من أهم مكتسبات ثورة 25 يناير هو حرية الإعلام بكافة صورة وأشكاله، والتى تعتبر أيضا مقياسا على حرية الفكر والرأى والتعبير ومن أهم حقوق الإنسان، وتعظم الرقابة والشفافية وتركيز الضوء على السلبيات والإيجابيات فى المجتمع فالإعلام مرآة يعكس ما يجده وما يدور فى المجتمع من صراعات وإخفاقات ونجاحات، فهو أداة ووسيلة للنقد الذاتى والتطوير والتنوير للمجتمع، وإثراء الحياة السياسية والفكرية ومختلف أوجه الحياة، بل هو من ضروريات النهضة والتقدم، وتصحيح الأخطاء، ومن أهم معايير وأسس الديمقراطية الحقيقية، ومدى انتشار الوعى الحضارى والثقافى للأمة، والتى يجب أن تتمسك بها ونوسع دائرة الأعلام الهادف، نحو انتشار التنوير والتثقيف والعلم والأخلاق والتدين، ولذا فإن وجود صحيفة أو قناة أو أى من وسائل البث الإعلامى المرئى والمسموع والمقروء تعتبر منارات للإشعاع الفكرى والتوجيه، ولذا عد الإعلام من حيث قوة تأثيره من سلطات الدولة وقوتها الناعمة والتى لا يقتصر أثره داخل حدود القطر بل يتعدى إلى التأثير على أقطار مختلفة وشعوب وقبائل، ولذا قد يغذى سبل التعارف والتقارب بينها أو الفتنة والتناحر والاقتتال، ولذا نقف بكل قوة وراء حرية الإعلام، ولكن الحرية المسئولة وليست الحرية المطلقة أو المقيدة وهذه الوسطية والاعتدال والمسئولية من خلال المادة التى يبثها الإعلام يجب ألا تحتوى على التمييز أو العنصرية أو ازدراء الآخرين أو الأديان أو العادات أو التقاليد أو الأعراف، وأن يكون هدفها المحافظة على السلام الداخلى والإقليمى والعالمى، وأن يقوم رجال الإعلام والثقافة والفكر و الدين والسياسة فى عمل ميثاق الشرف الإعلامى وتحديد المواد والوسائل والمنهجية والمهنية التى تحكم العمل الإعلامى، لنحافظ على شرف المهنة وتنقيتها من الشوائب التى تعترضها، وحتى لا يحدث ارتداد عن الديمقراطية أو مكتسباتها ، وفى حالة وجود بعض الحالات الفردية التى تخرج عن المعايير المهنية أو الأخلاقية أو تؤثر على التماسك المجتمعى أو السلم الداخلى أو إحداث الفتنة بين أفراد المجتمع، والنيل من الحرية الشخصية للآخرين أو سمعتهم وشرفهم، يتم تقييم المادة الإعلامية من خلال المعايير الموضوعة التى وضعها الإعلاميون أنفسهم. واقترح أن تكون هناك لجنة عليا من رجال الإعلام والصحافة تسمى لجنة القيم على غرار لجنة القيم الموجودة فى البرلمان، ولذا يجب أن تكون هذه اللجنة منتخبة من نقابة الصحافة والإعلام، وألا يتم تحويل الإعلامى أو القناة إلا بعد أخذ القرار من لجنة القيم والتى يجب أن تتمتع بصلاحيات، وهذا يحتاج إلى حوار بين رجال الصحافة والإعلام للاتفاق على هذه الصلاحيات، وينطبق ذلك على الإعلام الرسمى الحكومى والخاص، وتكوين مجلس أعلى للإعلام تتبعه لجنة القيم والتأديب، وليس للسلطة التنفيذية أى تدخل فى عملها وقراراتها ملزمة للمجلس الأعلى للإعلام، حيث فى حالة مخالفة ميثاق الشرف الإعلامى تقدم شكوى إلى المجلس الأعلى للإعلام الذى يحيل الموضوع