تبدأ من 250 دولارا للمتر.. طرح 733 وحدة في القاهرة الجديدة وأكتوبر وزايد للمصريين بالخارج    نقيب الصحفيين ل قصواء الخلالي: إسرائيل ترتكب جريمة ضد الإنسانية في حق الفلسطنيين    ضياء رشوان: نتنياهو في مأزق وكل تفكيره البقاء بالحكم لأطول فترة    محمود فوزي: «الحوار الوطني» يدعم قرارات الدولة المصرية لحماية الأمن القومي    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    إصابة 9 أشخاص في انقلاب سيارة بالمنيا    الصين وفرنسا تؤكدان ضرورة حماية المدنيين في قطاع غزة    هتوصل للقلب بسرعة.. أجمل كلمات تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    "في لقاء بطله العارضة".. دورتموند يعبر باريس ويصل لنهائي دوري الأبطال    بالصور.. أنغام تكشف عن جلسة تصوير بفستان حفل أوبرا دبي "الساحر"    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    ملف العمل في "الجمهورية الجديدة "| الحلقة الثانية عشرة.. تشريعات لتعزيز علاقات العاملين وامتثال للمعايير الدولية    للمرة الأولى.. سيدة من ذوي البصيرة رئيسا لأحد الأقسام بجامعة الأزهر    أثارت الجدل بإطلالتها.. مطربة شهيرة تظهر بفوطة حمام في حفل Met Gala    مريم الجندي تتألق بالأسود في أحدث ظهور لها على "إنستجرام".. صور    بالفيديو.. أسامة الحديدي: سيدنا النبي اعتمر 4 مرات فى ذى القعدة لهذا السبب    النفط يتراجع مع استئناف الحكومة الأمريكية شراء النفط لاحتياطيها الاستراتيجي    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    أسامة كمال: اتحاد القبائل العربية حائط صد لمنع زعزعة الاستقرار    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    بوينغ تلغي أول رحلة مأهولة لها إلى الفضاء بسبب خلل في صمام الصاروخ    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    وضع حجر الأساس لنادي النيابة الإدارية في بيانكي غرب الإسكندرية (صور)    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحشاشين.. ثقل التاريخ وقسوة الراهن
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 03 - 2024

انتصف شهر رمضان ولا يزال مسلسل "الحشاشين" تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمي، يتصدر ساحات الجدل والنقاش الساخن بين فريقين، أولهما يتماهى معه بوصفه ملحمة تاريخية وخطوة راسخة على درب الدراما المصرية شكلًا ومضمونًا، أي بصريًا وحكاية، وثانيهما يستهجن ويستنكر تفاصيل كثيرة في الحكاية، تتعلّق معظمها بأسباب إنجازه ثم بكيفية تنفيذه، وبعضها بفذلكة اصطياد أخطاء تاريخية، وهي أمور اعتادتها الأعمال التاريخية مع جماهير عطشى للمعرفة وتحاول أن يكون لها وجهة نظر.. على خلفية السجال المُثار، فإننا بصدد مسلسل (موضوعًا وشخصيات وسياقات وأحداثًا وتفاصيل) يُشكّل نوع من التوثيق البصري والفني لحكايات وأحوال في التاريخ، دون إغفال للخيال وتأثيره وفعاليته، بما قد يأخذنا لتأملات جديدة في واقعنا الحالي، فالذاكرة والتاريخ مليئان بقصص ظاهرها مثير وأخاذ وباطنها باطش وعنيف، أما الحاضر والراهن فهو مبنيٌّ على إرث القسوة الذي نحاول الإفلات منه.
منذ استهلاله قدم أحداثه في مرحلة تاريخية ثرية بالأحداث والتحولات، يحكي عن حسن الصباح وجماعة الحشاشين في القرن ال11 الميلادي، والكثير من قصص العنف والدماء والدهاء والحيلة.. ثمة قراءة مُعمّقة لواقع في الماض، ينبش من خلالها الكاتب عبد الرحيم كمال فصلًا من التاريخ لإضاءة أزمة الحاضر، تناسق واضح في سياقه الحكائي، شخصيات من التاريخ والذاكرة ومناخ إنساني مشبع بالوقائع ومكتوب بسلاسة، يعيد صوغ الماضي كأنه جزء حيّ من الحاضر.
