أعلن المهندس «فتحى شهاب الدين» رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشورى عن فتح باب الترشيح لشغل منصب رؤساء تحرير الصحف القومية «55 صحيفة ومجلة» لمدة أسبوع بدأ يوم الثلاثاء الماضى 3 يوليو وينتهى يوم الاثنين 9 يوليو «بعد غد»، وذلك طبقا لمعايير وشروط حددها مجلس الشورى، ويقدم الصحفيون الراغبون فى تولى منصب رئيس تحرير لأى من إصدارات المؤسسات القومية طلباتهم إلى لجنة من 14 شخصية شكلها مجلس الشورى برئاسة «المهندس» فتحى شهاب الدين. وقد أثار القرار ردود أفعال واسعة فى الوسط الصحفى والرأى العام، وأعاد طرح قضية ملكية المؤسسات الصحفية القومية وأسلوب اختيار وتعيين رؤساء التحرير «ورؤساء مجالس إدارات الصحف القومية»، فى ظل مخاوف حقيقية من استبدال هيمنة الحزب الحاكم «الاتحاد الاشتراكى العربى ثم الحزب الوطنى الديمقراطى» والسلطة التنفيذية، بهيمنة حزب الحرية والعدالة «جماعة الإخوان المسلمين». وكانت هذه المخاوف قد تفجرت بقوة فى شهر مارس الماضى عندما أدلى «د. أحمد فهمى» رئيس مجلس الشورى وأحد أبرز قيادات حزب الحرية والعدالة بتصريح حول التغييرات الواجبة فى رؤساء تحرير ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية «8 مؤسسات صحفية قومية، يعمل بها 13 ألف صحفى وعامل وإدارى، وتبلغ ديون هذه المؤسسات مبلغا يتراوح بين 7 و12 مليار جنيه»، حيث إن رؤساء التحرير والإدارة تم تعيينهم فى 18 مارس 2009 لمدة 3 سنوات أى أن مدتهم تنتهى فى 18 مارس 2012. وزاد من المخاوف تصريحات لبعض قادة الإخوان وحزبهم تتهم الصحفيين والصحف بأنهم «سحرة فرعون» الذين ينبغى استئصالهم، أو «علمانيون» مشكوك فى إيمانهم. وتأكدت هذه المخاوف عندما أعلنت المعايير المحددة لاختيار رؤساء التحرير واللجنة التى ستختارهم من بين المتقدمين لها، والمكونة من 14 شخصا يرأسهم رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشورى و4 من رؤساء لجان مجلس الشورى وعضو بلجنة الثقافة والإعلام بالمجلس وكلهم ينتمون لحزبى الحرية والعدالة «أو حزب النور السلفى»، وثلاثة من أساتذة الإعلام وأستاذ بكلية الاقتصاد وينتمون بدورهم للإخوان المسلمين أو قريبون منهم، وثلاثة من الصحفيين ورابع بصفته ممثلا للمجلس الأعلى للصحافة. ورغم تأكيد كل من ممدوح الولى نقيب الصحفيين وجمال عبدالرحيم وكيل النقابة أن «المعايير التى يتم بها اختيار الأعضاء المرشحين لمناصب رؤساء التحرير تم وضعها من قبل أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين.. وتم إقرارها من قبل نقابة الصحفيين بعد عقد عدد من جلسات الاستماع والاجتماعات مع رؤساء مجالس الإدارات وأعضاء الجمعيات العمومية لكل المؤسسات القومية».. أعلن جمال فهمى وكيل أول نقابة الصحفيين رفضه للضوابط التى وضعها مجلس الشورى لاختيار رؤساء التحرير «والتى تسعى إلى أن تكون الصحافة تابعة للسلطة التشريعية»، ووصف «كارم محمود» سكرتير عام النقابة للجنة التى شكلها مجلس الشورى بأنها «لجنة غير مؤهلة» للنظر وتقييم أى قيادة صحفية. ومن الواضح أن مشكلة تغيير رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات هى مجرد عرض للمرض والمشكلة الأساسية التى تعانى منها الصحافة المصرية منذ صدور قرار تنظيم الصحافة عام 1960، وهى قضية ملكية الصحف والمؤسسات القومية. فهذه المؤسسات «مملوكة ملكية خاصة للدولة» ويمارس حقوق الملكية عليها مجلس الشورى، وذلك طبقا للقانون. وللحقيقة والتاريخ فلم يمارس مجلس الشورى حقوق الملكية أو أى دور حقيقى فى إدارة الصحف والمؤسسات القومية. لقد خضعت الصحف والمؤسسات القومية لمؤسسة الرئاسة التى كانت تتخذ القرار طبقا لما يريده رئيس الجمهورية والذى كان يعتمد فى مجال الصحافة على تقارير مباحث أمن الدولة والمخابرات العامة والرأى الذى يبديه «صفوت الشريف» أمين عام الحزب الوطنى ورئيس مجلس الشورى، وفى الفترة الأخيرة أصبح لجمال مبارك كلمة حاسمة فى اختيار رؤساء التحرير. واقتصر دور مجلس الشورى فى إدارة الصحف القومية على تلقى رسالة من رئيس الجمهورية تتضمن أسماء من وقع عليه الاختيار لرئاسة تحرير وإدارة الصحف القومية ويتولى رئيس مجلس الشورى تلاوة الأسماء كاقتراح من مكتب مجلس الشورى على أعضاء المجلس ليوافقوا عليها -كما هى- دون أى نقاش. واستمرار هذه الملكية الغائبة، واستبدال الحزب الوطنى بحزب الحرية والعدالة أمر لا يمكن السكوت عليه. وقد طرح موضوع الملكية للنقاش أكثر من مرة، وقدمت اقتراحات عديدة بشأنه. ويحضرنى الآن التوصيات الصادرة عن ورشة العمل التى نظمها «مركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان» فى 30 يوليو 1995 عقب صدور قانون اغتيال حرية الصحافة 93 لسنة 1995 ومناقشة الورشة لورقتى عمل مقدمة من حسين عبدالرازق وصلاح عيسى، والتى اقترحت تحويل المؤسسات الصحفية إلى شركات مساهمة يملك العاملون %51 من أسهمها وتطرح %49 من الأسهم للمواطنين أو تملك لمجلس الشورى، وهو ما تضمنه مشروع «قانون بشأن حرية الصحافة، والصحفيين» الذى صدر عن هذه الورشة وتولى الصياغة القانونية له «نبيل الهلالى». كذلك التوصية الصادرة عن المؤتمر العام الثالث للصحفيين «5 - 7 سبتمبر 1995». وربما يكون المطلوب الآن هو مؤتمر جديد للصحفيين يركز على موضوع ملكية الصحف والمؤسسات القومية، وكذلك القوانين التى تتعلق بحرية الصحافة والإعلام.