قلنا إن منهج الإخوان قائم على الوصول إلى الحكم، ثم الإصلاح وبيان النموذج الإسلامى الجميل، فينصلح الناس، وهم فى سبيل ذلك يقبلون بأمور كثيرة قد يكون فيها مخالفات شرعية جسيمة. فهم يقولون إن الوصول إلى الحكم له مراحل، فمرحلة تسمى المشاركة أى يشاركون مع غيرهم الحكم فيحاولون أن يسيروا بخطى تدريجية فيطبقوا ما يمكن تطبيقه من الشريعة ويؤجلوا ما لم يستطيعوا تطبقه، إلى أن يصلوا إلى الانفراد بالحكم فينتقلوا إلى مرحلة المغالبة فيطبقوا شرع الله كاملاً. هذا الأمر نظرياً، ولم ينجح أو يطبق من قبل، لذا فلا نعرف هل يمكن تحقيقه أم لا.. كان ذلك إلى أن جاءت الثورة وتحقق ما خطط له الإخوان فى الوصول إلى الحكم.. فهل تحقق لهم أيضاً باقى ما كانوا يأملون؟!!! قطعاً لا، لم يحدث ولن يحدث أى تغيير، فها هى الخمور تباع، وها هى الملاهى الليلية تعمل، وها هو الدستور يصاغ دينياً، كما هو بلا أى تقدم، حتى رفض معدو الدستور تغيير كلمة "مبادئ" إلى كلمة "أحكام"، وحتى رفض شيخ الأزهر أن يكون الأزهر هو المرجعية فى تفسيرها، وها هى الأقلام الفاسدة التى كانت تسب أهل الإسلام كما هى، بل ازدادت شراسة وزاد الطين بلة فأصبح رئيس الجمهورية يسب نهاراً جهاراً باسم الحرية والديمقراطية، بل والمترصدون يتربصون أى شىء يدينون به الرئيس وجماعة الإخوان، وأصبحت "علكة" فى كل فم أخونة الدولة، وأصبح فلول النظام السابق وأذيالهم أكثر جرأة ووقاحة من ذى قبل، وضاعت هيبة رئيس الدولة، حتى تتكلم عنه "عيلة" مثل نوارة نجم بتطاول، ورويبضة مثل عكاشة... إلخ لماذا؟ لأن أعداء الإخوان الذين لا يريدون تطبيق الإسلام لا يزالون هم المسيطرون على الإعلام والداخلية.. ولأن هؤلاء المبغضين لهم جذور، فهم يفسدون ويرسخون للفساد منذ زمن عبد الناصر إلى الآن، نفس الوجوه والأقلام، فهم توطدت علاقاتهم بمراكز قيادية فى مصر منذ زمن بحكم مناصبهم، فهم يقاتلون بأقلامهم ليبقى الوضع كما هو، فتبقى نفوذهم، قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَى ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } [الأعراف: 201، 202]. إن ثورة عبد الناصر نجحت لأنه أزاح كل مخالفيه، وأحكم قبضته على كل شىء، ولم يكن هناك إعلام خاص، صحف أو قنوات، وأسقط الدستور، ووضع السنهورى دستوراً جديداً يجعل ناصر إلها، ووظف كل الأقلام لتمجيده وتحميده بالأغانى والأفلام والمسلسلات، ووضع رقيباً عسكرياً فى كل مكان، ورسخ فكرة أهل الثقة أم أهل الخبرة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة. فلماذا رغم نجاح الإخوان لم يستطيعوا "أسلمة الدولة"، بل زاد عليهم الصراع، لأن القفز على الحكم دون أن يكون غالبية الشعب ولا يكون نصفه أو أكثر قليلاً يريدون الحكم بالإسلام. إن الشعب المصرى أكثر الشعوب على الإطلاق حباً لله ولدينه ونبيه، دون تعصب ولا مبالغة منى، ولكن للأسف كثيراً منهم لا يعلم معنى تحكيم شرع الله؛ فهم يرددون ما يقال فى الإعلام لا نريد دولة دينية نريد دولة مدنية، إلى آخر ما يقال، وهم لا يعلمون الفارق، ولو علموا ما رددوا هذا الكلام المغضب لله، ذلك لأن منهج التغيير من الرأس مخالف للهدى الربانى والسنة النبوية، فعن ابن عباس، رضى الله عنهما، أن قريشا وعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكر آلهتنا بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح قال ما هى؟ قالوا تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. عن سعيد بن مينا مولى أبى البخترى قال: لقى الوليد بن المغيرة والعاصى بن وائل، والأسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، ولنشترك نحن وأنت فى أمرنا كله، فإن كان الذى نحن عليه أصح من الذى أنت عليه، كنت قد أخذت منه حظا، وإن كان الذى أنت عليه أصح من الذى نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا فأنزل الله: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، حتى انقضت السورة. تفسير ابن أبى حاتم (10/ 3471). فكان يمكن للنبى، صلى الله عليه وسلم، أن يتأمر عليهم ثم يلزمهم بالأحكام الشرعية ويطبق الإسلام قهراً، فاختار النبى، صلى الله عليه وسلم، الأصعب، ولكنه الأثبت، فبدأ بالقاعدة وبناء الفرد ثم الأسرة، فثبت الدين فى القلوب ولم يتغير بتغيير الحكام، انظر إلى ما يتعرض له غير الناطقين بالعربية من مسلمى آسيا ولم يرتد منهم أحد؛ بل انظر لمحاولة أمريكا إفساد الأفغان بنشر السينما والأفلام الإباحية فلم تخلع امرأة الحجاب ولم يترك رجل دينه، ذلك لأن الإسلام تمكن من قلوبهم ولم يفرض عليه قهراً. فإن كان هدف الإخوان رضى ربهم، وكذلك السلفيون، مع اختلاف الأسلوب والسبيل، فإن الثورة جاءت لتكون بياناً عملياً لأى السبيلين أصح، وأى المنهجين أثبت، وكان لكل فريق موقفه من الثورة، فأى الموقفين كان أصح.. هذا ما سنعرفه فى المقال القادم بإذن الله. hotmail.com @ Amged_gh موضوعات متعلقة الشيخ أمجد غانم يكتب: هل ربح الإخوان المسلمون ب"ثورة 25 يناير" وخسر السلفيون.. وما هو الفرق بين السلفيين والإخوان المسلمين؟