ربما هذه الطريقة كانت من أسباب الاحتجاج والاستنكار لدى الفريق الثاني الذي اعتبر المسلسل انعكاسًا لخلافات على أرض الواقع، أو بالأحرى أنه يبلور الحاضر بإسقاطات تاريخية تهدف إلى تصفية حسابات معاصرة، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون هذه هي النقطة الأبرز في الهجوم على المسلسل من زاوية أنه تم تطويع السيناريو حسب هذا الاتجاه، كأنه "شطحة" فكرية تستخدم التاريخي لمحاربة جماعات وطوائف معاصرة، لم ينتبه أصحاب هذه الرؤية أنهم يتبنون نظرية تكرس للطائفية بتاريخها الشرس، كما فعلت "الحشاشين" منذ وُجدت، إنهم هنا متشابهون وإن اختلفت الطرق في ترسيخ أفعالهم، ولم يستوعبوا الدراما وما تتطلبه من الخيال وتجلياته التي تنطرح من خلالها الوقائع مفعمة بما يسد ثغراتها، وإلا تحول العمل إلى بيان أيدولوجي، وهذه أمور ليست هينة على كاتب العمل وسعيه لتقديم حكاية إبداعية.
الخيال أكثر تحريضًا على التفكير والتأمل وإعمال العقل إزاء المسائل كلّها. شيءٍ من الخيال ينجز صنيعًا فنيًا يتنوّع بتنوّع هواجس مُبتكرِه وأحلامه وتساؤلاته وقلقه وخيباته ومشاعره وأفراحه، ويُشيد بناءً جماليًا ودراميًا يستند على فنون وآداب وعلوم إنسانية مختلفة، وهذا يعني اتّساع متطلّباته، ما يدفعه إلى سبر أغوار نفوس بالاتّكاء على الخيال، في جزءٍ أساسيّ من صُنعتها، هذا يعني أنّ الخيال له قدرته الساحرة على التأثير المُباشر في الوعي، بطرح أسئلة، والحثّ على البحث عن إجابات عنها. تسهم في بلورة وعي ومعرفة وتساؤلات. والصورة المنجزة بتقنيات متطوّرة أقدر وأسرع على ممارسة هذا التأثير غير المحصور في جانب من دون آخر. هذا يصنع بهاءها ورونقها، وحضورها عند ناس مختلفي الأذواق والثقافات والتربية والمسالك والمفاهيم.
ثمة نقطة أخرى بارزة وهي مصادرة إدراك الجمهور على إعتبار أنه لن يفهم المسلسل، لأن الأغلبية لم تقرأ عن صراع المذاهب أو الطوائف الدينية وتوسع نفوذهم، وبالتالي فإن صُناع "الحشاشين" وفق هذا التصور قد أوقعوا أنفسهم في ورطة كبيرة، لأنهم لن يستطيعوا تفسير ما حدث أو حتى سرده مما سيجعلهم يقدمون الأحداث بطريقة ملغزة، غير محبوكة وعصية على الفهم وطاردة للمتفرجين.. في الحقيقة هذه رؤية غريبة لأنها مرة أخرى تستنكر تفعيل الخيال وهو أساس العمل الفني، كما تتجاهل أعمال تاريخية كثيرة سابقة لم يكن الجمهور في حينها يدركها ثم صارت جزءً من وجدانه وميراثه الثقافي.. وبالمناسبة هناك بعض الأعمال الدرامية السابقة تطرقت بأشكال متفاوتة لجماعة الحشاشين وحسن الصباح، يذكرني مثلًا صديقي الناشر السوري المعروف مجد حيدر، حين نبهني إلى إصداره الطبعة العاشرة من رواية "الموت" للسلوفيني "ڤلاديمير بارتول" وما ورد فيها عن قلعة "الموت" وشخصيات "الحسن بن الصباح" و"عمر الخيام" و"نظام المُلك" وعملية تقويض سلطة سلاجقة الأتراك في بلاد فارس عام 1092 وغيرها، فيقول: "كلّها عناصر وُجِدت واقعيًا في التاريخ لكنها ليست في هذه الرواية أكثر من عناصر سردية في نص لا يكتسب واقعيته سوى من كونه الآن بين أيدينا".. أليس هذا التنبيه من "مجد حيدر" والذي أعقبه بتنبيه آخر حين كتب:" بمناسبة النسخة التلفزيونية "المصرية" الثانية، تحت مُسمّى "الحشّاشين"، وكانت الريادة قبلًا لمسلسل سوري، بالعمل على سيرة "الحسن بن الصباح" وقلعته الأسطورية "الموت" وجماعته السرية المسماة "الحشاشين" التي هددت عروش خلفاء المسلمين، المختلفَة لا المؤتِلفة قلوبهم، بكافة أصقاع الأرض".. ألا يدل هذا على حضور لافت الانتباه للمسلسل كفكرة وموضوع، وأن إغلاق أبواب المعرفة على الجمهور هو أمر غير منصف، بل إنه فيه قدر كبير من التعنت والتَكَبُّر في ذات الوقت؟.
