"بابا العرب" هو الاسم، الذى نفضله جميعا لهذا الرجل العظيم، الذى فقدته مصر، بعد صراع طويل مع مرض شديد. لقد فقدنا مواطنا مصريا عظيما وحبرا جليلا ورائدا مميزا للعمل الوطنى المشترك والوحدة الوطنية فى مصرنا الغالية، إنه بحق فقيد الأمة العربية البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. بابا العرب هو صاحب الجملة الشهيرة، التى قالها فى حب مصر " مصر ليست وطنا نعيش فيه وإنما وطن يعيش فينا" علمنا كيف نحب مصر، كان حريصا على الوحدة الوطنية رفض الذهاب إلى القدس بجواز سفر عليه ختم إسرائيل، رفض الذهاب إلى القدس إلا فى صحبة شيخ الأزهر. فقدت مصر أحد قاماتها الكبيرة، وأحد رموزها العظيمة. كان البابا شنودة، شاعرا وأديبا وصحفيا بارعا وماهرا، كنا نتابع مقالاته، التى تدل على إنسانيته ووطنيته، بالصحف المصرية، وهو ليس رمزا للكنيسة المصرية فقط، بل رمز من رموز الوحدة الوطنية المصرية، وآلام وأحزان فراقه، لا تقتصر على إخواننا الأقباط فقط، بل تمتد لتشمل كل المصريين مسلمين ومسيحيين. أنا شخصيا أعرفه جيدا، حيث رأيناه وسعدنا برؤيته وسماعه، فى دير القديسة دميانة، فى قريتنا جميانة عدة مرات وفاجعة فراقه أصابتنا جميعا، فى هذه القرية المباركة أقباطا ومسلمين. ولد البابا شنودة الثالث، عام 1923م فى قرية سلام بمحافظة أسيوط والتحق بجامعة فؤاد الأول ودرس التاريخ الفرعونى والإسلامى، بكلية الآداب. عمل أستاذا وتلميذا، فى نفس الوقت فى كلية اللاهوت القبطى، بدأ حياته صحفيا بجريدة الجمهورية، واسمه نظير جيد روفائيل، وهو عضو بنقابة الصحفيين المصرية. أكمل دراساته العليا فى علم الآثار القديمة وعمل محررا، ثم رئيسا لتحرير مجلة مدارس الأحد وكان خادما فى مدارس الأحد ونال شرف تأدية الخدمة الوطنية كضابط بالجيش المصرى العظيم. انخرط فى سلك الرهبنة عام 1954م باسم الراهب أنطونيوس السريانى، وعمل سكرتيرا خاصا للبابا كيرلس السادس عام 1959م، ورسم أسقفا وكان أول أسقف للتعليم المسيحى، وعميدا للكلية الإكليريكية عام 1962م. وتولى قيادة الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية فى عام 1971م، بعد وفاة البابا كيرلس السادس ليصبح البابا رقم 117 لهذه الكنيسة العريقة، التى يفتخر بها كل مصرى غيور، ومحب لبلده مصر. عرف بآرائه المعتدلة وقيادته الحكيمة للكنيسة ودشن فى فترة بابويته الكثير من الكنائس فى بلاد المهجر وفى دول الخليج. للتاريخ كانت له أزمة مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بسبب رفضه الذهاب معه إلى القدس واعتراضه على اتفاقية السلام مع إسرائيل وهو موقف يتسق تماما مع موقف أغلبية شعب مصر. ووصل به المشهد إلى القطيعة مع رئيس الجمهورية، وللتاريخ أيضا عانى كثيرا ومعه كل المصريين من النظام الأمنى البوليسى للرئيس المخلوع، وفى ثورة 25 يناير المباركة آثر الصمت، وترك الباب مفتوحا لمن يريد أن يشارك من شباب الأقباط، التى زادت من قوة الانصهار الوطنى للشعب المصرى الواحد. استطاعت الكنيسة الأرثوذكسية فى عهد البابا شنودة الثالث، أن تبسط نفوذها فى رقعة أكثر إتساعاً من العالم، حيث تمكن البابا من توطيد العلاقات بين كنيسته، والكنيسة الإثيوبية، والكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان، كما دشنت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى عهده عدداً من الكنائس فى بلدان أوروبية كفرنسا وإنجلترا وألمانيا، وكذلك دشنت عدداً من الكنائس لها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا واستراليا، فضلاً عن الكنائس التابعة لكنيسة الإسكندرية فى العراق وسوريا و الأردن وأخيرا دولة الإمارات والكويت. وأخيرا نقول بابا العرب فى ذمة الله ورحمته ونعزى أنفسنا وإخواننا وأخواتنا فى الوطن من أقباط مصر لوفاة البابا شنودة الثالث.