إلى لجنة القيم والتأديب والتى تدرس الموضوع، وإذا رأت تجاوزا فى حدود معينة ممكن أن توقع عقوبات على المتجاوز، ولكن إذا كانت فى الحدود العليا تحيل الموضوع إلى القضاء، وهذا النظام يشبه بما يحدث لأعضاء مجلس الشعب فى حالة المخالفة، مما قد يعطى حصانة ما للإعلامى والمؤسسة الإعلامية، وذلك لأنه قد يكون هناك نسبة خطأ مسموح بها كمعايير مهنية ممكن التجاوز عنها والتى يتم وضعها ومعرفتها وتحديدها من خلال الحوار المهنى الإعلامى، ولكن هناك بعض التجاوزات لا يمكن السماح بها وتعتبر مخالفة للقواعد ومعايير ميثاق الشرف الإعلامى، والتى تؤدى إلى تعرض المخطئ للعقاب والمحاسبة، وهذا يساعد على حرية الإعلام والتطهير الذاتى لهذه المؤسسة الهامة وفى حالة المخالفات الجسيمة يتم تحويل لجنة القيم المتجاوز إلى القضاء. ولذا فإن ما يحدث فى الساحة الإعلامية من غلق قناة الفراعين ومنع إعلاميين من ممارسة عملهم فى ظل هذه الظروف الحرجة التى تمر بها مصر وتشكيل نظام جديد على أنقاض النظام القديم التى قامت الثورة على هدمه، من أجل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية فيجب أن نفكر مليا قبل اتخاذ خطوات قد تؤدى إلى وضع الثورة فى قفص الاتهام لضلوعها فى تقييد الحريات، وبالتالى يضيع أحد أهم مكتسبات ثورة 25 يناير وهى الحرية ومنها حرية الإعلام، والتى شاهدناها عقب قيام الثورة، ولذا قبل الحكم على الآخرين فى هذا الجو المشحون والتى تختلط الأمور وتلتبس على الناس، ويختلط الحق بالباطل، لذا أرى عدم التسرع فى قصف الأقلام وإغلاق القنوات بالرغم من بعض التجاوزات التى تكون قد قامت بها فى هذا الظرف الراهن من تاريخ مصر وتكوين مؤسسات للدولة، ومنها الإعلام، وعدم تمتع مؤسسة القضاء بالاستقلال التام وغياب البرلمان، ولذا أرى أن نعبر هذه المرحلة بحلوها ومرها، ولا يتم غلق القنوات أو قصف الأقلام إلا بعد الاتفاق على القواعد والمعايير والأسس التى تحكم المؤسسات الإعلامية، ليس دفاعا عن قناة الفراعين أو أحد بعينه، ولكن دفاعا عن الثورة والتى أعلن الرئيس مرسى من أول يوم انحيازه لها فى أول لقاء له مع الثوار من ميدان التحرير، وذلك لأن ما حدث يعطى صورة سلبية للثورة التى قامت من أجل الحرية، وإذا كانت العدالة الاجتماعية والنهضة والتقدم التى نسعى لتحقيقها فى مصر بعد الثورة تحتاج إلى وقت وجهد وإسهام المصريين جميعا، فإن ضياع حرية الإعلام تنقص من رصيد الثورة التى نحتاجه لإكمال عملية البناء والنهضة، ولذا أرى أن إصدار الرئيس قرارات من شأنها عودة البث لقناة الفراعين وعدم قصف الأقلام أو تكميم الأفواه، وسيصب ذلك فى رصيد الرئيس الذى يزيد يوما بعد يوم، وليتحلى قلبه بالصبر لشعب ذاق مرارة الظلم الذى يعرفه الرئيس جيد، وليسع قلبه النقد، وليعطى نموذجا لسماحة الإسلام وعفوه، والله غالب على أمره، وهذا لا يعنى عدم المحاسبة ولكن بعد إرساء القواعد والمعايير التى تحكم مؤسسات الإعلام حتى يميز الله الخبيث من الطيب.