتمناه من الحكومة المصرية هو أن تسمح لنا بالعمل لنستطيع تدبير أمورنا بدلا من أن نمد أيدينا لفاعلى الخير.
الناشط الأردنى محمد الرقاد، مسؤول ملف حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية، يقول إن الجامعة غير مختصة بشؤون اللاجئين على عكس ما يعتقده الكثيرون فهى لا تقوى على تقديم المساعدات المالية، لأنها لا تمتلك الإمكانيات المادية اللازمة، مشيدا بدور جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان المعنية بأوضاع اللاجئين فى توفير متطلباتهم الحياتية.
«د» تحول من موسيقار بارز إلى شخص يخفى هويته
«مشكلتنا الحقيقية أن العالم يتعامل معنا على أساس أننا لاجئون مؤقتون ولكن الشهور بتمر وسندخل فى سنتين وسينتهى مخزوننا، ما الذى سنفعله!» وهناك منا من جاء صفر اليدين، فهناك فى أكتوبر 4 أسر فى شقة واحدة، وصديق جاء أخيراً حدثنى قائلاً: «أنا أخدت شقة فى أكتوبر وقاعد على البلاطة، وياريت أى حد يساعدنى» بهذه الكلمات بدأ الفنان السورى «د» حديثه عن المخاطر المحدقة به هو وغيره من السوريين بمجرد انتهاء أموالهم التى تذهب غالبيتها لاستئجار المنازل.
«د» ذو الأربعة والخمسين عاما، يصف بداية الأزمة قائلاً: فى البداية حاولنا أن نكون على الحياد، ولم يكن لدينا موقف سياسى معلن، وبدأت الأزمة تأخذنا لها، فوصلنا لمرحلة أن النظام لا يقبل الحياد، إما مع أو ضد، إما أن تؤيد النظام فى القتل والهدم، أو تصطف فى الجانب الآخر، وفى الوقت ذاتة لم نكن آمنين من الخطر، فإما أن نُقتل عن طريق الخطأ أو القصف أو التفجير أو إثر وجودنا فى مكان اشتباك، فقررنا أن نغلق علينا الباب، لم يكن ذلك كافيا، فقد كنا مهددين من المخابرات، أو القذائف لأن النظام أصبح أكثر تشرساً، وأصبح من المعيب ألا نأخذ موقفا، فأعلنا موقفنا ومنعنا من السفر لمدة 5 أشهر، وبعدها خرجنا إلى مصر التى لم يعد أمامنا سواها إما اللجوء إليها والاحتماء فيها وإما الموت. وعن الصعاب التى تواجهه هنا، يقول: فوجئت بأن البلد أصبح غاليا للغاية، فحينما كنت أتردد عليها من قبل كان سعر الشقة فى مكان متميز لا يزيد على 500 جنيه، أما الآن فحتى الشقة المتواضعة التى أسكن فيها، إيجارها 2000 جنيه، ولا أعلم لصالح من هذا الاستغلال، خاصة أن هناك من يتعامل معنا على أننا سائحون ويريد أن يستغلنا، حتى وصل الأمر إلى أننا عندما نركب تاكسى نتجنب الحديث مع السائق، حتى لا يكتشف السائق أمرنا فيضاعف الأجرة، فإن لم تستطع مساعدتى فعلى الأقل لا تستغلنى، وتمنى «د» أن يسلط الإعلام المصرى الضوء أكثر من ذلك على القضية السورية، قائلاً: هناك تجاهل تام من الإعلام على القضية السورية، وكأنه ليس هناك شعب يموت ويباد.
«س» جاء لمصر لا يملك شيئا ويخشى طرده منها
يجلسون على رصيف المفوضية العليا للاجئين يتسارع أطفالهم فى مناولتهم الأوراق لتسجيل أسمائهم لتقديمها فى الوقت المحدد للحصول على بطاقة تفيد بإقامتهم فى مصر كلاجئين سوريين.
«أخشى أن يأتى يوم ويطالبوننا بالخروج من مصر بسبب الإقامة» هكذا أبدى «س» الذى لم يتجاوز الأربعين من عمره تخوفه من أن يتم طرده هو وأسرته من البلد الوحيد الذى قبل استضافتهم، على حد قوله، بعد أن ضاقت بهم السبل «فالأوضاع فى لبنان سيئة جدا والأردن، ولذلك لجأنا لمصر لأنها الأكثر أمنا لنا».
يروى «س» رب أسرة سورية مكونة من ثمانية أفراد بداية رحلته فى مصر قائلاً: «وصلنا مصر الشهر الماضى كملاذ آمن لنا بعد أن خرجنا من لبنان التى عشنا فيها حالة من الرعب: فى البداية خرجنا من سوريا إلى لبنان وهناك وجدنا الأوضاع سيئة جداً وعمليات الخطف كثيرة لم نجد الأمان وإنما شعرنا وكأننا فى محافظة سورية يسيطر عليها الأسد فى أى وقت، يمكن للجيش السورى النظامى أن يدخل البيوت ويقبض ويقتل ويذبح من يشاء على عكس الوضع هنا». ويتابع «س»: «كان لدى مصنع للحلويات فى حمص إلا أن شبيحة بشار لم يتركوا لنا شيئا، بيوتنا تهدمت وأماكن عملنا خُربت وجئنا إلى مصر لا نملك شيئا».
يتوقف قليلا ثم يقول «الحمد لله إحنا عايشين ولكن ينقصنا الكثير تمكنا من استئجار بيت فى مدينة 6 أكتوبر وقمنا بتجهيزه من خلال المساعدات التى نتحصل عليها من الجمعيات وأهل الخير التى تعطينا مبلغ 200 أو 300 جنيه».
المشكلة الرئيسية التى تواجه «س» فى مصر هى العمل، فحتى الآن لم يستطع الانتظام فى عمل يحدد له دخلا ثابتا يساعده على توفير أولويات المعيشة لأسرته، مؤكدا أنهم كلاجئين يواجهون نوعا من الاستغلال فى حالة تقدمهم للعمل فى الشركات بمرتب لا يتجاوز 800 جنيه وبعدد ساعات كثيرة لمجرد أنا سورى لكن المصرى من الممكن أن يحصل على ضعف الراتب.
وكغيرهم من الأطفال السوريين اللاجئين فى مصر لم يتمكن أطفاله من الالتحاق بمدراس خاصة أن الأعداد كبيرة فى المدارس المصرية والفصول مكدسة لا يمكنها قبول أعداد جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.