في مقابل ذلك فإنه حتى ما تابعناه من احتجاج على استخدام اللهجة المصرية في حوار المسلسل بدلًا من العربية الفصحى، تُعد هذه النقطة بالذات مفتعلة إلى حد كبير وفي غير موضعها، وقد قام العديد من النقاد بتفنيدها وتخليصها من فذلكة أخرى لاداعي فني أو قومي لها، وهي بصراحة فيها نوع من الاستعلاء غير المبرر على العامية المصرية، وهو أمر غير مفهوم من ناحية وغير منطقي من ناحية أخرى خصوصًا وأن لدينا تجارب ناجحة في ميراثنا الفني بالدارجة المصرية، فما زلنا نردد حوار فيلم "وإسلاماه" الذي أخرجه أندرو مارتون في بداية ستينيات القرن الماضي، كما مازلنا نتذكر ما فعله يوسف شاهين حين مزج العامية بالفصحى في أفلامه:" الناصر صلاح الدين، المهاجر، المصير"، ويصرف النظر أن العامية المصرية الأكثر إنتشارًا في ربوع العالم العربي لم تقابل هذا الاستهجان كما يحدث الآن من بعض أبنائها، وهم أنفسهم الذين استقبلوا بترحاب مسلسلات تركية تاريخية مثل أجزاء "حريم السلطان" بالعامية التركية أو الدارجة السورية دون إعتراض، وكذلك المسلسل الإيراني "يوسف الصديق" تم تقديمه بالفارسية قبل دبلجته إلى العربية، مع أن الشخصيات في المسلسل في الأصل كانت لا تتحدث الفارسية أو العربية، فلماذا إذن يريدون "الحشاشين" بالعربية لفصحة وهو الذي يسرد حكاية عن جماعة هي بالأساس غير عربية؟.
على أية حال فإنه في هذا السجال دلالات نجاح يصعب تجاهلها، وتكشف عن مهارة صانعي المسلسل التي تقودنا إلى مهارة مخرجه بيتر ميمي، وبراعته في استخدامه للتقنيات التي توازي ثقل النص والسيناريو، تجلى ذلك في الصنيع البصري المتكامل: الصورة، الديكور، الملابس، الماكياج، الجرافيك، المونتاج وكافة العناصر الفنية التي تسهم في تغذية الخيال وتحرض على التأمل، وهو الهدف الذي أشرت إليه سابقًا، هذا غير الأداء التمثيلي الذي يبين قدرات الممثلين وتغيير جلدتهم القديمة إلى تحديات جديدة، قد يتضح هذا مع كريم عبد العزيز في دور حسن الصباح، أحمد عيد في دور زيد بن سيحون، فتحي عبد الوهاب في دور نظام الملك، وإن تفاوت أداء نيقولا معوض في دور عمر الخيام، لكنه أيضًا يجدد دماء التمثيل بأسماء مثل أحمد عبد الوهاب في دور الجندي يحيي، ميرنا نور الدين في دور دنيا زاد، سارة الشامي في دور نورهان و.. غيرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.