من مآسى التفكير فى بلادنا إطلاق توصيفات ومسميات على سياسات أو حركات تأخذ مجرى المصطلحات وهى أبعد ما تكون عن مضمون المصطلح وسياق الظروف الموضوعية التى قيل فيها. فمثلا بعد زوال حكم مبارك والاستعداد لانتخابات رئيس للجمهورية قال البعض إن مصر تنتظر الجمهورية الثانية فى إشارة إلى أن الفترة من 18 يونيو 1953 «إعلان الجمهورية» إلى 11 فبراير 2011 تاريخ تخلى مبارك عن الحكم هى الجمهورية الأولى التى تعاقب على رئاستها أربعة رؤساء هم: محمد نجيب، وجمال عبدالناصر، والسادات، ومبارك. وهذا التوصيف ليس صحيحا طبقا لأصل المصطلح، ذلك أن هذا المصطلح مصطلح فرنسى تم وضعه للتمييز بين فلسفة حكم وأخرى منذ بدء الحكم الجمهورى عقب الثورة الفرنسية الشهيرة وإعدام الملك لويس السادس عشر «1789 - 1793»، والدليل على ذلك أنه رغم عدد الذين تولوا رئاسة الجمهورية فى فرنسا إلا أن فرنسا منذ مايو 1958 حين تولى شارل ديجول الحكم وحتى رئاسة ساركوزى تعيش فى ظل الجمهورية الخامسة، أى أن فلسفة الحكم لم تتغير رغم تعاقب الرؤساء. وقياسا على استخدام المصطلح استخداما سليما طالما أننا ننقله عن الغير، فإن مصر تنتظر الجمهورية الرابعة والرئيس الخامس وليس الجمهورية الثانية.أما الجمهورية الأولى فى مصر فهى التى تولاها محمد نجيب «18 يونيو 1953 إلى إقالته فى 14 نوفمبر 1954» وكانت جمهورية انتقالية لا ملامح لها.والجمهورية الثانية هى التى تولاها جمال عبدالناصر «من مارس 1956 إلى وفاته فى 28 سبتمبر 1970» وهى جمهورية تحقيق مبادئ ثورة يوليو فى السياسات الداخلية «دور الدولة فى الاقتصاد» والخارجية «الحياد الإيجابى وعدم الانحياز ومواجهة الاستعمار أينما كان وتأييد حركات التحرر الوطنى»، والجمهورية الثالثة هى التى بدأت من 15 أكتوبر 1970 إلى 11 أبريل 2011 حيث تولاها أنور السادات وخلفه حسنى مبارك، وفيها وتحت رئاسة الاثنين تم الانقضاض على سياسات وفلسفة الجمهورية الثانية حيث تخلت الدولة عن دورها الاقتصادى - الاجتماعى داخليا وعن سياسة عدم الانحياز وأصبحت منحازة للأجندة الأمريكية - الإسرائيلية على نحو عصف بشخصية مصر الدولية والإقليمية. وإذا استمرت الجمهورية الجديدة التى ننتظرها على فلسفة حكم السادات - مبارك داخليا وخارجيا فسوف نكون فى أعطاف الجمهورية الثالثة برئيس جديد. أما إذا كان قصد أولئك من قولهم إن مصر تنتظر الجمهورية الثانية إشارة إلى أن الجمهورية الأولى تولاها عسكريون وأننا ننتظر رئيس جمهورية غير عسكرى.. فهذا خطأ فى المصطلح أيضا، ذلك أن التصنيف السياسى فى الحكم بين جمهورية وأخرى لا يتم بناء على الأصول الوظيفية للحاكم من حيث أن يكون عسكريا أو غير عسكرى.. وإلا لكان فؤاد الأول ملك مصر حاكما عسكريا فقد كان ضابطا فى الجيش الإيطالى باعتبار نشأته فى إيطاليا بعد نفى والده الخديو إسماعيل إلى هناك وخدم فى الكتيبة 13 مدفعية ميدان، وعينه السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى فى 1890 ملحقا عسكريا فى سفارة الدولة فى فيينا، ولكان الرئيس الأمريكى آيزنهاور «يناير 1953 - يناير 1961» حاكما عسكريا فقد كان قائد قوات الحلفاء فى أوروبا برتبة جنرال أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكان أيضا حسين ملك الأردن حاكما عسكريا فقد تخرج فى كلية ساندهيرست العسكرية فى لندن، وغيره كثير من حكام العرب فى الخليج الذين تخرجوا فى هذه الكلية عندما كانت بلادهم تحت سيطرة بريطانيا حتى 1971. لماذا نخوض فى مسائل دون دراية بأصولها ونأخذ أفكارنا بالسمع دون القراءة لندرك حقائق الأمور عن علم؟؟